كنت في زيورخ قبل شهر بالتمام والكمال وتجولت في قلب المدينة ولفت نظري الحملة الاعلانية الشهيرة والتي تطالب الناس بالتصويت ضد بناء المآذن ولفت نظري الجمع بين المآذن وصورة امرأة منتقبة وضعت على نفس الاعلان ... لم أصدق أن السويسريين سيفعلونها ! ساعتها جال بخاطري ما يحدث في بلادي من هجوم كاسح على النقاب وكيف أن عباقرة الاعلان في سويسرا ( المحايدة –سابقا ) قد نجحوا في استثمار ذلك في الربط بين المئذنة والمنتقبة على الرغم من أن المئذنة كائن غير حي فهي رمز مبني من الطوب والخرسانة والمرأة المنتقبة المتشحة بالسواد هي كائن حي ويشكل نسبة كبيرة من نساء المسلمين حول العالم . إلا أن العقلية الجهنمية جعلت من المئذنة قرينا للنقاب ( الذي تتم محاربته في بلاد المسلمين ! ) من فتاوانا إذن أدانوننا ؟ وبشيوخنا حاربونا ! أو لسنا نحن الذين افتينا بحرمة النقاب وطارد شيخ الشيوخ بناتنا الصغار في أفنية المدارس معلنا الحرب على النقاب ! بالأمس جاء ساركوزي حين كان وزيرا للداخلية في فرنسا ليأخذ الفتوى من شيخ الأزهر. واليوم من يدري هل جاء وزير خارجية أو داخلية سويسرا الى ارض الكنانة طالبا الفتوى هو الآخر أم أنه اجتهد بحكم أن المجتهد له أجران إن أصاب وأجر إن اخطأ ! سويسرا بلد المصارف والبنوك والساعات وصناعة الجلود والعطور وبلد الهاربين من كل صوب وحدب ومن بينهم بالطبع مصريون محكوم عليهم بالسجن. تم تهييج الشارع السويسري بحملة اعلامية ضخمة ونجح اليمين المتطرف في فرض رأيه على السويسريين الذين هم في غالبيتهم ليسوا متدينين وحتى أولئك المسحيين منهم لا يمارسون العبادة بشكل معتاد! فعلها اليمين السويسري وانتظرت طويلا لكي أسمع راي شيخ الأزهر ( الذي اختفى من صلاة عيد الأضحى ولم يؤم الناس كما هو معتاد في شرم الشيخ ) !! هذا البلد الهادئ الوديع الجميل فعلا لا أعتقد أن المآذن تشغله ولا الآذان يؤرقه ولا الصلاة تزعجه ، لكن الحقيقة أن من يؤرقه ذلك هو بعض العلمانيين في بلادنا والمتطرفون في بلادهم والذين راحوا يقدمون الاستشارات لكل مركز أبحاث غربي محذرا الجميع من أن دولة اسلامية في طريقها للنشوء في أوربا ..حتى أن الاتحاد الاوربي أصدر تقريرا عن خطورة المسلمين في أوربا وخصوصا بريطانيا وفرنسا.. ومن ساعتها بدأت الحرب .. سويسرا المحايدة التي لم تدخل الحروب العالمية والتي آثرت الحياد ها هي اليوم تنجر جرا الى حرب مع مسلميها البالغ عددهم نصف مليون ، وهم مواطنون صالحون بشهادة السويسريين أنفسهم , ولكن يبدوا أن هناك من أزعجه حياد سويسرا فأرادها خصما مع طرف مسالم متعايش ومتسامح ! سويسرا ليست مثل اليونان في عدائها التاريخي للمسلمين خصوصا الأتراك فقبل أعوام زرت العاصمة اليونانية أثينا وكان ذلك في شهر رمضان وبينما كنت أتجول باحثا عن مطعم يقدم وجبة (حلال) كما يطلق عليها في اوربا اقتربت من مبنى يشبه في طرازه المعماري المساجد ولكن مرافقي أشار على بعدم التوجه اليه لأنه ( كان مسجدا ) وحوله اليونانيون الى كنيسة انتقاما من الحقبة العثمانية . وعلى بعد خطوات من نفس المكان شاهدت مبنى جديدا ورغم جماله المعماري الحديث وجدت أن هناك مبنى قديم ربما لا يتجاوز المائة متر تم الحفاظ عليه رغم أنه ملاصق للمبنى الجديد الذي عرفت فيما بعد انه وزارة التربية ، ولمأ سألت علمت أن المبنى القديم عبارة عن كنيسة أو دير قديم لم تستطع الدولة أن تهدمه لتبني مكانه الوزارة .. فأبقت عليه وبنت من حوله المبنى الجديد. هناك من يعمل ضد حياد سويسرا وهناك من سوف يتخذ من الاستفتاء الاخير تكئة لتحركات أوسع ضد المساجد كما أشار فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي ولكن يبقى السؤال عن دور رموزنا ورجال الدين مسلمين ومسيحيين في بلادنا ؟ هل سنكرر مشاهد الصمت القديمة أم سنتحرك وتتحرك دولنا للتعبير عن غضبنا واستنكارنا لهضم حقوق المسلمين تحت السطور ما أطول ليلك يا سويسرا لماذا تخليت عن حيادك ! هذا زمان التسامح والتعايش والمواءمة فلماذا ارتديت قفاز الملاكمة ؟ [email protected]