مصر "أم الدنيا" لأنها الوحيدة المذكورة بالقرآن الكريم وتمثل أقدم حضارة منذ الفراعنة وأقدم دولة مركزية والوحيدة المحافظة على نفس حدودها كما هي الآن ومنذ 7000 عام وتمثل أقوى مجتمع متماسك ثقافيًا لدرجة أن المسيحيين يتعبدون لله سبحانه بلغة القرآن التي لم يسمعوا عنها قبل دخول الإسلام مصر. - لابد من استحضار هذا الثقل الاستراتيجي الحضاري من منطلق المسئولية الوطنية والإسلامية عند التعامل مع أحداثنا الراهنة التى ستؤثر في مستقبل الأجيال بالمنطقة بأسرها, علينا ضرورة التصدي لمحاولات شق الصف الوطني وزرع الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد بسبب الصراع على السلطة, فالواجب الآن قبل كل شيء, حتى قبل الدعوة إلى الله, هو نبذ الفرقة والعنف ولم شمل المصريين بمختلف أيديولوجياتهم وانتماءاتهم وتحقيق روح الإسلام وتقبل الآخر والنظر للآيات الكريمة التي تؤكد أن سيدنا موسى عليه السلام عندما عاد لأخيه هارون ووجده لم يدع الناس للمولى سبحانه كما أمره فأخبره هارون عن الفتنة التي كانت بسبب دعوة السامري وعبادة العجل من دون الله مما دفعه لتقديم الحفاظ على وحدة القوم قبل الدعوة إلى الله وأقره موسى على ذلك لأن الفرقة ستهلك الحرث والنسل فلا نجد من ندعوهم إلى الله, "قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)" سورة طه - فالمنهج السلمي والحوار يمثل الآن خصوصًا في ظروفنا الاستثنائية, وعمومًا في كل الظروف, فريضة شرعية وحتمية دنيوية فضلًا عن أنه المنهج الذي نجح في تحقيق أولى خطوات ثورتنا بإسقاط رأس النظام السابق, فماذا قال القرآن عن إغلاق باب الحوار متحدثًا عن مجادلة سيدنا إبراهيم عليه السلام لأبيه الذي قال " قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا" يعنى إما الانصياع التام أو العداء التام وهو أمر ضد المنطق والفطرة وبناء الأوطان. ويهمني هنا أن أشير إلى أنه في عهد النظام السابق كانت المعارضة بلا استثناء تنتظر مجرد إشارة من أصغر موظف في القصر الرئاسي لتهرول ملبية الحوار دون أن تضع شروطًا مسبقة، وكلنا يعلم أن أقصى ما كان يقوم به النظام عندما يريد التفاوض على شيء هو تكليف ضابط صغير في جهاز أمن الدولة للقاء قيادات المعارضة، وكان الحوار في الغالب من طرف واحد، حيث يقوم ضابط أمن الدولة بوصفه ممثل السلطة والنظام بإلقاء الأوامر ويقول العبارة الشهيرة "هذه أوامر عليا"، ونحن بالطبع نرفض هذه الطريقة للتحاور خاصة أن الثورة قامت رفضًا لهذا الأسلوب في الحكم، كما نريد أن نؤكد أيضًا ضرورة أن يكون الحوار محددًا ببنود متفق عليها، وأن يتسم بالجدية وأن تكون نتائجه ملزمة. - الحفاظ على شرعية الحكم أمر بديهي يستحيل تجاوزه لكننا لاحظنا أن معظم السياسيين الآن انقسموا, كل منهم غالبًا ما يهاجم الآخر تركيزًا على مساحات الخلاف والشعارات فقط في حين أن المنهج الإسلامي يؤكد العكس وهو البحث عن مساحات الاتفاق لتفعيلها وتعظيمها لتحقيق بعض النجاحات سويًا مما يدعم محاولات الحوار والتوافق تدريجيًا حول بعض مساحات الخلاف, المطلوب هو الوسطية الفكرية والاعتدال السياسي الذي يستوعب الجميع حتى تسير السفينة نحو الأمن والاستقرار والتنمية في إطار مشروع إسلامي بالضرورة لأنه الوحيد الذي يمثل ثقافة وهوية الشعب وبالتالي لابد أن يكون مشروعًا يمثل التيار العام للمصريين... فالعالم أجمع يراقب مصر وينتظر استقرارها ليتقدم للاستثمار فيها بما لها من خصوصية وجاذبية حضارية معروفة... فأين نحن من ذلك؟؟ -لابد من الحفاظ على الموجود النافع قبل بناء الجديد فليست الثورة, بالمرجعية الإسلامية, لهدم كل الموجود كما في الثورات الأخرى والمثال لرسولنا, صلى الله عليه وسلم, الذي لم يهدم في مكة والمدينة إلا ما يتعارض مع الكرامة الإنسانية. -علينا جميعًا حتمية اعتبار أن البديهيات الإسلامية تؤكد أن بناء نهضتنا هي دور ومسئولية الأفراد والمجتمع قبل أن تكون مسئولية الدولة, فكلنا سنسأل فردًا فردًا عن مسئوليتنا الوطنية والإسلامية "كلكم آتيه يوم القيامة فردا" كل حسب إمكاناته وقدراته, لقد ميز المولى سبحانه مصر والمصريين بالكثير وهو تشريف بلا مثيل وبقدر التشريف لابد أن يكون التكليف. رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار