لا جدال أن مهاتير محمد صاحب تجربة كبيرة ومهمة وتعد من أهم تجارب القرن العشرين، وهى تجربة وضعت بلاده ماليزيا فى مصاف الدول المتقدمة، خصوصا أنه حقق الكثير للمواطن نفسه على مستوى الدخل، والذى أصبح متوسطه يناطح متوسطات الدخل الأعلى فى العالم، والذى يسافر إلى هناك يكتشف بسهولة حجم التقدم الهائل الذى وصلت إليه هذه البلاد معتمدة على نفسها، ومن لا يعرف كان المصريون يعتبرون هذه البلاد تحديدا من الدول المتخلفة الفقيرة الضعيفة الواهية، والتى لا تتمتع بأى عنصر من عناصر القوة، حتى إنه أصبح من الدارج فى سبعينيات القرن الماضى أن المواطن المصرى الذى لا يعجبه أى تصرف من أى شخص أو جهة كان يرد مستنكرا: «هو أنا جاى من كوالالامبور»! وهذا طبعا بعد اختفاء المقولة الأشهر منها: «هو إنت فاكرنى هندى». لذلك حينما يتكلم شخص مثل مهاتير، فالاستماع إليه ضرورة، خصوصا أنه رغم كل الإنجازات التى حققها، مازال باحثا جادا ومفكرا عميقا فى جميع المشكلات التى تواجه الاقتصادات الناشئة، ومن الواضح أن الرجل مازال يتمتع بلياقة ذهنية وفكرية عالية، إلى جانب تمسكه بما قام به وأنجزه لبلاده، لذا كان الرجل شديد الوضوح فيما قال أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، فقد لخص الموقف الذى نتنازع عليه منذ أكثر من عامين، فلن يحدث شىء فى هذه البلاد من دون توافق، وأن كل ما حققته بلاده ماليزيا كان نتاجا لجميع القوى السياسية والطوائف العرقية والمذهبية، بل إن هذا الأمر تحديدا ما يعتبره مهاتير سر نجاح تجربته، وهذا ما ذكرناه مرارا وتكرارا من قبل، أنه لا توجد مرحلة انتقالية ناجحة بدون توافق وتعاضد ومشاركة كل القوى فى الحكم، وهذا ما لم تحرص عليه جماعة الإخوان، بل ذهبت فى الطريق المعاكس تماما، ومن الظريف أن مهاتير قال ذلك للإخوان والذى جاء أصلا بناء على دعوة منهم.
والمذهل فى كلام الرجل أيضا، أن الرجل أشار إلى ثلاث نقاط هامة ساهمت فى نجاح تجربة بلاده، فى مقدمتها مشاركة المرأة بدور فاعل فى جميع مشروعات نهضة بلاده من الزراعة والتعليم والصناعات الخفيفة إلى المشاركة السياسية والصناعات الثقيلة، وثانيا كما أوضح مهاتير أن صندوق النقد الدولى ضلل ماليزيا وإنه اكتشف ذلك عبر النصائح المتعددة التى قدمها مثل تخفيض العملة (نفس ما يفعله الآن الصندوق مع مصر بل ونفذته حكومة الإخوان بالفعل) وأخيرا نسف الرجل تماما فكرة الصكوك الإسلامية وعلاقتها بالنهضة فى بلاده، وتقريبا أشار إلى فشلها رغم تطبيقها، وطبعا ما ذكره الرجل من التوافق والمرأة وصندوق النقد والصكوك يكشف للإخوة فى الجماعة وفى حزب الحرية والعدالة، أنهم ليسوا فقط يسيرون فى طريق خاطئ، بل يهرولون فى الاتجاه المعاكس لطريق النهضة.