مديرات ليوم واحد... هكذا احتفلت مؤسسات عربية عديدة بيوم المرأة العالمي، بتسليم زمام الإدارة ومقاليد الحكم للنساء، واعتبرت ذلك خطوة رائدة في مجال حرية المرأة، و شكلًا من أشكال تداول السلطة بين المرأة والرجل الذي يهيمن على المواقع الإدارية. إن وجود يوم عالمي للاحتفال بالمرأة هو كتخصيص يوم للأم والأب والعامل، فكرة تقوم على ترسيخ مبدأ الفردية individuality بما يمثله من تضارب المصالح مع فئات المجتمع الأخرى، و هو أيضًا مناسبة إعلامية للتذكير بقضايا المرأة - من منظور غربي- التي قد لا تحظى في غير هذا اليوم بالاهتمام بشكل مستمر. إن الاحتفاء بقدرات المرأة ومهاراتها الإدارية ليوم واحد ليس أكثر من تزويق وتجميل لصورة المؤسسات التي قامت بالتجربة، وهو لا يدل على وجود قناعة فكرية بقدرات المرأة وبصلاحيتها لتولي المناصب العليا، وإلا لكانت هؤلاء النسوة اللواتي وصفن بالخبرة والكفاءة والتمرس على رأس العمل الإداري دون الحاجة إلى وجود يوم مخصص للمرأة لوضعهن تحت التجربة أو لذر الرماد في العيون والتزين بواجهة دعم المرأة و تحررها إن مفهوم تمكين المرأة empowerment ليس مفهومًا مستحدثًا، فقد فتح الإسلام الأبواب على مصارعها أمام المرأة لتولي المواقع كافة وكانت النساء يرافقن الرسول صلى الله عليه وسلم حربًا و سلمًا، ويقمن بجميع الأدوار بما فيها القتال، و تبوأت المرأة في الحضارة العربية الإسلامية الحسبة والوزارة والحكم، و لم يحدد الإسلام عمل المرأة إلا في بعض المواقع والتي عليها خلاف بين أهل العلم. إن مفهوم حُسن الصحبة الذي ذكره الحديث النبوي الشريف قد يتوسع ليتجاوز المرأة كأم، وفي دلالة كلمة الصحبة استمرارية وامتداد زمني طويل، و في استباقها بالحسن تركيز على نوعية العلاقة والمعاملة التي يجب أن تسود بين الرجال والنساء، مفهوم في مجمله يتعدى التخصيص بيوم واحد من باب -اذكروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة- بل يأمر بالبر الدائم و الإحسان الدائم و الرعاية الطويلة الأمد. إن مثل هذه الأيام تنتهز لعولمة قضايا المرأة و مشكلاتها و معالجتها بنفس الأساليب حول العالم دون مراعاة للخصوصيات الحضارية والدينية والاجتماعية في المجتمعات المختلفة إن الحركات النسوية العربية التي تستميت في استيراد النموذج النسوي الغربي تعاملنا كفئران تجارب وتقامر بحياتنا وتطبق علينا ما صلُح وطلح في الغرب وحتى ما أثبت فشله فيما يخص المرأة و الأسرة بإحصائيات رقمية دقيقة لا تدع مجالًا للشك. المرأة العربية في يومها العالمي مقسومة إلى نصفين بين من يرونها نباتًا للزينة لساعة أو يوم ويخفون وراء ذلك أفكارًا وعادات بالية تنظر للمرأة بعين عدم الأهلية والافتقار إلى القدرة والمهارة ونصف يحاول أن يخرجها من طور الدين والثقافة العربية ليجرب عليها نظريات في الأنوثة والأمومة والأدوار الاجتماعية. في يوم المرأة العالمي تحتاج المرأة العربية أن تعود لذلك المعين الرباني و الحضارة الإسلامية التي جعلت السماء سقف طموحاتها والأرض بامتدادها ميدان انجازها، وتحتاج لرجل على قناعة بأهمية دورها في المجتمع، رجل يسعى للتكامل معها لا منافستها أو استبعادها أو السيطرة عليها. بغير هذه العودة فيبدو أننا في هذه الألفية أيضًا و في عام 2013 سنظل نطرق موضوع المرأة وأدوارها كموضوع يستحق النقاش والعمل من أجله كما بدأ العالم يطرقه في القرن التاسع عشر وسنبقى نبحث في تمكين المرأة دون أن نمكنها حقيقة فهناك فرق بين التمكين والتمكن فالأول نظري والثاني واقعي والتمكن الذي نبحث عنه يجب أن يصبح نمطًا عامًا في العالم ككل وليس مجرد حالات مفردة تزويقية لتجميل مشهد عام ما زال يناقش أهلية النساء في مجال القيادة. فهل تقدمنا في مجال المرأة والقيادة أم تأخرنا أم راوحنا مكاننا؟ والإجابة ليست سهلة فهي تعتمد على الإطار والمرجعية التي نقارن أنفسنا بها في العالم العربي، فهل الحركة النسوية الغربية التي بدأت في القرن التاسع عشر تنادي بحق التصويت والأجور المتساوية والحقوق المدنية هي المرجعية؟ أم أننا لدينا في تاريخنا العربي انجازات وأمثلة كانت فيها المرأة أكثر تمكنًا واستقلالية وحرية إلى أن سيطرت علينا العادات والتقاليد التي ردتنا إلى عقلية جاهلية في التعامل مع المرأة تنظر إليها كناقصة وتحرف معاني النصوص الدينية والتاريخية وتخرجها من سياقها. فهل الحل أيضًا أن نسير بالتبعية للغرب في قضايا المرأة كما نسير في كثير من نواحي حياتنا؟ أم نسدد ونقارب بين الجيد في ثقافتنا والحكمة في ثقافة الآخر؟ وهل يكون التغيير في عقلية المجتمع وموقفه من قيادة النساء بفرض القوانين والمعاهدات أم بالعودة إلى أسفل الهرم وتربية المجتمع على احترام المرأة و أدوراها أو المزاوجة بين فرض القانون وتربية الناس على روح القانون؟ كل هذه أسئلة أصبحت مكررة وتختلف طرق التعامل في الدول العربية، والحل الوسط أن تتم دراسة دور المرأة في كل الميادين وعلى كل المستويات ليس كدور منفصل عن الرجل بل كدور تكمالي شقائقي وكلمة شقائق كما جاء في الحديث النبوي"النساء شقائق الرجال" تحمل معاني النصف والمثيل ولا نريد أن نكون كالغربيين نفترض عداوة وندية مع الرجل فإما نحن في الميدان أو هو، إن دور المرأة ليس بمجهول لنعرّف به ولا بمنكر لنثبته إن قمنا به تقدم وإن قصرنا به تأخر، ولكن الخلل الأساسي في الفهم هو التعامل مع الأمور من باب الجنس وما يقتضيه ذلك من تقديم أو تأخير فليس لنا أن ننكر أن مجتمعاتنا ذكورية أبوية والحل الوحيد لحرب الذكورة والأنوثة هو أن تصبح الكفاءة لا الجنس هي مناط التقديم والاستخدام والتفوق فلا تقدم المرأة ويُفسح لها مجال كخرم الإبرة في الكوتا وغيرها لمجرد أنها امرأة ولا يترك الميدان على اتساعه للرجل لمجرد أنه رجل حتى لو كان لا يعرف كوعه من بوعه وصدق من قال "كونك رجلًا أو امرأة ينوِّعُ شكل ابتلائك وامتحانك واختبارك في دار الامتحان في هذه الدنيا. لكن جنسك لا يغير من جوهر الجزائية والمصيرية إلى الله عز وجل شيئًا" في غمرة هذا الجو الاحتفالي حول العالم بيوم المرأة لا نملك إلا أن نتساءل أين العالم والمجتمع الدولي الذي عمي عن نساء سوريا المنتهكات المذبوحات؟ ولماذا لم يطالب بحقوقهن بذات التصميم الذي يفرض علينا به معاهداته و قوانينه؟ ألم يتذكر العالم نساء غزة اللواتي يفتقدن الأمان وكل مقومات الحياة الطبيعية سوى في ماراثون للركض ونسينا كل الأولويات الحياتية والانجازات والتحديات العظيمة وركزنا على الخلافات والفرعيات التي تأتينا من الخارج و تريد أن تلبسنا ثوبًا غير ثوبنا؟؟ المرأة أصل وليست فرعًا وليست يومًا ولا مناسبة ولن نترك فضل ما عندنا وإن قصر المجتمع بممارسته لضيق القوانين والشرائع البشرية مهما ظهرت بأثواب الحرية.