اعتمد جهاز أمن الدولة المنحل في عهد النظام السابق على قمع أي صوت حر ويعود نشأة جهاز أمن الدولة إلى ما قبل 100 عام حيث أنشئ جهاز الأمن السياسي عندما كانت مصر تحت مظلة الاحتلال الإنجليزي لتتبع المواطنين والقضاء على مقاومتهم للاحتلال. وبعد قيام ثورة يوليو من عام 1952، ظل الجهاز كما هو، إلى أن أعاد الرئيس الراحل أنور السادات تسميته بمباحث أمن الدولة، ثم استمر بنفس الاسم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، واستمرت آليات عمله كما هي إلى أن قامت الثورة، وتم اقتحام مقرات الجهاز، وقام وزير الداخلية الأسبق منصور العيسوي في الخامس عشر من مارس 2011 بحل الجهاز نهائيًا، ليحل محله جهاز جديد يحمل اسم "الأمن الوطني". ولكن الجهاز ظل في نظر البعض وريثًا شرعيًا لجهاز أمن الدولة المنحل، وذلك بعد الاتهامات التي وجهت له بملاحقة الإسلاميين كما كان في عهد الرئيس المخلوع مبارك وكخطوة اعتراضية ضد عمل الجهاز الأمني الجديد واحتشد الأسبوع الماضي العديد من التيارات الإسلامية للوقوف أمام جهاز الأمن الوطني، وذلك لأنهم استشعروا أن الجهاز بدأ في الرجوع مرة أخرى إلى ما كان يفعله قبل الثورة. وفي إطار ذلك رصدت "المصريون" آراء المحللين والخبراء الأمنيين مدى إمكانية عودة جهاز الأمن الوطني لممارسة الدور الذي كان يمارسه جهاز أمن الدولة المنحل، وما هي الآليات لمنع عودة الجهاز للممارسة الأمنية الشرسة في عهد الرئيس المخلوع ومطاردة الإسلاميين مجددًا. في البداية يقول العقيد هاني الشاكري، المتحدث الرسمي باسم الضباط الملتحين، إنه لابد أن ننظر في قرار تغيير جهاز أمن الدولة وتحويله إلى جهاز الأمن الوطني، فالقرار الذي أنشئ به الأمن الوطني كان القرار رقم 445 لسنة 2011 بتاريخ 14-3-2011 وكان يتكون من 11 بندًا البند رقم 2 كان يختص بمكافحة الإرهاب وطبقًا للمادة 86 فإن مكافحة الإرهاب بدون تحديد إطار لذلك هو تعريف مطاط يجعل كل شيء في أيدي جهاز الأمن الوطني، وهذا عودة مرة أخرى لنفس ما كان يفعله جهاز أمن الدولة السابق. أما عن العنصر البشري فالسؤال المطروح هل تم تغيير عملية وآلية الاختيار للأسف القرار أعطى الفرصة سانحة لعدم اختيار الكفاءات للتعيين في جهاز الأمن الوطني، وهو نفس ما كان يتبع أيام النظام السابق فلم يكن عنصر الكفاءة والصحة والعوامل الشفافية لم تتبع في النظام السابق وإلى الآن لم تزل موجودة فجهاز أمن الدولة مازال يتبع السياسات السابقة عن طريق التعامل بنفس الأساليب. وأوضح الشاكري أن التحريات السياسية وليست الأمنية أيضًا يقوم بها جهاز الأمن الوطني، وهذا ما يفعله إلى الآن وظل نفس طريقة جهاز الأمن الوطني في طريقته مع باقي القطاعات في الجهاز الداخلي لجهاز الداخلية كاملة ومازال ضابط أمن الدولة هو الذي يقيم من يرقي ومن يفصل وغيره من المهام العديدة فهو جعل جميع قطاعات وزارة الداخلية تحت إمرته. فنحن نرى أنه لم يحدث التغيير المطلوب في جهاز الأمن الوطني، والدليل أن جميع أحداث العنف الموجودة منذ قيام الثورة إلى الآن، وهي مهمة من مهام جهاز الأمن الوطني لم تقدم أي أدلة وأي معلومات على ذلك ومما يثير علامات الشك أنه في أحداث اقتحام سجن بورسعيد فإنه استشهاد أمناء الشرطة عن طريق الطلق 7 مل وهذه طلقات قناصة لا تتوفر إلا مع أجهزة الاغتيالات فقط وهذا يجعل من السهل الوصول إلى مرتكبي مثل هذه الحوادث. وقال الشاكري إنه يجب إصلاح المنظومة بأكملها عن طريق تشريعات رقابية شديدة من البرلمان ومراقبة شعبية واسعة،إضافة إلى أنه يجب أن يهرع أمن الدولة لعمل خطة للتصالح الوطني مع الشعب من خلال عقد مؤتمرات ليوصل رسالة أنه غير من عقيدته السابقة وأن يتم دعوة كل من كان معتقلًا أيام مبارك وعقد جلسات تشبه جلسات الصلح بينهم وبين من كانوا معتقلين. لأن الأجهزة المعلوماتية في كل دول العالم تعتمد على المعلومة عن طريق المواطنين ثم يقوم الجهاز بتحويل هذه المعلومة إلى طريقة للبحث في هذه المعلومة حتى يتمكن من الوصول إلى المعلومة المؤكدة. واقترح الشاكري أن يكون الجهاز المعلوماتي هيئة مستقلة بعيدة عن خارج الوزارة الداخلية، وذلك نظرًا لأن جهاز الأمن هو جهاز معلوماتي فهو يحمي الأمن الداخلي من الأفكار والمعتقدات الغريبة التي تدخل داخل البلاد. من جانبه يقول حازم خاطر، المنسق العام لحركة صامدون وأحد المشاركين في وقفة جهاز الأمن الوطني بمدينة نصر، إن المشكلة عند جهاز الأمن الوطني هي مشكلة جذرية تتمثل في أن الجهاز هو عبارة عن فكر أكثر من أنه أشخاص فلو زالت الأشخاص تبقى الفكرة موجودة فهو يتعامل مع المواطنين على أنهم مخربون ويحاولون العبث في أمن الدولة فأصبح 80 مليون مصري عند أمن الدولة متهمين بالعمل ضد الصالح العام فهم دائمًا يتعاملون من هذا المنطلق مع المواطنين، فالشك دائمًا ملازم لضباط أمن الدولة، فهذا كنا نلاحظه من خلال أنهم لو لاحظوه تواجد تجمع أكثر من شخص في وقت واحد كانوا يتهمونهم بالعمل ضد الصالح العام وكانوا يلقون القبض عليهم. وأضاف خاطر أن من أهم المطالب التي تطالب بها الآن القوى الثورية هو تطهير جهاز الأمن الوطني، وذلك لأنه كان سببًا حقيقيًا في قيام ثورة يناير، لأن أمن الدولة أيام مبارك كان يفعل كل أنواع التعذيب ويفعل كل جرائم وانتهاك لحقوق الإنسان فهو المسئول عن قضية خالد سعيد، وهو المسئول عن مقتل سيد بلال، وهو المسئول أيضًا لكل ما كان يحدث من الانتهاكات التي كانت تحدث للإسلاميين أيام مبارك. فأمن الدولة كان يتحكم في اختيار القيادات وأعضاء النقابات وأعضاء الاتحادات الطلابية وكان يتحكم في الاختيار في الوظائف القيادية وكان له توغل واضح في الجامعة وله توغل في الاختيارات مما نتج عن ذلك طبقة من الفاسدين في كل وظائف الدولة فهذا الجهاز كانت جرائمه لا تعد ولا تحصى. وأشار منسق صامدون إلى أن جهاز الأمن الوطني مهمته الحقيقة هو التوصل إلى المجرمين والبحث والإتيان بالمعلومات الكافية عنهم من لكن ما نراه عكس ذلك، فنحن نرى منذ قيام الثورة إلى الآن العديد من أحداث العنف ولم يستطع الجهاز الوصول إلى مرتكبيها، فجهاز أمن الدولة خطر على الدولة وخطر على الصالح العام. ولابد أن يتعامل جهاز الأمن الوطني مع الإسلاميين بنفس معاملاته مع الغير وأن تحاول أن تجمل صورتها المرسومة عند البعض من أيام النظام السابق. وطالب خاطر الداخلية بأن تسعى لتطهير جهاز أمن الدولة حتى لا ينزل الشعب المصري ويضطر هو أن ينزل إلى هذه المؤسسات ويطهرها بنفسه. ويجب على ضباط أمن الدولة أن يقدموا استقالاتهم، وذلك لأنهم قاموا بمخالفات كثيرة ضد الإنسانية. من المنطلق ذاته يقول الدكتور حسن اللبيدي، الخبير الاستراتيجي، إن جهاز الأمن الوطني وبعد ثورة يناير لم نشعر بأي تغيير في عقيدته الأمنية أو حتى الفكرية فمازال يتبع نفس النهج الذي كان يتبعه أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك الجهاز، ومازال يسير على نفس النهج السابق ونفس العقيدة. وأضاف اللبيدي أنه بعد الثورة حل جهاز أمن الدولة واستبدل بجهاز الأمن الوطني لكنه مازالت قيادات الجهاز هم أنفسهم قيادات جهاز أمن الدولة السابق، وهذا الجهاز أعيد تشكيله وكل أفراده هم نفس الأفراد في جهاز أمن الدولة السابق فلا يمكن القول أن نقول بأن جهاز الأمن الوطني يمتلك عقيدة جديدة أو حتى سياسة جديدة لكن من الممكن أن نقول لإنه لا يستطيع أن يمارس نفس الممارسات السابقة من تعذيب وأفعال تهين كرامة الإنسان، وذلك لأن هناك وعيًا شعبيًا حاضرًا في كل الأماكن. وشدد اللبيدي على أنه لابد من وجود رقابة قوية وشعبية على سياسة الجهاز الجديدة، ولابد من اتباع نهج جديد في السياسة المتبعة، وأن يكون هناك رقابة على الجهاز وأن يكون هناك وقفات قوية في حال وجود انتهاكات كبيرة. وأشار إلى أنه لابد من إصلاح كبير وموسع في الجهاز حتى يستطيع أن يكون جهازًا معلوماتيًا وأن يكون مفيدًا للدولة المصرية فبالرغم من أن جهاز الأمن الدولة حصل له هد جزئي عندما فرمت الوثائق والمستندات أعقاب ثورة يناير فعلى الجميع الآن أن يقويه حتى يرجع لخدمة الوطن بما لا يخالف التقاليد وعمله المكلف به. وأوضح اللبيدي أن جهاز الأمن الوطني يقوى مع ازدياد ضربات الدولة العميقة ومع الضربات التي يوجهها رجال النظام السابق إلى الثورة محاولة منهم في إجهاض الثورة المصرية فكل ما تتقدم الثورة خطوة تجد أن أمن الدولة يتقدم خطوة أخرى رغبة منه في أنه يرجع إلى ما كان عليه قبل الثورة فلا يمكن لأحد أن يتناسى ما كان يفعله أي رجل من أمن الدولة مع أي مسئول في الدولة، لأنه هو الذي كان يكتب التقرير الذي على أساسه يتحدد مستقبل أي شخص ويكون التقرير مكتوب على رغبة ضابط أمن الدولة أو على أساس أيديولوجيته فهو يفعل ما يريد فكان لا يوجد رقيب عليه، مضيفًا إن كان حدث تغيير فهو تغيير محدود وغير ثابت من الممكن أن يتغير في أي وقت. وأكبر أجهزة الدولة العميقة الآن هو جهاز أمن الدولة فالتغيير الحاسم وهو أن أغير كل ما في الجهاز سيكون صعبًا جدًا في هذه المرحلة الانتقالية خصوصًا الدولة العميقة تدعم من الداخل ومن الخارج بل إنه تغيرت بعض التحالفات الثورية الأمر الذي وصل إلى دخول رجال النظام السابق ركاب الثورة، وأصبحوا من الثوار ويتكلمون باسم الثورة. ولابد أن يتكاتف الجميع في عدم رجوع رجال جهاز أمن الدولة مرة أخرى، وعلى جميع القوى الثورية التي تضررت من جهاز أمن الدولة أن تتكاتف ضد ذلك. بدوره قال الدكتور رفعت سيد أحمد، مدير مركز يافا للدراسات السياسية والاستراتيجية، لإنه لا يوجد شيء في مصر يسير على نهج مبارك، لأن الثورة الشعبية التي حدثت في مصر أثرت على كل مفاصل المجتمع، وأن جهاز أمن الدولة حدث له شرخ في عقيدته الأمنية وشرخ في ثقته في نفسه وحالة من حالات التراجع عن الدور العنيف الذي كان يفعله أيام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وأن العامين الماضيين كسرت هيبة أمن الدولة. وأضاف سيد أحمد أن مهمة جهاز الأمن الوطني هي حماية الأوطان وليس أمنًا للأنظمة نريد جهاز أمن للدولة وليس للنظام فمصر تحتاج إلى جهاز أمن قوي يحمي أمنها الداخلي مثلما تحمي القوات العسكرية الأمن الخارجي هذه الشروط تحتاج إلى حوار مجتمعي كبير وليس مجرد التظاهر نحن نحتاج إلى حوار يشارك فيه الجميع لتحديد مهام ووظيفة هذا الجهاز الحساس.