إن الله عز و جل سبقت مشيئته أن يبتلى الإنسان بفتنة كبرى أوقع صاحبها نفسه فيها ألا وهو الشيطان، و لكن حكمة الله أبت إلا أن يختص عبادًا له مخلصين أقر الشيطان ذاته بذلك "إلا عبادك منهم المخلصين". و لكن الناظر في حال الأمم التي حكي لنا القرآن عنها وحكي لنا كيف كان هلاكها وزوالها من على وجه البسيطة بل إن شئت قل من على وجه الإنسانية يجد دومًا أن بجانب داء الكفر يوجد داء آخر فت في عضد قلوبهم واستحوذ على نفوسهم فكان طريق نسيانهم لدين الحق ثم تخليهم عنه "استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون". و لكن الداء المجمع لهم الذي تاج رأسه الكفر هو الفساد مع تعدد صوره لدى كل أمة على حدة وكان هذا الداء كفيلًا بإهلاكهم" "و ما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" وإذا نظرنا لحال عاد وثمود فمع الفاصل الزمني والجغرافي بينهما ولكن داءهم واحد معروف فبجانب جحودهم بآيات الله الظاهرة حولهم, ومن يطالع القرآن يجد كل نبي يعدد لهم الآيات الظاهرة لعيانهم بل إن قوم ثمود زادوا بآية واحدة مبهرة ألا وهي الناقة والذين نتيجة لدائهم جحدوها جحودًا كبيرًا "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" فما سر ذلك الجحود الفظيع وما داؤهم الذي أورثهم ذلك النكران البشع والجحود الفج؟ إنه الكبر... وهو نفس داء فرعون بل داء أبيهم الأكبر وربهم الأعلى إبليس وكأنه شارب يبحث عن ندماء وقرناء يشاركهم خمره النتنة التي أفقدته كل شيء.. فالكبر داء متعدد الأعراض مستعص العلاج و يزيد علاجه صعوبة إذا أمات القلب وتحول لصورته المزمنة الخبيثة التي يكون علاجها من رابع المستحيلات. قالوا لنا قديمًا "العند يورث الكفر" وهل العند إلا عرضًا من أعراض الكبر؟! أعراضه كثيرة فالكبر بذرة سوداء تصيب القلب فإن رعاها الإنسان بحبها والاعتناء بها تمد جذورها الخبيثة في قلبه حتى تفسد تربته وتضرب سليقته، ثم تنمو وتمتد أفرعها ضاربة في أنحاء الجسم وأطنابه حتى تحيل الإنسان وحشًا كاسرًا ولذلك حرم الله الجنة على من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وجذع شجرة الكبر في الرأس ففيه الأنف الذي يرتفع والخد الذي يصعر واللسان الذي يعجب برأيه وكأن لسان حاله "رأيي صواب لا يحتمل إلا الصواب ورأيك خطأ حرم عليه الصواب" وليس كما قال الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ويقول الله تعالى "و لا تصعر خدك للناس ولا تمشي في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور" والكبر شهوة لعينه فلا يحسب الإنسان أن الشهوات بطن وفرج وفقط فتلكم الشهوات ليست إلا ناتجًا لفساد القلب والروح أما الكبر وأخواته (الحسد، الذلة... إلخ) هي من تسبب فساد القلب أصلًا فهي أم الشهوات وأصلها. وما كانت رسالة الأنبياء إلا لتزيح الركام البشع من مفسدات القلوب التي تراكمت وجثمت على هؤلاء "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" فنسوا الله فنسيهم. والكبر له صورة واضحة جلية في بلادنا هذه الأيام في عرض شهير من أعراض ذلك الداء اللعين ألا وهو إعجاب كل ذي رأي برأيه. فكل نقاشاتنا ومحاوراتنا وبرامجنا تخلو من أي موضوعية أصلًا و أي نقاش مفيد بل هو لقاء المتكبرين ومن يغلب الثاني بلسانه لا بالحجة والبيان التي صارت وسيلة لا غاية. صرنا نرى التلاسن والتحارب حتى من أبناء الفكر الواحد فإياكم والكبر فإنه مذهب لنضارة القلب وحلاوة الروح وجمال العقل فاتقوا الله وليجلس كل منّا مع نفسه لينقى قلبه من بذور الكبر السوداء قبل أن يفوت كل فرصة لإنقاذ النفس. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]