أمس فاز مكرم محمد أحمد بمنصب نقيب الصحفيين للمرة الثانية ، بعد أن خاض معركة انتخابية عنيفة مع ضياء رشوان ، لم يستطع الاثنان حسمها في الجولة الأولى فاحتكما إلى جولة إعادة ، فوز مكرم لم يكن المفاجأة ، ولكن المفاجأة الحقيقية هي الأداء القوي الذي أظهره الصديق ضياء رشوان في ممارسة هي الأولى له في تاريخه الصحفي ، فلم يسبق له خوض أي انتخابات على مقعد النقيب، وشارك مرة واحدة فقط في حياته على مقاعد العضوية ، ولذلك تصور مكرم في الجولة الأولى أن الأمر محسوم له ، حتى فوجئ بالنتائج التي أظهرت أن الفارق بين الاثنين أقل من ثلاثين صوتا من مجموع يقترب من ثلاثة آلاف صوت انتخابي شارك في العملية ، فأدرك مكرم وداعموه أن الجولة المقبلة لن تكون سهلة ، ولذلك بذل جهدا ضخما من أجل الحصول على ثقة أعضاء الجمعية العمومية ، وخلال الثلاثة أيام الأخيرة كان الموبايل يمطرني برسائل حملة مكرم التي تحمل ما حصل عليه من إنجازات ومكاسب للصحفيين ، وبدون شك كان أهم إنجاز حققه هو حل مشكلة صحفيي جريدة الشعب ، وهم قرابة أربعين صحفيا وجدوا أنفسهم فجأة في الشارع بعد أن كانوا في صحيفة ملئ السمع والبصر وأغلقت الحكومة ملفهم التأميني إيغالا في التنكيل بهم وأوقفوا رواتبهم أو حولوها إلى شيء رمزي ، ومر على هذه المشكلة أربعة نقباء فشلوا في حل هذه المشكلة ، ونجح مكرم في حلها وهو ما كان عنصرا قويا في دعم موقفه في الجولة الثانية ، كما لعب مكرم على وتر شديد الحساسية عند الجماعة الصحفية ، وهو خطورة وقوع النقابة أسيرة لمصالح وحسابات قوى سياسية حزبية أو غير حزبية ، لأن المصالح النقابية إذا تمزقت في الصراعات السياسية ضاعت ، وقد خدم الناصريون والإخوان المسلمون بدون قصد مكرم في هذا المجال باحتفائهم الحزبي وليس النقابي الصريح لضياء ودعايتهم السياسية ، لدرجة أنه في الجولة الأولى كان بعض رموز الناصريين يحيطون به أمام الكاميرات على باب النقابة بشكل أرسل رسالة شديدة السلبية ، وقد نبهه بعض محبيه لخطورة ذلك ، وقد تلافاها في الإعادة فاختفت هذه الوجوه من حوله ، كذلك خسر مكرم أصواتا كثيرة في الجولة الأولى بظهور رؤساء تحرير الصحف القومية عن بكرة أبيهم كأنهم في طابور أمن مركزي في مدخل النقابة تأييدا لمكرم ، كانت هذه رسالة سيئة للغاية من الحكومة والحزب الوطني ، وقد تلافاها أيضا مكرم في جولة الإعادة فاختفى هذا المشهد ، وبإشراف قضائي ووعي نقابي عالي وحملات انتخابية مدروسة عاشت نقابة الصحفيين عرسا ديمقراطيا حقيقيا ، وأتصور أن هذه هي أقوى معركة انتخابية حضرتها منذ تشرفت بعضوية نقابة الصحفيين المصريين قبل حوالي عشرين عاما ، وقد فاز مكرم لأنه في الأساس يحمل تاريخا مهنيا كبيرا ، إضافة إلى شخصية قوية رغم عصبيته تثق الجماعة الصحفية في قدرتها على تحقيق مصالحها وحل مشكلاتها مع السلطات المختلفة ، أو معظمها ، وخسر ضياء بعد معركة مشرفة للغاية رغم فقدانه لأي تاريخ نقابي ، لأنه من الشخصيات النبيلة والتي تحتفظ بود واحترام مع كافة التيارات السياسية ، ولكنه رفع شعار "التغيير" من غير أن يضمنه مشروعات وأفكارا محددة ومقنعة تحقق مصالح أبناء المهنة ، والحقيقة أن الانتخابات النقابية لها خصوصية تختلف عن الانتخابات السياسية العامة ، لأن النقيب ليس مرشحا عن جموع الشعب أو أبناء الدائرة ، وليس مسؤولا عن هؤلاء بموجب منصبه ، وإنما هو مرشح عن أبناء المهنة ومنتخب من أبناء المهنة ومسؤوليته شبه محصورة في مشاكلهم وهمومهم التي لا تنتهي مع السلطات المختلفة ، ومن هنا يأتي اختيار النقيب عادة منعزلا عن توجهه السياسي ، فمن انتخب مكرم لم ينتخبه من أجل الحكومة أو الحزب الوطني ، وإنما من أجل الثقة في قدرته على حماية أبناء المهنة أو حل مشكلاتهم ، والذين لم يصوتوا لضياء لم يكونوا ضد شخصه أو توجهه الفكري أو السياسي ، وإنما لاعتبارات مهنية بحتة ، ولذلك فاز من تركزت حملته على الجانب النقابي ، وخسر من تركزت حملته على الرؤى السياسية . [email protected]