أسوأ ما في الخطاب الذي يروج له أقباط المهجر أنه يتصرف بوصفه ينتمي إلى كيان آخر غير مصر الوطن بل معادي له ، وبعض الشعارات التي أطلقت في التظاهرات الأخيرة كانت تتحدث عن "دولة العدو" هكذا بصراحة وبدون أي مواربة ، والمشكلة أن نفس هؤلاء الذين خرجوا بهذه الشعارات العدائية ضد مصر الوطن هم الذين ينادون بأن يكون لهم امتيازات حساسة داخل هذا "الكيان العدو" ، هناك حالة من فقدان الوعي والتوازن والاتزان لدى قطاع كبير من الناشطين الأقباط ، عندما تكتب أو تتظاهر مطالبا دولة عظمى أو غير عظمى أن تغزو بلدك بقوة السلاح أو بغير السلاح ، كيف يستقيم في مخيلتك هذا المطلب المجنون مع مطلبك بأن يكون لك نفوذ في المؤسسة الأمنية مثلا أو الأمن القومي للبلد أو أمن الرئاسة مثلا أو المخابرات العامة ، هل تحتاج إلى هذا النفوذ الجديد لكي تسهل مأمورية غزو البلد مثلا ، أم لكي تكون "جاسوسا" للأعداء في أعلى مؤسسات الدولة الأمنية ، هل هذا التناقض يمكن أن يستوعبه عاقل ، في مصر أو غير مصر ، وعندما يتظاهر آلاف النصارى في الكاتدرائية الأم في العباسية يناشدون "شارون" التدخل لإنقاذهم ، هل مثل هذه النداءات والمواقف يمكن أن تبعث برسالة إيجابية إلى أي مصري يتفهم حرص الأقباط على "الانتماء" إلى المؤسسة الأمنية أو المؤسسات الوطنية الأخرى ، أم أن من حق الآخرين أن يفهموا أن تلك محاولات لاختراق الأمن المصري ينبغي أن تقابل بكل حيطة وحذر ، أقول هذا الكلام وأنا أعرف أن كثيرين من شركاء الوطن يستنكفون منه ولا يقبلون به ولا يرضونه ، وهم شرفاء النصارى ورموزهم الحقيقية ولكنها الرموز الصامتة والمهمشة في هذا الهوس الطائفي المتنامي بفعل متطرفين في المهجر وفي الكنيسة ذاتها ، ومن هذه الرموز المحترمة شخصيات مسيحية أمنية وعسكرية وسياسية في غاية الالتزام الوطني والصفاء ودفء المشاعر مع شركاء وطنهم المسلمين ، وهذا ما نعيشه ونمارسه على مدار اليوم في حياتنا العادية ، ولكن المشكلة أن الصوت الطائفي المستهتر بالوطن وقيمه وأمنه ووحدة نسيجه هو الصوت الأعلى ، وهو الذي يملك التمويل الكبير من مليارديرات الفتنة هنا في مصر الذين ظنوا أنهم بشرائهم ضمائر وأقلام بعض "الصبية" في الصحف الخاصة يمكن أن يزيفوا الوعي المصري أو يضللوه عن حقيقة الأزمة وصناعها ، وكل ما ينجحون فيه هو دعم مشروعات التهييج التي يتبناها مرتزقة في المهجر ، يحاولون "الزن" على آذان الشباب القبطي الجديد بصفة دائمة ويحاصرونه بالصريخ : أنت مضطهد أنت مستباح أنت مهمش أنت مظلوم أنت مغبون .... إلى آخر الخطاب التهييجي ، وبطبيعة الحال ، يكون لهذا "الزن" أثره على وعي ومشاعر هذا الشباب ، وأهلنا قديما كانوا يقولون :الزن على الأذن أمر من السحر ، ومن ثم يبدأ هذا الشباب "المسحور" بخطاب الإثارة للمرتزقة في الخارج والداخل ، يمارس أفعالا وسلوكيات تعبر عن غضبه وثورته على "الظلم" الذي أقنعوه به فيتسببون في الفتنة ، وأعرف كثيرين من قيادات أقباط المهجر الذين يعيشون الآن حياة الفخفخة والرفاهية ، وكانوا قبل "بيزنس" القضية القبطية فقراء معدمين ولا يعرف عنهم أي اشتغال بالثقافة أو العلم أو النضال لأي قضية وليس لهم أي قيمة أو قامة في الوسط القبطي أو المصري بشكل عام ، وهؤلاء من الطبيعي أن يقاتلوا عن "مكاسبهم" المادية الضخمة التي حققوها الآن والنفوذ الكبير الذي حظوا به ، ولو على حساب الدم المسيحي أو المسلم سواء ، ولو على حساب الوطن كله ، لا تفرق معهم ، ولكن المسؤولية تبقى على عقلاء الأقباط في مصر أن يكون لهم صوتهم العالي والمؤثر وأن تكون لهم وقفتهم الإيجابية وخطابهم المستنير داخل الأجيال الجديدة لقطع الطريق على صناع الكراهية والفتنة ، المؤسف أن بعضا من الرموز المسيحية ممن تصدروا المشهد الوطني المصري المعارض خلال السنوات الأخيرة لم تصدر عن أحدهم كلمة واحدة يستنكر فيها هذه "البذاءات" والخيانات التي تنطلق في مظاهرات وكتابات المتطرفين المسيحيين في الخارج أو الداخل ، رغم أنهم يتصنعون الفروسية والصوت العالي في أمور أخرى أقل خطرا . [email protected]