ما يجري في فلسطين هذه الأيام من حصار سياسي واقتصادي خانق، ومؤامرات تستهدف إثارة فتن وقلاقل داخلية مفتعلة بين الفرقاء الفلسطينيين.. وما نشاهده من تضييق الخناق على حركة حماس- وخاصة بعد فوزها بالانتخابات وتشكيلها للحكومة الفلسطينية- بمشاركة أطراف عربية ودولية، يهمها إفشال التجربة الديمقراطية التي تأتي بقوى إسلامية معارضة تمثل خطرا على المصالح الأمريكية والأطماع الإسرائيلية.. هو مقدمات لإحداث جسام مقبلة وأخطار محدقة بالشعب الفلسطيني، قد تتفاقم سريعا وتصل إلى حد اندلاع حرب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر، سيكون لها - بكل تأكيد- انعكاسات ضارة على القضية الفلسطينية لن تفلح كافة الأطراف في معالجتها وتجاوزها على المدى الطويل.. وعليه فان كل من يشارك الآن في أضعاف وخنق حكومة حماس، سواء من جانب بعض العناصر الفتحاوية المشبوهة أو النظم العربية الحاكمة، هو يعمل بقصد أو دون قصد في تنفيذ مخطط إسرائيلي خبيث ظل عصيا على التطبيق طوال سنوات الانتفاضة الثانية، وقيضت له الظروف المواتية الآن بمساعدة عربية طال انتظارها. فالنظم العربية وفي مقدمتها مصر والأردن، تشارك فعليا في حصار حماس وتشديد الخناق عليها بمنع التحويلات البنكية وعرقلة المساعدات الشعبية المتدفقة على الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم مقابلة وزراء حماس مع الترحيب الشديد بالمسؤولين الإسرائيليين!!.. والعجيب أن هذه النظم تتلاقى أهدافها - بكل أسف- في هذه المرحلة مع الأهداف الإسرائيلية، في عداء الحركات الإسلامية (حماس ونظرائها في البلاد العربية) ومحاربتها ومحاولة إضعافها بكل الوسائل.. وما يؤكد ذلك هذا التطابق المدهش في السياسات المعلنة والتعاون الأمني الوثيق بين الحكومات العربية والكيان الصهيوني.. وهكذا بتنا في زمن لم يعد مستغربا فيه دخول نظم عربية في تحالف وثيق مع الصهاينة (الأصدقاء) ضد الإسلاميين (الأعداء)!!. وكانت النتيجة أن الحكام العرب لم تعد تشغلهم القضية الفلسطينية، بقدر ما يهمهم ترسيخ حكمهم الاستبدادي الفاسد، والتأبيد في مناصبهم ولو جاء ذلك بالتآمر على الفلسطينيين والتحالف المفضوح مع إسرائيل. على الجانب الآخر لم تعدم إسرائيل أتباعا مشبوهين في الداخل الفلسطيني، قامت بتجنيدهم وتحريك عناصر نافذة في السلطة الفلسطينية لإفشال حكم حماس الذي جاء بإرادة الناخبين الفلسطينيين، من أمثال العقيد "دحلان" صاحب التاريخ الأسود في قمع المقاومة والتنكيل بها وتعذيب أبطالها.. وهو المتهم بالتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية وإبلاغها عن أماكن عناصر المقاومة والمساعدة في تصفيتهم.. وها هو دحلان يلعب هذه الأيام لحساب نفسه وطموحه المدمر ونوازعه الشريرة دورا مشينا مدفوعا من إسرائيل ومدعوما من أمريكا.. وما زال دحلان وأعوانه في جهاز الأمن الوقائي، يشعلون الفتن ويفتعلون المشاكل وينشرون التوتر والفوضى. الوضع الفلسطيني الآني يتشابه إلى حد بعيد مع مقدمات ما جرى في الجزائر في تسعينات القرن المنصرم، عندما فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية في الانتخابات التشريعية الجزائرية، حينها تحرك الجيش الجزائري للالتفاف على إرادة الشعب تحت غطاء دولي وعربي لإلغاء النتائج وإجهاض التجربة الديمقراطية، واعتقال وقتل ممثلي الشعب الحقيقيين، مما أسفر عن أحداث كارثية ودامية خلفت أكثر من 200 ألف قتيل في صفوف الشعب الجزائري، ونتج عن ذلك ظهور حركات دموية ومتطرفة ردت على عنف الجيش وتجاوزاته بعنف وتجاوزات مماثلة، وغرقت الجزائر في بحر من الاضطراب والفوضى ما زالت تعاني منه حتى اليوم ، وكان السبب الحقيقي لما جرى، هو التآمر على ممثلي الشعب المنتخبين ديمقراطيا، والوقوف ضد حرية وإرادة الناس. فهل يمكن أن تتفاقم الأوضاع في فلسطين إلى حد أن يتكرر فيها سيناريو الجزائر؟.. هذا ما نخشاه بالفعل ويخشاه كل مواطن فلسطيني وعربي.. ما دام المدعو دحلان يمضي في تنفيذ المخطط الإسرائيلي بكل دقة، ولم تتحرك جهة فلسطينية حكيمة بالأخذ على يديه وتحجيم شروره بنفيه وإبعاده كلية عن فلسطين، وإلا سيكون هذا الدحلان أول المكتوين بنار الفتنة التي يشعلها .. وما دام الحكام العرب يسعون إلى كسب ود إسرائيل والتحالف معها على حساب الدم الفلسطيني ويقايضون به لتثبيت عروشهم الضعيفة والمهتزة. [email protected]