د.آمنة نصير: حل المشكلة يأتى عن طريق قوة القانون والعدل الاجتماعى د.أحمد كريمة: القضاء على الفتنة لا يحتاج إلى مجالس أو هيئات جبرائيل: المجلس عبارة عن لجنة كانت تابعة لمجلس الوزراء معدومة الصلاحيات تعتبر أحداث الفتنة الطائفية فى مصر دائرة مفرغة من الأحداث، غالبا لا يحاسب جميع فاعليها أو المحرضون لها، وأحيانا لا يتم الكشف عن النتائج الكاملة للتحقيقات، وهو ما يزيد الأمر تفاقمًا وتعقيدا، وكسبيل لعلاج تلك الأزمات فى مصر، ظهرت مبادرات ومشروعات لنزع فتيل الأزمة الطائفية فى مصر، منها: مشروع "بيت العائلة المصرية"، والذى ينطوى على (لجنة من الأزهر ولجنة من الكنيسة المصرية)، وهدفها مناقشة كل ما يتعلق بالمسلمين والمسيحيين ودراسة أسباب التوتر بين الجانبين، واقتراح الحلول المناسبة لها ورفعها إلى أولى الأمر للتعامل معه، ولكن بعد فشل مشروع بيت العائلة المصرية، فى مواجهة الأزمات الطائفية, تعرض هذا المشروع لهجوم كبير من قبل العديد من مشايخ الأزهر وائتلاف العلماء الجدد الذين طالبوا بإلغاء هذا المشروع. ولكن ما شهدته مصر مؤخرا أشعل فتيل الأزمة فيها، فكانت أحداث مدينة الخصوص والكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لتؤجج الأزمة الطائفية فى مصر مرة أخرى، وعلى أثر تلك الأحداث، أصدر الرئيس محمد مرسى قرارا بإعادة تشكيل وتفعيل (المجلس الوطنى للعدالة والمساواة)، بهدف تعزيز القيم ونشر ثقافة المواطنة والمساهمة فى إيجاد ضمانات قانونية وواقعية تكفل العدالة والمساواة بين جميع فئات الشعب، "بصرف النظر عن الأصل أو النوع أو الدين أو المعتقد". ولكن لم يتفاءل البعض بإعادة تشكيل وتفعيل المجلس الوطنى للعدالة والمساواة، واعتبره المحللون نموذجا مكررا من مشروع بيت العائلة المصرية الذى فشل فى نزع فتيل الأزمة الطائفية فى مصر منذ إنشائه. وفى إطار ذلك رصدت (المصريون) آراء علماء الدين فى قرار الرئيس مرسى بتشكيل المجلس الوطنى للعدالة والمساواة ودوره فى نزع فتيل الأزمة الطائفية فى مصر. فى البداية، قالت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بالأزهر، إن حل المشكلة الطائفية فى مصر يأتى عن طريق أشياء محددة، وهى قوة القانون والعدل الاجتماعى والالتزام من المواطنين بتطبيق القانون، وأن يعلم الفرد أنه يوجد عليه التزام أمام القانون، أيا ما كان، سواء ابن عشيرة أو ابن قبيلة، وسواء كان فى المدينة أو فى القرية أو حتى فى المناطق الحدودية، فلا أحد يعلو فوق سلطة القانون، وهكذا تدار الدول الديمقراطية. وأكدت العميدة السابقة بالأزهر أن الدولة عليها مسئولية هامة، وهى البعد عن محاسبة أى إنسان على خلفية عقيدته أو نوعه أو انتمائه السياسى أو غيرها من الانتماءات وعدم محاسبة البعض طبقا لتخوفات أو حسابات مسبقة, فإذا ما طبق القانون على الجميع دون تحيز ستكون النتائج أكثر عدلاً ولن تحمل النفوس بالبغضاء أو المشاحنات. وأن دور المؤسسات، أيا ما كانت لن يفعل دورها فى المجتمع، إلا أن تعود قوة الدولة والتى تستمد من قوة القانون, وحتى هذا الحين يكون دور مؤسسات المجتمع المدنى "دربًا من الرفاهية"، حيث إننا نريد الدولة القوية, الأبية, العفية, والتى "تحترم كل مواطن لأنه مواطن"، لا لشيء آخر، وذلك أساس العقيدة الإسلامية، وكان هذا أساس راسخ فى بناء الدولة الإسلامية القوية سواء فى عهد الرسول أو فى عهد الخلافة. من جانبه، يقول الدكتور إبراهيم عبد الشافى، عميد كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إن تفعيل دور المجلس الوطنى للعدالة والمساواة هو خطوة من الخطوات العملية، ونحتاج إلى خطوات مشابهة فعالة, فلابد أن يكون هناك مشاركات فعالة من العديد من الحكماء والعلماء وليست مؤسسة واحدة، بحيث يتكاتف الجميع لاحتواء أزمات الفتنة التى من الممكن أن يتم احتواؤها فى البداية، وستصبح أمرًا عابرًا لن يؤثر على لحمة المجتمع. وأوضح عبد الشافى أن الإسلام يعطى لكل إنسان حقه ويعطيه كامل كرامته، كما جاء فى قول الله تعالى: "ولقد كرمنا بنى آدم"، و نتذكر أيضا موقف الرسول حين وقف أثناء مرور جنازة يهودى، وحينها قالوا له هذا يهودى يا رسول الله، فقال "أليست نفسا"، كما أوصانا الرسول بأهل الذمة وهذا يعنى الكثير وأهمها أنه فى أمانتنا. وأنه على جميع المواطنين أن يكونوا يدًا واحدة لإخماد فتيل الفتنة، "فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها"، إن إطفاء الفتنة عمل جليل يجب أن نتبناه, والفتنة تبدأ بأشياء بسيطة فيجب أن يكون كلامنا بعيدا عن التعصب، ونتجنب ترديد ونشر الشائعات, فالكلمة يمكن أن تهدم المجتمع إذا ما كان وراءها نفوس مغرضة. من المنطلق ذاته، يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، إن المسألة ليست مسألة مجالس وهيئات يتم إنشاؤها وليس لها دور، بل بالعكس، هى لا تسمن ولا تغنى من جوع، فالقضاء على الفتنة الطائفية لا يحتاج إلى مجالس أو هيئات، فالقضية لا تحل بهذا الشكل، ولكن يجب تغيير ثقافة الشعب المصرى التى أصبحت سطحية جدا، وأقل كلمة تثير فتنة طائفية، هناك أشياء كثيرة يجب الاهتمام بها بعيدا عن الدين والطائفية التى نعانى منها، وأصبحت آخر مسمار فى نعش الوطن، فلا بد من تغيير الخطاب الدينى سواء فى المسجد أو الكنيسة، بحيث يكون متوازنا ومعتدلا ويقرب وجهات النظر بين الطرفين ويمنع احتقان الدماء، ويتسم بالسماحة والأخلاق التى ينص عليها القرآن والإنجيل، وأنه فى مصر إذا أردنا قتل أى قضية أو مشروع، نصنع له لجنة أو هيئة، وبذلك يفقد الموضوع حيويته وأهميته، فعندما يكون هناك شيخ سلفى متهور لا يعرف مدى خطورة الحديث الذى يقوله، لابد أن يكون هناك وقفة، عندما يوجه حديثه للأقباط ويطلب منهم أن يهاجروا ويتركوا مصر، ويستمر فى شحن الشباب ضد الاقباط والعكس، أيضا ما يحدث من راعى كنيسة عندما يقول هؤلاء المسلمون هم عرب محتلون غزاة، هذا بالإضافة إلى الصور الصحفية التى تضخم الصورة. وأشار الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أنه يجب أن يكون هناك ميثاق شرف يلتزم به الجميع، ويكون هناك عقوبات رادعة يعاقب بها إذا خالف أى من الطرفين بنود الميثاق. من جانبه، قال نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، إن هذا المجلس ليس بجديد، فكلها أشياء قديمة مستهلكة لا تفيد بشىء ويريد الرئيس استرجاعها، وليس هو بمجلس لكنه لجنة فاشلة كانت تابعة لمجلس الوزراء ليس لها أى صلاحيات ولا تستطيع فعل أى شيء، لأن كل من ينضم إليها ينظر لشعارات فقط وليست أفعالا على أرض الواقع، فالوضع على أرض الواقع أكثر تعقيدا, ولن يكون حله بتلك البساطة. وأضاف جبرائيل أن الأصوب أن تحترم الدولة سيادة القانون وهيبته حتى يكون هناك رادع لكل من تسول له نفسه أن يزايد أو يحدث فتنة طائفية لم تكن موجودة فى مجتمعنا المصرى لعقود طويلة وليست من سمات الشعب المصرى، فالأصل فيه الاعتدال وليس التعصب واتباع أساليب عنيفة، فلابد من سرعة صدور قانون حق الأقباط فى بناء دور العبادة وإصدار قوانين تفعل مبدأ المواطنة وتعمل على زيادة التسامح الأخلاقى، وهو ما نصت عليه جميع الأديان. وأكد جبرائيل على ضرورة فتح جميع الملفات وتقديم الجناة إلى المحاكمات من أى طرف كان وألا تترك التحقيقات فى قضايا الفتنة مبهمة وغامضة، كما حدث فى تحقيقات أحداث ماسبيرو وأحداث الفتنة الطائفية الأخرى.