في أحد فنادق دبي، وقبل حوالي أسبوعين تم اغتيال المسئول العسكري في حركة حماس محمود المبحوح. والمبحوح قتل بعد تلقيه صعقة كهربائية ثم اغتيل في غرفته خنقًا، قبل أن يحقن بمادة دوائية خاصة لتضليل المحققين. والجريمة ببساطة تأتي في سياق عمليات الاغتيال التي يقوم بها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) الذي يلاحق العناصر الفلسطينية النشطة في الداخل والخارج. وإسرائيل لن تعترف بتنفيذ هذه العملية علنًا لأن ذلك يضعها في دائرة الانتقادات والإدانة وخرق القوانين الدولية، ولكنها تركت صحافتها تتحدث عن الموضوع بإسهاب في رسالة تقول إن المبحوح الذي كان مطلوبًا منذ 20 عامًا كونه مسئولا عن تسليح كتائب القسام ومقتل جنديين إسرائيليين عام 1989م قد تم الانتقام منه.. وسواء اعترفت إسرائيل أو لم تعترف فإن عملية الاغتيال ما كان يمكن لها أن تتم بكل هذه السهولة إذا لم يكن هناك معلومات من داخل حماس هي التي ساعدت المخابرات الإسرائيلية على تنفيذ الاغتيال. فليست هذه هي المرة الأولى التي تخترق فيها إسرائيل صفوف حماس وتحصل على معلومات من الداخل تسهل اغتيال القيادات كما حدث من قبل مع الشيخ أحمد ياسين. وحتى لا نتجنى كثيرًا على حماس وكوادرها فإن الاختراق قد لا يكون بشريًا وإنما بوسائل التنصت الالكترونية الحديثة التي تتيح لإسرائيل متابعة تحركات حماس، وإن كنا نشك في ذلك لأن إسرائيل لو كانت تملك القدرة على التوظيف الأمثل لهذه القدرات الالكترونية لكانت قد استطاعت معرفة مكان الجندي الأسير جلعاد شاليط الذي فشلت على مدار سنوات في تحديد موقع احتجازه..! ولكي يتم الكشف عن جوانب عملية الاغتيال الخفية في التحقيقات التي تجريها سلطات الإمارات حاليًا فلابد من إشراك مسئولي حماس في هذه التحقيقات دون التمسك بأن يكون التعامل الرسمي الإماراتي مع السلطة الفلسطينية فقط، فالسلطة الفلسطينية قد لا تملك المعلومات الكافية عن نشاط المبحوح الذي تتهمه إسرائيل بأنه الرأس المدبر لعمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى حماس، كما أنه كان وراء حصول حماس على العديد من الأسلحة المتطورة وخاصة الصواريخ. والإمارات التي تلقي اللوم على حماس لعدم إبلاغها السلطات الأمنية الإماراتية عن وجود المبحوح على أراضيها حيث دخلها حاملا جواز سفر لا يظهر اسم عائلته سوف تتعرض لضغوط فلسطينية هائلة للكشف عن ملابسات وحقائق ما حدث، وقد بدأ عدد من الكتاب الفلسطينيين في مطالبة الإمارات بالتعامل مع القضية بنفس الجدية والاهتمام الذي تعاملت به مع قضية قتل المطربة سوزان تميم على أراضيها..! وسيكون من الظلم عقد مقارنة بين الجريمتين لأن اغتيال المبحوح تم على أيدي عناصر مخابراتية مدربة لا تترك وراءها أثرًا، أما اغتيال سوزان تميم فقد تم على يد قاتل مأجور، كان من الممكن أيضًا أن يبقى غامضًا لولا أن هناك اتصالاً مجهولاً هو الذي أرشد السلطات الأمنية للقاتل وهويته..! ولكنها جريمة لا تحتاج إلى تحقيقات وأدلة كثيرة لمعرفة الفاعل، فإسرائيل كما جاء في الصحف الإسرائيلية تريد أن ترسل إشارة لقادة حماس بأنهم ليسوا محصنين من القتل، وأن استمرار احتجازهم للجندي المخطوف شاليط لا يمنحهم تأمينًا من الأذى على يد إسرائيل..! ولن يختلف الأمر كثيرًا إذا كانت جريمة الاغتيال قد وقعت في أي عاصمة عربية أخرى، فالأمن مخترق، وما أسهل دخول عملاء المخابرات الإسرائيلية إلى أي دولة عربية بجوازات سفر أمريكية وأوروبية، وما أكثر احترامنا وثقتنا وتقديرنا لحملة هذه الجوازات الأجنبية، وما أكثر إهاناتنا وشكوكنا وسوء معاملتنا لحملة جوازات السفر العربية فقط، فهم الذين يحتاجون لتأشيرات دخول، أما الآخرين فيدخلونها بكل سلام وأمان ليرتكبوا كل جرائم القتل والنصب والأحتيال في بلادنا، ونكتفي بالشجب والإدانة والتنديد. والمؤسف أنه حتى في هذه المرة لم نشجب ولم نهتم باغتيال المبحوح ولم تنشر الصحف العربية الخبر في صفحاتها الأولى، ولا عزاء لكل من بح صوته في الدعوة إلى الاستيقاظ، فليس ما يفعله الموساد نوعًا من البراعة والإعجاز بقدر ما هي خيبتنا وسباتنا العميق الذي طال وطال..! [email protected]