مع ورود أنباء إيجابية عن سير الحوار الفلسطيني واقتراب الفرقاء الأساسيين من التوصل إلى اتفاق نهائي حول القضايا الخلافية التي وردت في وثيقة الأسرى التي خرجت كما هو معلوم من سجن "هداريم", بدأ الحديث يدور في أوساط المراقبين للوضع الفلسطيني وبقوة حول مرحلة ما بعد الحوار وانعكاساتها السياسية داخليا وخارجيا, وتم طرح أكثر من قراءة وسيناريو في ذات الاتجاه, ذهب معظمها إلى ترجيح أن يتكلل الحوار بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية بمشاركة أغلب الفصائل الفلسطينية للخروج من دوامة الأزمة السياسية الداخلية وحالة الفلتان الأمني, وتوحيد الصف الفلسطيني خلف إستراتيجية وطنية لمواجهة المخططات الإسرائيلية. والشعب الفلسطيني تتوفر فيه كل الدواعي التي تستوجب تشكيل حكومة وحدة وطنية، كشكل من أشكال التعبير عن وحدة الصف الوطني في مواجهة استهدافات الاحتلال الإجرامية التي لم تعد تستثني أحدا, فالحصار الجائر يطال جميع المواطنين بغض النظر عن قناعاتهم وانتماءاتهم السياسية, وسياسة التجويع تطحن بطون حماس وفتح والديمقراطية والشعبية والجهاد و..., وطائرات الأباتشي الإسرائيلية تلاحق بصواريخها جميع المناضلين ومن كافة التيارات, ويد الاعتقال التعسفي لا تفرق بين فصيل وآخر, الكل داخل دائرة الاستهداف الإسرائيلي. وخطة أولمرت أحادية الجانب تستهدف تمزيق ما تبقى من فلسطين التاريخية ومحاصرة الشعب الفلسطيني من كل الجهات بأكوام المستوطنات وبجدار الفصل العنصري, وخطوات إقرارها كأمر واقع تتطور يوما بعد يوم لاسيما بعدما نجح أولمرت بفضل جولاته الخارجية نحو أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي في نيل الرضا المطلوب لخطته, مستفيدا من صعود حركة حماس إلى الحكم والترويج لفكرة عدم وجود شريك فلسطيني حقيقي. تجدر الإشارة إلى أن حركة حماس وبعد فوزها الساحق في انتخابات الخامس والعشرين من يناير الماضي, قد رفعت شعار حكومة وحدة وطنية موسعة, وفي هذا السياق وجهت الدعوة إلى جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح للمشاركة في حكومة وحدة وطنية, وقد أجرى حينها رئيس الوزراء المكلف إسماعيل هنية اتصالات مع مختلف هذه الفصائل لإقناعها بالمشاركة في حكومة موسعة, لكن ولأسباب نعرفها جميعا انتهى هذا المسعى إلى الفشل. لكن وبعد فشل رهان البعض على فشل الحكومة, واحتدام الخلاف الفلسطيني الفلسطيني ووصوله إلى عتبة الحرب الأهلية, ودخول العدو الصهيوني على الخط بتسعيره لعمليات الاغتيال والإبادة الجماعية في حق المواطنين الأبرياء, اقتنع الجميع من جديد بضرورة العودة إلى إنعاش فكرة حكومة وحدة وطنية على أساس إستراتيجية سياسية ونضالية تحظى برضا وقبول جميع فئات الشعب الفلسطيني. لكن ما هي الشروط السياسية والقانونية التي ينبغي توفرها قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لضمان نجاحها؟ ثمة مجموعة من الشروط والضوابط السياسية والتنظيمية اللازم توفرها بداية، لتمكين أية حكومة مستقبلية من أداء مهامها بشكل مريح بما يضمن لها الاستمرارية والمردودية الملموسة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي, ودون هذه الشروط ستنتهي أي تجربة إلى الفشل، وسيضيع المجهود الفلسطيني مرة أخرى في البحث عن آليات أخرى للخروج من المأزق السياسي, وقد تكفي الإشارة إلى العدد الهائل من الحكومات السياسية والتقنوقراطية التي تعاقبت على حكم الشعب الفلسطيني منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994، والتي بلغت تسع حكومات, للتعبير عن مدى عمق الأزمة السياسية وكذا ضرورة إيجاد مخارج لها للتوجه نحو خدمة المواطن والاهتمام بقضاياه اليومية المباشرة كالبطالة والفقر والتعليم. أولا, في الشروط السياسية: تهيئة أجواء من الثقة المتبادلة بين جميع الفرقاء وذلك بالابتعاد عن النبش في الخلافات الماضية, وعدم استخدام لغة التخوين أو التشكيك في الولاءات. قطع دابر كل من يحاول العبث بالوحدة الوطنية بإثارة الفتن هنا وهناك, وتصفية ملف العملاء. - تخويل الحكومة بجميع الصلاحيات القانونية والدستورية، وفي جميع المجالات، وخاصة الأمنية، منها حتى تتمكن من النهوض بمسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار بما يشجع النمو الاقتصادي, بحيث لا يمكن منطقيا أن نسائل حكومة عن الفلتان الأمني، وهي لا تملك السيطرة على أي جهاز أمني. تحديد مجالات العمل الحكومي والعلاقة مع باقي المؤسسات الأخرى بشكل واضح لا يقبل التأويل. ثانيا, في الشروط التنظيمية: لكي تنجح أية حكومة وحدة وطنية في مهامها, يجب أن تتكئ على مرجعية سياسية عليا, والمرجعية السياسية المطلوبة اليوم هي الجامعة لكل التوجهات والتيارات الإيديولوجية والسياسية التي يزخر بها الشارع الفلسطيني, وربما تكون وثيقة الوفاق الوطني في صيغتها النهائية صالحة للقيام بهذا الدور. - تشكيل قيادة وطنية موحدة تمثل جميع الفصائل تكون مهمتها البث في قضايا التفاوض السياسي مع الكيان العبري. تشكيل قيادة عسكرية موحدة من جميع الفصائل لتوجيه العمل المسلح, وتحديد أدوات النضال المناسبة لكل مرحلة. فقط بحكومة وحدة وطنية موسعة تستند إلى برنامج وطني يستجيب للثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني، يمكن تحسين الوضع الفلسطيني الداخلي وتحقيق الحد الأدنى من الرفاهية الاجتماعية للمواطن الفلسطيني, وفقط بقيادة عسكرية موحدة يمكن ترشيد العمل المقاوم وتوجيهه نحو خدمة الأهداف الفلسطينية. المصدر : العصر