أن تكون صاحب طموح فهذا أمر محمود، أن تتطلع للمعالي خدمة لهدف نبيل فذاك أمر مقبول، لكن من غير المحمود والمقبول معًا أن تحقق طموحك على أنقاض الآخرين، أن تحقق ذاتك ممتطيًا جوادًا أرعنًا، مرتديًا أقنعة زائفة لكل وقت قناع ولكل حالة وجه، أن تشتري عرض الدنيا بما حاباك الله من علم، فهذا ما لا يقره دين، ولا يجيزه عرف، ولا يصدقه عقل. في ظل التناقضات العجيبة التي تعيشها مصر في فترة ما بعد الثورة، أصبح خطيب مسجد عمر مكرم الشيخ مظهر شاهين حالة تنامت سريعًا إلى الحد الذي حول معه المسجد الأشهر إلى منبر للهجوم على الرئيس وعلى وزارة الأوقاف التي ينتسب إليها، وكال التهم عبر الفضائيات المتضامنة معه لوزير الأوقاف العلامة الخلوق ناصع التاريخ متهمًا إياه بأخونة الوزارة. آخر ما أنتجته الأدلة المظهرية قوله لرئيس الجمهورية: أنا صديقي حمدي الفخراني وأفتخر، أما أنت فصديقك شيمون بيريز، رغم أنه كان يدرك مدى حميمية علاقة الرئيس السابق بشيمون بيريز لكنه لم يكن يجرؤ أن ينطق ببنت شفة حول ذلك أو غير ذلك. أما الآن فتغير كل شيء، وأصبح التطاول سيد معظم المواقف، وقلب الحقائق بات إكسير النخبة والإعلام بما فيهم "المظهر" الذي أصبح ضيفًا في مناسبات عديدة تقام في الكنائس وظهر مصطحبًا الكاتبة العلمانية فاطمة ناعوت التي تكيد للتيار الإسلامي وتعادي كل المنتمين له "طبعًا إلا مظهر". حول "م ظ ه ر" مسجد عمر مكرم إلى ساحة للمعارضة من أجل إرضاء العلمانيين، ولكي يصبح نجمًا لفضائيات الكذب والعار مساءً، الرجل من عشاق الظهور ومع البضاعة الرائجة يكون. أصدرت وزارة الأوقاف قرارًا بوقفه عن العمل، فبدلًا من أن يضرب المثل والقدوة كداعية فاضل ويمتثل لجهة عمله، ما فتئ يهذي بكلمات يجب ألا تخرج من أمثاله "هل كنت أخطب عريانًا لكي توقفني الوزارة عن العمل؟!"، خالف القرار وحال هو وأتباعه من دون أن يصعد خطيب الأوقاف الجديد إلى المنبر، وقام هو بالخطابة عنوة وهيأ لأنصاره الهتاف ضد الرئيس من داخل المسجد في سابقة أولى من نوعها "لكنها أصبحت طبيعية في زمن مظهر شاهين". وبعد انتهاء صلاة الجمعة توجه "الفارس المغوار في زمن الخزي والعار" بصحبة أنصاره إلى كنيسة قصر الدوبارة للتنديد بالاضطهاد والقتل الذي يتعرض له الأخوة المسيحيين على يد المسلمين ورددوا هتافات عديدة بدءًا بالهتاف التقليدي لأي شخص "مغرض" عطس فجأة فألقى باللائمة على الرئيس وردد "يسقط حكم المرشد"، ثم الهتاف الثاني الذي يظهر خلاف ما يبطن مرددوه "مسلم ومسيحي إيد واحدة". أتعجب من رجل بيته من زجاج، ورغم ذلك يقذف الناس بالحجارة، فمظهر الذي يعلم القاصي والداني أنه عين إمامًا لمسجد عمر مكرم قبل أكثر من ثماني سنوات بأمر من أمن الدولة، ولم يكن ذلك سوى مكافأة لمن أطلق على نفسه "خطيب الثورة" على طاعته العمياء وتمجيده في النظام السابق ومداهنته له سرًا في الغرف المغلقة، وعلانية عبر الفضائيات، وظل عقب تعينه جنديًا مخلصًا قدم كل فروض الطاعة عبر برنامجه السابق "فنجان شاي" على قناة الناس، الذي استضاف فيه العديد من رموز النظام السابق محتفيًا بهم وممجدًا لقراراتهم الحكيمة الرحيمة التي تنقذ فقراء مصر من الضياع، وتؤسس لديمقراطية رائدة في المنطقة !!. وكان يستقبلهم في استديو القناة استقبال الفاتحين، ولم يكن قط يوجه لهم أي من أوجه النقد، وكأنهم ملائكة لا تسريب عليهم، هذا هو مظهر شاهين الذي أضحى بين غمضة عين وانتباهتها عدوًا لدودًا للنظام السابق الذي لطالما سبح بحمده. قال لقيادات في الأوقاف أنا مع الإخوان لكن لابد من إظهار عكس ذلك والوقوف في منطقة رمادية كي أستمع إلى رؤى الجميع، وريثما يلتقي ناعوت أو من على شاكلتها من العلمانيين يقطع أوصال الرئيس وكل التيارات الإسلامية، هذا هو مظهر الذي بات يمثل حالة الأزهر الوسطى المعتدل وغيره متطرفون. تاريخ مظهر غض مليء بما إذا أراد هو أن نتحدث فيه لن تكفينا عشرات المقالات، من تاريخه أسوق إليه مشاهد من دورة الأئمة الرواد الثانية في الإسكندرية عام 2004 وقت أن كان أحد 55 إمامًا كانت تعدهم الأوقاف ليكونوا في أكثر مساجد الوزارة مكانة وشعبية وحساسية، وللبعثات الخارجية, لم يكن مظهر آنذاك ملتزمًا ببرنامج الدورة كبقية زملائه، وكان مسئول الدورة يعلم علاقته بأمن الدولة فلم يكن يطالبه بأي التزام طوال 75 يومًا في الدورة. في نهاية التجمع طلب مظهر من زملائه جمع مبلغ من المال لتصوير الحفل الختامي ووضعه على أسطوانات مدمجة يحتفظون بها للذكرى، وتم جمع المال فإذا به يستخدمه في عمل لافتات مكتوب عليها "الأئمة الرواد يبايعون الرئيس مبارك لفترة رئاسية جديدة"، وأحضر مصورًا خاصًا ليصوره أثناء تعليق تلك اللافتات، وغضب منه زملاؤه غضبًا شديدًا، لكنهم لم يعنفوه لعلمهم علاقته القوية بالأمن فخشوا أن يشي بهم وهم في مقتبل حياتهم العملية، حتى إنهم كانوا يتحاشون الحديث أمامه في أي أمر، هذا هو مظهر شاهين الذي لا يترك مناسبة إلا ويتهم فيها الرئيس بالباطل ليرضى العلمانيون ظنًا منه أن الغلبة ستكون لهم في النهاية، فهو يرتدى الوجه الرمادي من أجل ذلك اليوم. أعلن مظهر الحداد لتولي الأستاذ في كلية الدعوة د/جمال عبد الستار "لكونه من خارج الأوقاف" منصب وكيل في وزارة الأوقاف، رغم أنه كان على قلبه عسلًا حينما كانت وزارة الأوقاف قبل الثورة مخترقة من قبل أمن الدولة يعين فيها الوكلاء من لواءات الداخلية، لأن ذلك كان منسجمًا مع هواه فلم يعترض عليه "لم يكن يجرؤ على التنفس"، فلماذا ارتداء قناع البطولة الزائفة الآن؟ لقد كانت لحظة فارقة في حياة "المظهر" حينما تقدم لمقابلة وزير الأوقاف آنذاك محمود زقزوق "الذي كانت ترتعد فرائصه من أمين شرطة في أمن الدولة"، لاختيار إمام جديد لمسجد عمر مكرم، وكان من المتقدمين معه إمام مسجد الأرقم في مدينة نصر حمدي عبد السلام، والثائر الحقيقي الشيخ ربيع مرزوق إمام مسجد الرحمن في الزمالك، والداعية المتميز الشيخ أحمد عبد المنعم إمام مسجد عباد الرحمن في حلوان، تقدم الأربعة لاختيار أحدهم، وبعد لقاء الوزير خرج الشيخ حسين خضر ليقول كلمته الشهيرة على أعين الأشهاد "يا ولد يا مظهر تم اختيارك بالأمر المباشر" وطبعًا قالها صريحة مريحة من دون مواربة، هبط الأمر على زقزوق من أمن الدولة "البيت الثاني للمظهر" . وبات منذ ذلك الحين يسبح مظهر بحمد النظام وينفذ كل ما يمليه عليه الأمن، حتى كانت اللحظة الفارقة الثانية في حياته إبان اندلاع شرارة الثورة التي لم ينحاز فيها للثوار في بادئ الأمر، بل طالبهم بالعودة إلى منازلهم ومنح الرئيس السابق فرصة جديدة والصبر عليه بعد وعده بغلق ملف التوريث، هذا هو مظهر خطيب الثورة وضيف الفضائيات ممثل الإسلام المعتدل.