(الجندر أو Gender).. كلمة أجنبية ذات أصل لاتيني، تركز في مفهوم النوع الاجتماعي بين الرجل والمرأة. ورغم انه ظهر في السبعينيات كما يؤكد البعض، فإنه قد ظهر بالمواثيق الدولية أول مرة في مؤتمر السكان بالقاهرة عام 1994، حيث تكرر المصطلح في البيان الختامي 51 مرة رغم أن مفهومه لم يكن محددا. وفي مؤتمر بكين عام 1995 تم التركيز بشكل اكبر في المصطلح، واعتبر أساسا للمساواة بين الجنسين وإلغاء الفوارق التي تهضم حقوق المرأة، ووردت كلمة الجندر في بيانه الختامي 245 مرة. وفي مؤتمر روما الخاص بإنشاء المحكمة الدولية عام 1998 فقد تم التأكيد وبشكل أكثر وضوحا أن (كل تفرقة أو عقاب على أساس الجندر تشكل جريمة ضد الإنسانية). ثم أصبح مصطلح الجندر جزءا لا يتجزأ من المواثيق الدولية والبيانات الصادرة خاصة من الأممالمتحدة، وكان التركيز اكبر في دول العالم الثالث. مواجهة ورفض رغم أهمية هذا الموضوع، فقد واجه المصطلح الكثير من الهجوم والرفض من فئات عدة في مجتمعاتنا على وجه الخصوص، فالبعض اعتبره محاولات لنشر ثقافة غربية في بلداننا، وآخرون اعتبروه ترويضا للشذوذ الجنسي والمثلية الجنسية. ولكن ربما لم تفلح محاولات تشويه هذا المفهوم في أن تقف عائقا أمام انتشار ثقافة الجندر بشكل واسع خاصة في دولنا العربية، حيث دأب الكثير من المؤسسات المجتمعية على تبني ثقافة الجندر، وبرز الكثير من الناشطين من الجنسين للدفاع عن النوع الاجتماعي قبالة ما يوجه له من اتهامات. في البحرين بدأ هذا المصطلح يجد طريقه بقوة في أوساط المجتمع، وتصدى المجلس الأعلى للمرأة بصورة خاصة لنشر ثقافة النوع الاجتماعي أو الجندر في المجتمع، ومن الجهود التي بذلها في هذا الجانب ورشة العمل التي نظمها المجلس مؤخرا حول (كيفية إدماج النوع الاجتماعي في الإعلام) وشارك فيها كوكبة من الإعلاميين بكل وسائل الإعلام بالمملكة، وحاضرت فيها الخبيرة في لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا(الاسكوا) الدكتورة هدى رزق. ورزق هي وجه إعلامي لبناني، عملت مستشارة للبرامج السياسية بتلفزيون المستقبل ومستشارة لوزير الإعلام اللبناني، كما عملت مستشارة في مؤسسة (فردريش ربرت الألمانية)، وحاليا هي خبيرة في الاسكوا بالمسائل المتعلقة بالمرأة، حاصلة على الماجستير في العلوم الاجتماعية، والدكتوراه في العلوم السياسية. أنتجت مؤلفات عدة في السياسة مثل (الأصولية في مصر، و(العلاقات السورية اللبنانية والأزمات التي مرت لها)، وكذلك (النخب البرلمانية السياسية التي حكمت لبنان)، إلى جانب المساهمات والأبحاث المنشورة. وكان وجود الخبيرة الدكتورة هدى رزق في البحرين فرصة لنسرق من وقتها ساعة نناقش خلالها الكثير من التساؤلات والاستفهام المتعلقة بهذا المفهوم الذي اقتحم مجتمعاتنا من دون استئذان، والذي بات يشكل مصدر قلق عند الكثيرين.. خاصة المتشددين. فهل يعتبر الجندر فعلا مفهوما غربيا يرمي لنشر غزو ثقافي غربي؟ وهل هو ترويج للمثلية الجنسية كما يروج البعض؟ هل ستكون مجتمعاتنا العربية أول الرافضين لهذا المفهوم؟ وما الفارق بين الجندر والدعوة للمساواة التي ظهرت منذ عقود؟ هل هما وجهان لعملة واحدة؟ ثم لماذا الإصرار أساسا على استخدام كلمة الجندر من دون تعريب؟ ولماذا التعصب؟ ينطلق حوارنا مع الخبيرة في الاسكوا بتبيان مفهوم الجندر بشكل مبسط، حيث توضح الدكتورة هدى رزق أن الجندر أو النوع الاجتماعي هو ببساطة تساوي الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وان يعرف كل منهما واجباته وحقوقه، وبالتالي فإن الموضوع يتعلق بالدور الاجتماعي وليس بالجنس البشري، فالجندر يختلف عن مفهوم الجنس البشري في أن هذا الأخير هو دلالة على (ذكر وأنثى)، في حين أن الجندر هو دلالة على الدور الاجتماعي، ويركز في أن المرأة والرجل متساويان في الأدوار الاجتماعية وكل منهما هو شريك الآخر حتى في الإعالة، خاصة في هذا الزمن الذي يصعب على الرجل منفردا أن يتحمل الإعالة نظرا لمتطلبات الحياة الاستهلاكية، لذلك لابد أن تساهم المرأة بعملية الإنتاج، ولا يمكنها ذلك إذا لم تكن متعلمة ومتمكنة على الصعيدين الاجتماعي والصحي، وهذان الجانبان هما الأساس في التمكين. كما أن المرأة شريك في تولي المناصب الإدارية والسياسية لأن المجتمع لا يقوم الا بجناحيه، والقرار الصحيح في المجتمع يجب أن يكون ثنائيا بين الرجل والمرأة سواء في المنزل أو العمل أو الإدارة، ومتى ما استطعنا أن نحقق هذا التكامل بين الرجل والمرأة، فستسقط النظرة التسليعية للمرأة (اعتبارها سلعة)، وستصبح شريكا فعليا يعتد به وطرفا هاما يعتمد عليه في الأزمات. علما بان هذا الدور الاجتماعي قد يتغير بتغير الزمان والمكان. ولماذا الإصرار أساسا على استخدام مصطلح (جندر) رغم انه يثير الكثير من الاستفهام والرفض عند البعض؟ * جندر هي ترجمة عن الأجنبية، وترجمتها العربية هي النوع الاجتماعي، ولا مانع من استخدام أي من المصطلحين، فسواء قلنا جندر أو نوع اجتماعي فإن لهما ذات المدلول، فلماذا التحسس من هذا اللفظ أو ذاك؟ وربما لأن أصل الكلمة أجنبي صارت هي الدارجة أكثر من النوع الاجتماعي، شأنها شأن الكثير من المصطلحات الأجنبية الأخرى التي درجت أكثر من تعريبها، لذلك لا أرى أن هناك تعصبا باستخدام لفظ الجندر، فهي ليست الجنس كما ذكرنا وليست الرجل أو المرأة، وإنما هي الرجل والمرأة. تمكين.. وليس التقوية ماهي أهم الجوانب التي يتم التركيز فيها فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي؟ أولا تمكين المرأة، والتمكين هنا هو تقويتها، مع الإشارة إلى أننا يجب أن نستخدم مفهوم التمكين بدل مفهوم القوة. تقويتها على الرجل؟! كلا، وإنما مساواتها مع الرجل، فنحن نعلم أن المجتمع يعطي الرجل أكثر مما يعطي المرأة، وهذا الأمر مرتبط بالعادات والتقاليد، وهو موجود في كل دول العالم الثالث أو دول الجنوب، ويرجع لعدة أسباب منها نقص القوانين في مجتمعاتنا أو عدم تطبيق الموجود منها، واقصد بذلك القوانين التي تضمن المساواة، أضف إلى ذلك الأعراف والتقاليد التي هي مختلفة عن الدين، فهناك خلط عند البعض بين الأعراف والدين، فالأعراف والتقاليد كانت قبل الدين الإسلامي ومنذ فترة الجاهلية، لكننا حملناها معنا رغم دعوات الإسلام وتعاليمه، وحتى الرسول الكريم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كان مثالا للمساواة بين الرجل والمرأة ولم يميز بينهما، ولكن الأعراف الجاهلية ومنها انتقاص حقوق المرأة ظلت باقية في المجتمعات ومؤثرة فيها. هل هناك مجتمع مثالي على مستوى العالم في تحقيق مفاهيم الجندر؟ كلا، ليس هناك أي مجتمع مثالي، فحتى دول الشمال بما فيها الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية رغم أنها تعيش متطورة على صعيد الجندر، فإنها لم تصل إلى درجة المثالية في هذا الجانب، فهناك تاريخ طويل من التمييز بين الرجل والمرأة حتى في تلك الدول، والمجتمع بطبيعته ذكوري مهما اختلفت الأديان، وبالتالي ليس من السهل أن تحل هذه الإشكالية من خلال دعوات أو نظريات أو حتى قوانين، ولا يمكن إلغاء مئات السنوات من ذكورية المجتمع، لذلك لم يستطع حتى المجتمع الغربي حتى الآن أن يصل بمفهوم النوع الاجتماعي إلى أعلى السلم رغم أنها متقدمة علينا كثيرا، وحتى المجتمع الأمريكي اليوم يعمل على نشر ثقافة الجندر لأن الطبقات الاجتماعية هناك غير متجانسة أيضا، لذلك هي خطوات لابد أن نسيرها، وأول خطوة هي التوعية والتربية والتركيز في المناهج التعليمية والإعلام حتى نصل إلى تحقيق الأهداف، علما بأن مفهوم الجندر مصطلح حديث نسبيا، وظهر تقريبا في الفترة نفسها التي بدأ الحديث فيها عن التمييز ضد المرأة في منتصف السبعينيات، والأممالمتحدة هي التي تبنت نشر هذا المفهوم، ولكن يجب أن نراعي في عملية النشر خصوصية المجتمع، فما يُطرح في السويد مثلا لا يصلح لمنطقة الخليج. نحن.. الأكثر تخلفا هل تعتقدين أن الوضع في دولنا العربية هو ( الأسوأ) في ثقافة الجندر؟ لا استطيع القول انها (أسوأ)، ولكنها متأخرة في مفهوم الجندر رغم أنها بلاد تتجه نحو الانفتاح، والمرأة فيها تتعلم وتتطور، ولكن العقلية أو الذهنية التي يشوبها نوع من التزمت سواء الديني أو المجتمعي النابع من التمسك بالأعراف القديمة هو السبب، لذلك استطيع القول ان مجتمعاتنا العربية قد تكون هي الأكثر تخلفا في هذا الجانب، ولا أستطيع القول ان الرجل العربي لا يحترم المرأة، لكنها مسألة العادات الاجتماعية التي لا تقبل خروج المرأة وسلطته مثلا، لأنه يعتبر انه كلّي السلطة، وهو القاضي والمقرر والآمر والناهي، وهذا كله نابع من مفهوم القوة الذي نعمل على تخطيه لمفهوم التمكين، فعندما نطالب بمساواته بالمرأة، فإنه يفهم بأننا نريد سلبه قوته وسلطته، كما أن المفهوم العربي مازال يصور الرجل أنه السيف أو البندقية، وهو سلاح العشيرة والمجتمع، فيما كانت المرأة تاريخيا (سبية)، خاصة عندما تخرج في الحروب، لذلك بقي عقل الرجل العربي مركّزا في هذه المرحلة ويخاف على المرأة من أن تخرج، وبالتالي صار خروج المرأة من البيت يمثل عقدة عند الرجل الشرقي. ومع الانفتاح الحالي وتغير البنى الاقتصادية بشكل عام في مجتمعاتنا، لم يعد الرجل هو الذي يعمل وحده، ولم يعد هو مالك الأرض أو العامل فيها، وبالتالي دخل نمط حياة جديدة، وتبع ذلك العولمة التي أجبرت على الانفتاح، إلى جانب الانفتاح الإعلامي، فتغير الرجل بتغير المعطيات بما فيها صورة المرأة، ولكن هذا لا يعني كما ذكرت بقاء الترسبات عالقة في الذهن بالمجتمعات العربية على وجه الخصوص، وهذا ما يجب أن نعمل من اجل التخلص منه، لأننا نتحدث عن مجتمعات وليس أفرادا. المرأة.. والتشدد في السنوات السابقة برزت الدعوة للمساواة بشكل كبير ولاقت في الوقت ذاته معارضة من بعض الفئات، واليوم نجد مفهوم الجندر بدأ ينتشر بالقوة نفسها، هل المصطلحان وجهان لعملة واحدة؟ كلا.. فالحركات النسوية التي ظهرت في أوروبا طرحت مساواة المرأة بالرجل على كل الصعد، وطلبت من المرأة أن تتخلى حتى عن أنوثتها وسلوكها الأنثوي، وهذا الأمر فشل لأن المرأة تبقى امرأة والرجل رجلا،أما الجندر فهو المساواة في الحقوق والواجبات مع بقاء المرأة معتزة بكونها أنثى وامرأة جديرة ومتعلمة ومنتجة ومنجبة، بل ان هذا الدور الأخير (الإنجاب) هو أول ما يجب أن تعتز به وتعتبره أساسا لاكتمال الأنوثة، ولكن الزواج والإنجاب يجب الا يكونا هما الغاية وإنما خطوة لتحقيق اكتمالها وتمكنها والقيام بأدوارها الأخرى بالمجتمع. ما هي اكبر العقبات التي تواجه نشر ثقافة الجندر في مجتمعاتنا؟ في رأيي أن أول العوائق هو التخوف من كلمة المساواة التي تخيف الرجل بل حتى بعض النساء لأنها تلقي عليهن مسئوليات وواجبات وجهودا، فهناك نساء مقتنعات بالسلطة الذكورية وبوضعهن السابق، وهذا نابع من التربية التي أقنعتهن بهذا الدور فقط، وبالتالي تكون المرأة هي العائق أيضا، فليس كل النساء مستعدات لأن يقدمن جهدا أو يقتنعن بالأمر. وهناك عائق آخر هو وجود التشدد خاصة من علماء الدين المتشددين الذين يتخذون من الدين حجة ومشجبا، في حين ان هناك الكثير من المواقع التي أعطى الدين فيها الحقوق الكثيرة للنساء، وهناك مواقع أخرى بحاجة إلى تفسير، لذلك نجد بعض النساء خاصة الملتزمات مقتنعات ويدافعن عما يطرحه عالم الدين المتزمت، وبالتالي تكون الإشكالية مركبة أو معقدة، وهذا ما يجعلنا بأمس الحاجة إلى شيوخ الدين المتنورين والمثقفين، وليس شيخ الدين الذي لم يدرس سوى بعض الدروس الدينية، ففي هذا العصر من المهم أن يلم شيخ الدين بالدين والفلسفة والاجتماع وغيرها، ويكون مطلعا على أفكار غيرها ويحللها قبل أن يلغيها، ومن المهم أن يتخصص شيخ الدين في مجال قبل دراسة الإسلاميات، وهذا كفيل بأن يعلي من شأن الدين وشيخ الدين وليس العكس كما يتصور البعض. وأود التركيز هنا في مسألة هامة هي أن القمع لا يكون دائما من الرجل، وإنما أحيانا تقمع المرأة أختها المرأة عندما تتخلى عن حقوقها الإنسانية. اتهامات لا صحة لها هناك من يرى أن الجندر هو محاولة للترويج للشذوذ الجنسي كالمثلية الجنسية، أو انه محاولة لإقحام الثقافة الغربية في مجتمعاتنا، مامدى صحة ذلك؟ هذا ليس صحيحا تماما، فمسألة المثلية الجنسية مثلا مسألة مختلفة تماما، وهي محاولة للإقناع بالتنوع وليس بالنوع الاجتماعي، فهناك محاولات فعلا من بعض السلطات الإعلامية الغربية لترويج فكرة أو قبول المثلية الجنسية على أنها مسألة طبيعية، ونلاحظ ذلك أكثر في المسلسلات والأفلام المستوردة التي عبَرَت إلينا عبر الفضائيات تحت حجة قبول الآخر وقبول التنوع مهما كان. في حين أن الجندر لا يتكلم عن الجنس أبدا ولا شأن له به، بل يعنيه ادوار النوع النوع الاجتماعي وهو الرجل والمرأة، أي يركز في الأدوار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يجب أن يقوم بها الرجل والمرأة بعيدا عن الجنس البشري، وبمعنى آخر ان مفهوم الجندر مفهوم اجتماعي بحت لا علاقة له بتلك المفاهيم الجنسية. وماذا عن الاتهام بأنه ترويج لثقافة غربية مرفوضة في مجتمعاتنا؟ هذا أيضا اتهام مرفوض، فالمجتمعات تطورت وتغيرت، ولا يمكن أن نرفض أي شيء يأتينا من الغرب من دون أن نتحقق منه، لأن رفض كل ما هو وارد من الغرب بشكل عام يعني أن نرفض دخول جميع المخترعات الحديثة مثل الموبايل والانترنت والفضائيات وغيرها، فكلها تمثل ثقافة غربية وليست من إنتاجنا، وكيف نقبل بتعلم واستخدام لغات أجنبية وتداول أفكارهم وعلومهم ورياضياتهم وطبهم طالما أنها ثقافة غربية؟ لماذا نقبل بذلك لكن عندما يتعلق الأمر بمستلزمات نمو المجتمع وتضافر قواه نكون بذلك نروّج لأفكار غربية؟ فالعالم يتطور ويتغير، ولا يمكن أن نبقى جامدين في مكاننا، وطالما أن مثل هذه المفاهيم تحمل تطورا للمجتمع فلا يمكن أن نرفضها بحجة أنها أفكار غربية. ثم ان مسألة تبادل الأفكار هي غنى للمجتمعات لأننا نأخذ الايجابي وليس السلبيات، وكما ذكرت أصبحت المرأة مضطرة لمشاركة الرجل في العمل والإنتاج لأنه لم يعد قادرا على تلبية مستلزمات الحياة، واضطر إلى الاستعانة بشقه الآخر في المجتمع، وهذه ليست مسألة جديدة، فخروج المرأة للعمل في أوروبا كان في الحرب العالمية الثانية بعد أن برزت الحاجة لذلك نتيجة نقص عدد الرجال، وبالتالي دفعوا المرأة للعمل في المصانع والإنتاج. الإعلام والاعتدال الديني في ظل هذا الرفض والمعارضة حتى من قبل بعض النساء، ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام بمجتمعاتنا في نشر ثقافة الجندر؟ للإعلام دور كبير لأنه شئنا أم أبينا سلطة، ومع الانفتاح والعولمة والفضائيات والانترنت والاطلاع على كل الثقافات في عالم بات قرية كونية، أصبح له دور كبير في بث ونشر الأفكار وإقناع الآخر الذي هو القارئ أو المشاهد أو المستمع بوجهة نظره، فاليوم كل شخص أيا كان موقعه هو بحاجة إلى الإعلام بمن في ذلك السياسيون وحتى الحكام الذين يحتاجون إلى الإعلام لتثبيت حكمهم ولعب دور النجوم، وبات الإعلام فردا من أفراد الأسرة، يؤثر ويتأثر، ولكن تأثيره أكبر من تأثره، ومن هنا يمكن للإعلام وبطرقه الخاصة أن يلعب دورا أساسيا في هذا الجانب خاصة في نشر الثقافة الصحيحة حول الجندر والمفاهيم والآراء التوعوية وترديدها لإقناع الناس بها تدريجيا وبشكل مرحلي، مع تأكيد عدم البدء من الأعلى للأدنى وإنما العكس، حيث يبدأ بعض قضايا وتحقيقات وتحليلها حتى يصل تدريجيا إلى الهدف، فليس من الضروري أن نتكلم نظريا عن النوع الاجتماعي وإنما عمليا بطرح قضايا ونماذج من الواقع. ماذا عن الفئات المتشددة والرافضة لثقافة الجندر من الأساس مثل شيوخ الدين الذين تحدثت عنهم؟ أولا دعنا نتفق على مسألة هامة وهي انه لا يمكن أن يكون المجتمع كله متشددا، ولا يمكن أن يكون علماء الدين متشددين كلهم أو متزمتين وإلا كان المجتمع متطرفا، فكما يوجد متشددون فلابد من وجود المعتدلين، وفي اعتقادي انه بالاتصال والتواصل مع المعتدلين من شيوخ الدين واكتسابهم يمكن تحقيق الكثير، أي أننا نلقي الكرة في حضن الاعتدال الديني حتى يناقش المتشددين، ونحن بدورنا ندعمه. الجيل القادم.. هو المحك من خلال خبرتك الطويلة في هذا المجال، ما هي أسوأ تجربة مرت عليك، وما هي أفضلها؟ دعني لا اسميها أسوأ تجربة، ولكني أقول ان أكثر ما أزعجني ويزعجني هو عندما أجد في بعض المجتمعات رجالا مثقفين متعلمين لكنهم يستنكرون الترويج لمفهوم الجندر، ورغم موافقتهم على عمل المرأة فإنهم يرفضون مسألة التساوي في ذلك لأن الرجل في اعتقادهم سيفقد عندها المكانة و(الدلال) اللذين تمتع بهما قرونا طويلة، حيث سيصبح مضطرا لأن يدلّل حتى يتدلل، ويعتقد أيضا انه سيفقد شيئا من قوته، وهذا أكثر ما يزعجني، واصطدم به كثيرا في بلدي. وبالمقابل أكثر ما يجعلني أتفاءل هو أن أجد شبابا عندهم قناعات بمفاهيم الجندر، ربما لأنهم يتعاطون مع الوضع الاقتصادي والتطورين التكنولوجي والثقافي، لذلك يعتنقون هذا المفهوم بشكل أسرع ربما من دون أن يعوا حتى مصطلح الجندر، وهذا ما يجعلني أعوّل أكثر على الجيل الجديد الذي يعاني أوضاعا تختلف عن الجيل السابق الذي عاش بحبوحة اقتصادية، وأنا أومن انه كلما عاشت الأجيال القادمة صعوبات اقتصادية آمنت بأهمية المساواة في المسئوليات والأدوار المختلفة. تطور المجتمع البحريني خلال وجودك هذه الأيام في البحرين والتقائك عددا من الفئات والشرائح بالمجتمع، كيف ترين حجم المشكلة؟ من خلال وجودي خاصة مع الصحفيين، شعرت بأنه ليس هناك مشكلة بالممارسة على الأقل عند الإعلاميين، ولكن المشكلة هي في وعي هذا المفهوم كما هو، فحتى لو كانوا يمارسون المفهوم عمليا فإنني لا ألمس وعيا كافيا في المنظومة ككل، ومن هنا كان من الضروري تنظيم ورشة عمل متخصصة للإعلاميين حول الجندر. وكيف ترين أدوار المجلس الأعلى للمرأة في هذا الجانب؟ في الواقع سررت كثيرا عندما وجدت مجلسا أعلى للمرأة في البحرين وبهذه القوة يقدم جهودا وأنشطة لتمكين المرأة على كل الصعد، وهذا دليل على تطور المجتمع البحريني الذي أنا على قناعة بأنه الأكثر تطورا في المنطقة. وقد قرأت تاريخ هذا المجتمع ونضاله سواء المرأة أو الرجل، وأقف باحترام أمام هذا التاريخ، وأنا أرى أن المجلس الأعلى للمرأة من خلال هذه الجهود الكبيرة لا يخترع شيئا جديدا أو بدعة في المجتمع، وإنما يستفيد من خلاصة تطور المجتمع الذي ربما توقف فترة ما، وجاء المجلس اليوم ليساعد على مواصلة هذا التطور، واعتقد أن هناك علاقة جيدة بين الإعلام والجهات الرسمية بما فيها المجلس الأعلى للمرأة خاصة فيما يتعلق بتطوير وتنمية المجتمع، وهذا ما يساعد على تحقيق الأهداف الموضوعة.