هل تلك هى مصر التى نعرفها؟ .. هل هؤلاء هم الفلاحون الطيبون الكرماء المسامحون الذين «تأكل القطة عشاهم».. وتتركهم دون عشاء لفرط سماحتهم ومسامحتهم وطيبتهم.. وعطفهم؟ من أين أتى المصريون بكل هذا العنف البشع؟.. وكيف تحولوا عن طبيعتهم التى عرفهم العالم بها؟.. ومن السبب وراء ذلك؟.. وكيف حدث هذا التغير دون أن تلاحظه أو دون أن تسعى الدولة إلى علاجه ويسعى علماء النفس للتصدى له؟ بداية وحسب موسوعة علم النفس والتحليل النفسي: «العنف هو ذلك السلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه، وهو عادة سلوك بعيد عن التحضر والتمدن، كالضرب والتقتيل للأفراد، والتكسير والتدمير والحرق للممتلكات، واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره». ولا شك أن الجرائم العنيفة ترتكب فى مصر، كما فى كل أنحاء العالم، ودوافع ارتكابها مختلفة، السرقة - الخيانة الزوجية - الدفاع عن الشرف أو المال - أو الحصول على مكاسب بعد إنهاء حياة شخص ما.. وكل هذا موجود ومتفهم، قبل الثورات وبعدها، وسيظل إلى آخر الدهر، طالما وجد الخير والشر، ولكن ما أعنيه هو ردود الفعل العنيفة والدموية التى تصل إلى القتل والإحراق والتدمير لمجرد تنفيس الغضب، أو الدفاع عن رأى يحتمل الصواب والخطأ، أو الظن فى أن الشخص الذى يُنتوى الاعتداء عليه قد ارتكب جريمة ما. .. بعد الثورة بأيام بدأت مشاهد العنف الدموى التى لم نعتد عليها أبداً تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، «يوتيوب وفيس بوك» وغيرهما، فرأينا ذاك البلطجى فى «الزاوية الحمرا»، وقد انتصر على بلطجى آخر وتمكن منه، فوضعه على سيارة وجاب به «حواري» المنطقة وأزقتها وكل من أراد مجاملة المنتصر صعد السيارة نصف النقل و«جرح» المهزوم.. الممدد.. المقيد حتى يدميه، والجماهير تهلل؟! .. تم توالت «الفيديوهات» المماثلة، لأشباه هؤلاء فى مختلف محافظات مصر وأحيائها، واعتادت العيون على مشاهد الأجساد العارية المغطاة بالدماء، وبدأت الصحف ومواقع الإنترنت وحتى رسائل أجهزة الهواتف المحمولة تتسابق على نشر تفاصيل العنف ونزيف الدماء. .. وقتها قلنا إن ما يحدث «تابع» طبيعى من «توابع» الثورات، وسينتهى بمجرد أن يستفيق المصريون من سكرة الثورة.. ولكن.. وللأسف الشديد لا «الحالة الثورية» التى نعيشها انتهت، ولا «التوابع» توقفت ولا المصريون استفاقوا لحجم العنف وكميات الدم التى يغرقون فيهما- بالأمس القريب قام أب مكلوم من اغتصاب ابنته بذبح اثنين، وإحراق اثنين آخرين «اشتباها» منه فى قيامهم بالجريمة البشعة!! وكالعادة قام أهالى القرية التابعة لمحافظة كفر الشيخ بتصوير الحدث الجلل ونشره، وقبل ذلك بيوم واحد قام «أهالى قرية أخرى بذبح شقيقين قتلا مخبر شرطة وأصابا ضابطًا حاول القبض عليهما».. وقبل أيام سحل أهالى قرية أخرى «شقيين» قيل إنهما يخطفان النساء، وقاموا بتعليقهما على الأعمدة، وعشرات القصص والصور والفيديوهات.. لا أحب الدخول فى تفاصيلها. هل أصبحنا نعيش «اللادولة»؟.. وكل من يعتقد أنه صاحب حق يأخذ حقه «بذراعه»؟ .. نعود لنؤكد وللمرة المائة: لا بديل إطلاقًا عن إعادة «الشرطة» لدورها الذى أنشئت من أجله: حماية الناس ومنع وقوع الجرائم، وضبط المجرمين، وبأسرع وقت، كما يجب الإسراع لدعم عناصرها بدماء جديدة من بين «ملايين» الخريجين من الجامعات والمعاهد المتخصصة، وإبعاد الفاسدين المفسدين من قادتها، والدفع بالكفاءات، وإقصاء الجسد الشرطى عن لعبة السياسة القذرة، فشرطة مصر.. لخدمة شعب مصر وتطبيق قانون مصر، وليست لحماية حكم أو فصيل. أعيدوا للمصريين أمنهم ليعودوا كما كانوا آمنين.. طيبين ودودين.. رحيمين.. مسامحين.. يطعمون عشاهم للقطة!! وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected] twitter@hossamfathy66