في كل يوم ينكشف سوء تدبير وتصرف الإخوان في إدارة شئون البلاد, في كل يوم يظهر دليل جديد على عوار اختياراتهم ومنهجهم في الحكم, بالأمس القريب أحضروا أردوجان ليدعم موقفهم, فأدلى بتصريحات خيبت آمالهم, وهذه الأيام بعد أن ضاق الخناق عليهم وظهرت آثار سياستهم الفاشلة, استدعوا مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابق، وباني نهضتها والذي تولى الحكم عام 1981, وكانت ماليزيا في عداد الدول المتخلفة والفقيرة, التي تعيش على الإعانات والقروض والصدقات وكان دخل الفرد فيها من أقل الدخول في العالم, ولكنه (مهاتير) كان ذا عقليه متفتحة, واسعة الأفق, ذا نظرة بعيدة مستقبلية, متحرر من ربقة التعصب للأحزاب أو الجماعات أو الأعراق, فبدأ التفكير في أحسن السبل للنهوض ببلده ذات الأعراق والأديان المختلفة والمتفرقة, فما وجد سبيلًا غير كلمة واحدة يجمع بها الأضداد, ويلم بها شمل الفرقاء, وينزع بها فتيل التعصب والتحزب والافتراق, فوجد كلمة واحدة تجمع كل هذه المعاني.. التوافق.. وهذا ما قاله للإخوان في ندوته, التوافق.. الذي نادينا به من بداية الثورة, بمعنى اشتراك كل الفصائل والأحزاب والجماعات والنشطاء والشباب والشيوخ في تحمل المسئولية والمساهمة في حمل العبء, وقلنا تحديدًا وقتها إن مصر كالحجر الأسود لن يستطيع فصيل واحد أن يحملها وحدة, والغريب والعجيب والمريب أن هذا الكلام نصًا كان مذكورًا في كتيب النهضة برنامج عمل الإخوان المسلمين, لكنهم للأسف لم يأخذوا بهذا الكلام, ولم ينفذوه, ونقضوا عهودهم, ونكثوا وعودهم, وأرادوا الاستفراد بالسلطات كلها مستخدمين مجموعة من غير الأكفاء الضعفاء المسالمين الذين ينفذون تعليمات مكتب الإرشاد الذين بلغ أعضاؤه من العمر عتيًا ولا يصلحون لإدارة دولة كبيرة بعد ثورة عظيمة كمصر, لقد ظهرت أثار انفراد الإخوان بالحكم واستئثارهم به على المستوى الداخلي والخارجي, فعلى المستوى الداخلي ساهم ذلك في تجييش كل الاتجاهات المعارضة, وشباب الثورة, للوقوف ضد الإخوان, بل واستخدام العنف ضدهم بعد أن اتهموهم بخيانة الثورة والعمل المنفرد وعقد الصفقات مع المجلس العسكري في أحداث معروفة وثابتة, وهذا الاستئثار حرم البلاد من الاستفادة من طاقات وكفاءات مميزة.. وقدم أصحاب الحظوة والولاء لمكتب الإرشاد!, الدرس الثاني الذي أعطاه مهاتير للإخوان يتعلق بسعيهم الدءوب والملح في طلب قرض صندوق النقد الدولي, بالرغم من المحاذير والأخطار المحيطة بذلك، حيث قال إنهم لم يستمعوا لنصائح الصندوق المتكررة بتحرير سعر العملة (وهو ما يفعله الإخوان الآن بتحرير سعر الدولار.. مما يساهم في رفع الأسعار لارتباط الاستيراد بسعره), ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وهي التي يستفيد منها الفقراء والمعدمون والمهمشون, ومن نافلة القول أن نذكر أن غالبية موظفي الدولة يعتبرون من الفقراء والمساكين، لأن رواتبهم لا تكفي لسد ضرورات الحياة لهم ولأولادهم من مأكل ومشرب وملبس وعلاج وتعليم, وبالتالي فإن رفعه سيمثل ضربه قاصمة لهذه الطوائف, ويخلق حالة من الاضطراب الاجتماعي, والقلاقل السلوكية التي تؤدي إلى انهيار المجتمع، وهذا واقع محسوس في كل الدول التي نفذت أجندة الصندوق, الذي يتعامل مع الدول على أنها أرقام ولا ينظر لتبعات القرارات أو الأجندات التي يفرضها على الدول, لقد كان تحذير مهاتير للإخوان قاطعًا وواضحًا أن اعتمدوا على مواردكم الذاتية وإمكانياتكم المتاحة وحاولوا استغلالها وتنميتها بطريقة علمية وواقعية, ومن نافلة القول أن نذكر أن الموارد الموجودة في مصر يندر أن توجد في بلد آخر.. من إشرافها على بحرين عظيمين الأبيض والأحمر بما يتيحه ذلك من استغلال شواطئه في السياحة الداخلية والخارجية, وتوفير الثروة السمكية التي من المآسي أن الأسطول المصري كان يصطاد الأسماك ثم يبيعها في قبرص واليونان!, كذلك وجود نهر النيل بإمكانياته الهائلة غير المستغلة إلا في تشويهه والإساءة إليه من تصريف وإلقاء مخلفات المصانع به, علاوة علي عدم استغلال الثروة السمكية الموجودة ببحيرة ناصر، والتي توحشت أسماكها وكل ما تحتاجه خط للسكة الحديد بثلاجات كبيرة، لنقلها إلى القاهرة, مما يساهم في تخفيض الأسعار التي تنعكس على بقية السلع الأساسية كاللحوم, كذلك مناخ مصر الرائع وشمسها المشرقة ورخص أسعارها مما يشكل عامل جذب للسياحة الداخلية والخارجية، لكنها تحتاج إلى بنية تحتية قوية من توفر الفنادق النظيفة والرخيصة ووسائل المواصلات والنظافة عند الأماكن السياحية, والدعاية المناسبة والفعالة, لقد شاهدت أثناء إقامتي بأوروبا وتجوالي حول العالم دولًا لا تمتلك ربع ما تملكه مصر من الموارد أو الإمكانيات, لكنها بحسن استغلال وتوظيف مواردها صارت قبلةً للسائحين, وحققت ثروات هائلة ساهمت في رفع المستوى الاقتصادي لشعوبها، الدرس الثالث من مهاتير كان عن الصكوك وخطورتها وفشلها في حل الأزمة الاقتصادية لبلاده, حتى وإن أضفوا عليها كلمة جاذبة وهي الإسلامية. لقد كانت زيارة مهاتير محمد لمصر ونصائحه للإخوان دليلًا جديدًا على فشل الجماعة في اختياراتها, وفي المنهج الذي اتبعته منذ البداية من الإقصاء والتهميش لبقية القوى السياسية والفاعلة, والفشل الاقتصادي في التعويل على قرض الصندوق لحل المشاكل الاقتصادية بالرغم من كل المحاذير, والفشل الاجتماعي بتبني سياسة خلق الأعداء في الداخل والخارج, حتى صارت الجماعة تحاور نفسها, وتعيش في حالة من العزلة عن أفراد الشعب الذين يزدادون في كل يوم حنقًا وغيظًا, والجماعة لا تصدق ما ترى وتعيش في مرحلة إنكار للواقع, وإسقاط بادعاء أن الآخرين هم السبب فيما فيه البلاد من اضطراب وعدم وضوح الرؤيا وتدهور في أحوال الناس، مما ينذر بكارثة اجتماعية إن لم يتم تدارك الأمر! دكتور / جمال المنشاوي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.