مصر أهم دولة فى العالم تاريخيا وقرآنيا,أقدم حضارة منذ الفراعنة بناة الأهرام, أقدم دولة مركزية, أول دولة برلمانية دستورية بالمنطقة, أقوى مجتمع متماسك ثقافيا لدرجة أن المسيحيين الآن يتعبدون لله بلغة القرآن التى كانوا لا يعرفونها قبل دخول الإسلام لمصر, لابد من استحضار هذا الثقل الإستراتيجى الحضارى حتى نستطيع الآن معرفة دور كل منا, رئيسا ومرءوسا، مجتمعا ودولة، فى إطار مسئوليتنا الحضارية بعد الثورة التى أشاد بها زعماء ومفكرو العالم, فوصول رئيس ذى مرجعية إسلامية لأعلى منصب بأهم دولة نتيجة لثورة حضارية ثم انتخابات نزيهة، أمر لم يحدث من قبل ويمثل إنجازا بشريا يفترض أن يكون نموذجا عالميا, حيث وصلت أنظمة الحكم, المسماة إسلامية, للسلطة فى بعض الدول بالانقلابات العسكرية (ليست ثورات سلمية)، وبالتالى فالحالة المصرية تشير إلى أن المشروع الحضارى الإسلامى سيصبح بالفعل تحت الاختبار فى أهم دولة مركزية، ولتأكيد ذلك يلزمنا الآتى: أولا: مصر مذكورة فى القرآن خمس مرات تصريحا وأكثر من ثلاثين مرة تلميحا، (ولا أعلم عن أى دولة أخرى مذكورة فى القرآن)، وهذا تشريف لا مثيل له ولا يعنى إلا التكليف الحضارى لمصر والمصريين. ثانيا: "مصر كنانة الله فى الأرض"، والكنانة تعنى الجراب الذى يحمى الناس من الاستخدام الخاطئ للسلاح الحاد, مما يلزم استدعاء نماذج الثورات العالمية لنكتشف سمو ثورتنا حتى نستطيع تقييم قدرها الحضارى لنكون على يقين بنجاحها. -الثورة الفرنسية, كانت لها موجة أولى تلاعب بها الملك فانتفض الشعب بالموجة الثانية غير السلمية التى زلزلت أوروبا فنجحت فى تحقيق أهدافها. الثورة الإيرانية, فى خمسينيات القرن الماضى التى تلاعب بها العسكر والأمريكان (تاريخ يتكرر)، ونجحوا فى إعادة شاه إيران للحكم، فقام الشعب بموجة ثانية أكثر شراسة فى السبعينيات، والتى نجحت فى التغيير الجذرى, والتلاعب بثورتنا فاق كل شىء ولم يتحول الشعب حتى الآن إلى منهج العنف. -الجزائر: وصل الإسلاميون للحكم بالديمقراطية فتصرف بعض رموزهم، وكأنهم سيقلبون الدنيا رأسا على عقب لهدم كل الموجود فانزعجت التيارات الأخرى، مما شجع العسكر المدعومون من الخارج على عزل الرئيس المنتخب، فحدثت موجات من العنف بين الإسلاميين والعسكر، وكانت المبادرة من الإسلاميين, وهذا نموذج مستبعد تماما فى مصر لانتهاج الإسلاميين المنهج السلمى, حتى التيارات التى مارست العنف تراجعت عنه تماما كفكر وعقيدة. -رومانيا: بعد نجاح الثورة فى الإطاحة برأس النظام قام فصيل منشق عن الحزب الشيوعى (فلول)، بتأسيس حزب جديد نجح فى الانتخابات، مما أعاد الفلول إلى السيطرة على السلطة بسبب انقسام التيارات الثورية. -أوكرانيا: وصلت الثورة ديمقراطيا للسلطة لكنها لم تنجح فى إدارة البلاد والاستجابة لمطالب الشعب الذى قرر فى أول انتخابات تالية العودة للنظام الذى قامت عليه الثورة, ونحن لا نريد لمصر لا النموذج الرومانى ولا الأوكرانى، والمقصود هو ضرورة الاستفادة من هذه النماذج العالمية المعاصرة فى هذه المرحلة غير المسبوقة. -فالتوافق بين مختلف التيارات والقوى السياسية والاجتماعية, المنحازة للثورة, بشأن شتى الأزمات السياسية الحالية لابد أن يكون "فريضة شرعية وحتمية دنيوية" للحفاظ على أمن الوطن وعلى نجاح الثورة, أما الرئيس فعليه ضرورة إعطاء الأولوية القصوى للتوافق الوطنى والحفاظ على مسافة واحدة بينه وبين مختلف التيارات، بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية وكذلك ضرورة الحفاظ على الموجود النافع قبل بناء الجديد, فليست الثورة لهدم كل الموجود، والمثال هو رسولنا, صلى الله عليه وسلم, فلم يهدم معظم الموجود فى مكة والمدينة بل قام تدريجيا بالقضاء فقط على ما يتعارض مع كرامة الإنسانية, وكذلك على الأفراد والمجتمع ضرورة اعتبار أن تحقيق النهضة هو دورهم ومسئوليتهم قبل أن يكون مسئولية الدولة. ومن البديهيات الإسلامية أن تبدأ بنفسك فى إطار الأمانة والكفاءة والاهتمام بالأمر العام وليس فقط الخاص. -فإذا كانت مصر تستحوذ على الثقل الحضارى فى منطقة الأحداث الإستراتيجية للصراع العالمى الذى يشكل حاليا موازين القوى الدولية الجديدة فلابد أن تكون الثورة المصرية نموذجا يحتذى به فى تحقيق الكرامة والنهضة الإنسانية، الأمر الذى لابد أن ينعكس على المنطقة والعالم، وهو تشريف ما بعده تشريف وبقدره لابد أن يكون التكليف. د.حسن الحيوان رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار