أشعر بالحيرة الحقيقية من موقف رئيس الجمهورية وحزب الحرية والعدالة من قضية سلامة قانون الانتخابات الجديد ، والذي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض بنوده وطالبت بتعديلها بما يتوافق وصحيح الدستور ، وقد قام مجلس الشورى بعدة تعديلات على القوانين التي أشار إليها حكم المحكمة الدستورية اختلف الرأي حولها بين خبراء القانون والدستور ، البعض من أنصار الإخوان وحلفائهم قالوا أن الشورى التزم بكل التعديلات المطلوبة والبعض اعتبر أن المجلس لم يلتزم حرفيا وإنما اجتهد في بعض الأمور بما يتواءم مع مطالب المحكمة ، وبالمقابل أكد خبراء وأساتذة قانون خاصة من المعارضين بأن مجلس الشورى تلاعب بحكم الدستورية ولم ينصاع له ، ودخل على الخط آخرون قالوا أنه حتى لو لم يلتزم الشورى بحكم المحكمة فإن الموضوع انتهى ولا يحق للمحكمة أن تنظر في القانون من جديد ولا أن تقضي بشأنه لأن الدستور يمنعها من الولاية اللاحقة ، وآخرون قالوا أن المحكمة ستقضي ببطلان القانون حتميا إذا وصل إليها أي طعن لأنه بموجب ولايتها السابقة ستقضي بأن مجلس الشورى لم ينفذ حكمها وبالتالي كان إجراؤه باطلا ، وفي ظل هذا اللغط القانون كله لا أحد يدري ، من يفصل في هذا الخلاف ، ومن الذي يؤكد أن الشورى التزم أم لم يلتزم بحكم الدستورية ، المفاجأة أن الرئيس مرسي دافع عن مجلس الشورى وقال أنه التزم بكل ما طلبته المحكمة الدستورية ، وفي تقديري أن هذه مجازفة منه ، لأنها مصادرة على مرجعية المحكمة الدستورية وسيكون وضعه محرجا إذا قضت الدستورية بعد ذلك ببطلان القانون ، لكن الأكثر مفاجأة أن الرئيس قال في الحوار الوطني أنه أرسل القانون إلى المحكمة الدستورية بعد أن وصله من مجلس الشورى ، لكن مصادر المحكمة وخبراء القانون قالوا أن هذا الإجراء لا قيمة له ولا معنى ، لأنه صدق على القانون بقرار جمهوري وأصبح نافذا خلال يومين فقط ، والمحكمة لا تنظر في القوانين بعد صدورها ، وبالتالي يصبح إرسال الرئيس القانون إلى المحكمة دون انتظار قرارها وحكمها الجديد هو تطييب خواطر ، في قضية دستورية لا تعرف الخواطر ، وما زلنا في حيرة شديدة ، هل قانون الانتخابات الآن غير دستوري ، هل سنمضي في الانتخابات ثم تقضي المحكمة بعد ذلك ببطلان القانون وبالتالي بطلان مجلس الشعب الجديد واعتباره والعدم سواء وفق أدبياتها المثيرة ، لقد حذر كثيرون من كارثة ، كما حذر رئيس حزب النور أمام الرئيس من إهدار أموال الدولة ومقدراتها على انتخابات ينتهي الحكم فيها في النهاية بالبطلان ، وطالب بتصحيح الأمور وعدم الاستعجال ، وصدور قرار بتأجيل الانتخابات عدة أسابيع والاحتكام للدستورية بشكل يقطع أي شك ويمنع أي التباس ويؤمن مستقبل البرلمان الجديد ، لكن كثيرين ركبهم الغرور والعنجهية ،وقالوا : طظ في الدستورية ، وما لنا وهؤلاء أعداء الثورة وأعداء الوطن !! ، فهل سنكون على موعد مع كارثة سياسية جديدة بعد عدة أشهر . أيضا يتوجب على الرئيس أن يعلن من الآن بوضوح كامل موقفه من وضع البرلمان في حالة إعلان المحكمة الدستورية بطلان قانون الانتخابات وبالتالي انعدام شرعية البرلمان الجديد ، وهي الفرضية التي يرجحها خبراء دستوريون بقوة ، هل سيتم حل البرلمان على الفور احتراما لأحكام القضاء والتزاما بالشرعية أم أن الرئيس سيتخذ قرارا باستمرار البرلمان إلى أجل ما ، أو أنه سيدعو للاستفتاء على البرلمان ، موقف الرئيس لا بد من إعلانه بشفافية كاملة من الآن والالتزام به علنا أمام الوطن وأمام كل القوى السياسية ، لأن ما يتردد الآن بقوة أن الإخوان يتعمدون ترك هذه النقطة معلقة انتظارا لما تسفر عنه الانتخابات ، فإن فازوا بها وحققوا الغالبية فإن الرئيس سيضرب بأحكام الدستورية عرض الحائط ويرفض حل البرلمان ويؤجل النظر في تطبيق الحكم ربما لعدة سنوات لتمكين جماعته من تشكيل الحكومة والسيطرة على أجهزة الدولة ومؤسساتها ، وإما إذا خسروا الانتخابات وفاز آخرون فإنه سيعلن حل البرلمان على الفور احتراما لحكم المحكمة وإعلاء لسلطة القضاء ، وقد فعل الرئيس كلا الموقفين قبل عدة أشهر عندما قرر عودة البرلمان المنحل رغما عن حكم الدستورية ثم عاد وقرر حل البرلمان "المنحل" خلال ساعات تحت ضغط الرأي العام وغضب علني من الدستورية ، وحتى نقطع الشك باليقين في هذه الوساوس ، على الرئيس أن يوضح من الآن ، علنا ، وبكل وضوح وشفافية ، أمام الرأي العام الموقف الذي سيلتزم به في حالة ما إذا أبطلت المحكمة الدستورية البرلمان الجديد ، بقطع النظر عن الفائز والخاسر في الانتخابات ، أما أن نقول : لكل حادث حديث ، فإن هذا يعني تعزيز شكوك كثيرين عن وجود سيناريو خاص وسري تم تجهيزه لكل الاحتمالات .