يمتعنا الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل بين الحين والآخر بإلقاء الضوء على بعض الأفكار المفاتيح وعلى عدد من الروافع القادرة على انتشال المستقبل المجهول لمصر من قاع الحاضر القاتم والغد الملتبس، وهذا ما أحاول تلمسه بعرض للحوار من خلال المشاركة بأدوات التحليل المتاحة علها تساهم مع جهود المهتمين بشأن الوطن في طرح عدد من الأسس التي يمكن الاستناد إليها في بناء مشروع قومي يحمل على عاتقه بذور رؤية شاملة لعملية الانتشال الكبرى للواقع المر المهين – الذي دفعنا إليه نظام الحكم-المتربع في أعماق الفوضى والضياع والإهمال. ففي اللقاء الذي عقده الأستاذ هيكل - مؤخرا- مع أعضاء لجنة الحريات بنقابة الصحفيين في مكتبه بعمارة الجوهرة طرح الأستاذ مجموعة من الحقائق والإشكاليات الأساسية التي تحتاج إلى مناقشات واسعة وهادئة بعد أن استغشي المستبدون ثيابهم وصموا آذانهم عن كلمة سواء تجنب البلاد مخاطر التمزق والاستقطاب. وتتلخص هذه الحقائق في مجموعة من الإشكاليات هي: 1- اختلاف واضطراب مرجعية السلطة الحالية عن النظامين السابقين. 2- السلطة الحالية ليس لها مشروع قومي ( سياسي- اقتصادي- اجتماعي..) بعيدا عن الطنطنة والضجيج الإعلامي. 3- لدينا سلطة وليس لدينا نظام لأن فكرة النظام هي فكرة الدولة. 4- غياب الرؤية والقضايا الرئيسية للشعب. 5- إن قضية حكم مصر أكبر من الأشخاص وأولهم مبارك الابن. 6- إن ممارسات السلطة للبلطجة والعنف والاغتصاب الجنسي خلقت خصاما ( أراه كراهية وقطيعة ) بين السلطة والشعب. 7- آلية تشكيل القوى الضاغطة للتحول السلمي للسلطة تحتاج إلى دأب أكثر وتضحيات أوسع. وبعيدا عن العصبية والتشنج واللامبالاة والمخازي اللاأخلاقية التي صبغت بها السلطة المصرية أحداث العامين الماضي والحالي بمحطاتهما الفارقة في شارعي الجلاء وعبد الخالق ثروت والتحرير ومحاكم أمن الدولة نحاول البحث عن مدخل لاستشراف مشروع وطني بعد أن أوصدت قوات الأمن والشرطة الرئاسية جميع طرق التعبير السلمية عن الرأي وفي هذه المقاربة الفكرية الاستباقية أطرح عددا من الأفكار التي قد تصلح للحوار باعتباري مواطنا مصريا لا تحكمه انتماءات إلى فصيل أو فئة، وكأي مواطن لا يشغله سوى هم مستقبل الوطن ممثلا في أبنائنا الذين تسمرت ملامح الرعب المستقبلي في أعينهم والاضطراب المتعثر في خطاهم بعد أن أجرمت عدة أجيال من المثقفين في حقهم بالتواطؤ مرة وبالصمت عدة مرات على الفشل المستمر والاستبداد المستقر للسلطة أكثر من ثلاثة عقود حتى عض الفساد جل مؤسسات الدولة وسرى منها مسرى الدم. وبما أن الدولة ( وليس السلطة ) هي الرابط الجامع على أساس أهداف مشتركة لشعب ما وأرض بعينها، فإنه يمكننا الجزم بأن الرابط الجامع للشعب قد تبدد والثقة في استعادة السلطة للشرعية تلاشت تماما، ولا يمكن أن تعود للسلطة هيبة الدولة دون أن تعود للشعب حقوقه وكرامته في إطار تأسيس مرجعية تعتمد- في المقام الأول- على حق المواطنة والمشاركة في اقتسام الثروة كما تقتسم الأعباء بين جميع أبناء الشعب على قدم المساواة بعيدا عن الطائفة أو الجنس أو اللون أو الحزب. ويبدو لي، أنه ينبغي علينا –أولا- وضع عدد من القواعد والمباديء الأساسية التي تصلح إطارا فكريا لبناء مشروع تتأسس عليه الشرعية الجديدة يتضمنها دستور جديد، وهي بإيجاز يعقبه تفصيل: 1- التداول السلمي للسلطة ورفض منطق اغتصاب السلطة بالقوة. 2- تعزيز سلطة الشعب في الاختيار الحر. 3- ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث. 4- العلم مشروع حياة الأمة واستثمار المستقبل. 5- كفالة حق جميع فئات المجتمع وطبقاته في الحياة الكريمة. 6- حماية الملكية الفردية ومحاربة الاحتكار والفساد. 7- تحكيم مبدأ الكفاءة على أهل الثقة والولاء والعصبية في شغل الوظائف المختلفة بالدولة. 8- ضمان حرية الاعتقاد وعدم الإكراه. 9- حرية تشكيل الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني. 10- مصر جزء لا يتجزأ من محيطها العربي وجوارها الإفريقي ومرجعيتها مستمدة من الثوابت الإسلامية. لكن هذا الإجمال يحتاج – قطعا- تفصيل، وهو ما نتناوله في المقال القادم بعون الله تعالى. [email protected]