فقط وفي مصر بعد الثورة مؤيد يُقال عنه إنه إخوان ومعارض يقال عنه إنه مغرض، والعكس كذلك! وبين هذا وذاك نظرات حائرة من شعب باتت عيناه زائغتين من كثرة ما يراه في فترة تشبه الولادة المتعسرة، وتشوق من الناس إلى مولودٍ يشرق لينير أرجاء وطن، طالت جميع جوانبه أياد مغرضة أو مأجورة، حتى وصل لدرجة جعلته يكفر بثورة موتورة، وبمن صنعها كذلك. شعار بات يستيقظ عليه المصريون كل يوم (اتحادية سحل قتل تظاهر إعاقة وطن) ذلك عنوان المرحلة الانتقالية والتى مازالت مستمرة إلى الآن! بينما القضية ليست في كل هذا، إنما هى فى أمرٍ أصبح عجيبًا وغريبًا، يتعلق بالروح الثورية التي أطاحت بنظام، أبدًا لا يصح ولا يجب مقارنته بالحالى مهما اختلفنا أو اتفقنا حوله، فمصطلحات مثل فاشل، فرعون، بدوى، متأسلم، أطلقها هؤلاء الذين كفروا بالديمقراطية على رئيس مصر (المنتخب)! منذ يومين صدمنى سؤالٌ بدا لى غريبًا وجهه إليّ أحد المعارضين للتيار الإسلامي (هل أنت على صلة قرابة بالدكتور مرسى، حتى تدافع عنه؟)، تلك هي المعضلة أن يتوقف تأييد المرء لشخص على الصلة التى تربطه به، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لا أحد ينكر أن هناك أيادي مرتعشة في مؤسسة الرئاسة والحكومة كذلك، ولكن في ذات الوقت يجب ألا ننسي أن هناك شبحًا يسمي الدولة العميقة بكل ما يحمل من كره وعداء لأي تيار يخرجها عن كينونتها التي تربت عليها وفسادها ومصالحها إجمالًا، ومعارضة كنا نفترضها وطنية، ولكنها انسلخت عن ولائها لهذا الوطن، بينما الشعب كان ومازال الضحية. وإعلام تفجر فى لحظة فارقة فى تاريخ أمة بحجم مصر، ليقوم بأقذر الأدوار التى يمكن أن يقوم به إعلامٌ، ليشوه حقبة مصرية عظيمة، بعد ثورة مصرية عظيمة، هذا الإعلام الذى مازال حتى اللحظة يبتغى العوام ليقدم لهم نموذجًا قبيحًا من الكذب والتدليس حتي ترسخ أمامنا المبدأ الشهير (أعطني إعلامًا بلا ضمير أعطيك شعبًا بلا وعي!)، فهؤلاء دفعهم الكره للحزب الحاكم إلي عقاب كامل لشعبٍ بأكمله! . موقف قيادات المعارضة والمنابر الإعلامية المعبرة عنها والمنحازة إليها مخجلٌ للغاية، فالفوضى فى أنحاء مصر بمثابة فرصة لابتزاز الرئيس مرسى والضغط عليه، من خلال رفع سقف المطالب والدعوة إلى استمرار الاعتصام عند الاتحادية حتى تتم الاستجابة، وقد لخصها بيان ظهر مؤخرًا على الإنترنت باسم جبهة الإنقاذ دعا إلى «إسقاط الأوضاع القائمة كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية»! والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وكأن المطلوب من المتظاهرين أن يظلوا معتصمين بالاتحادية (لعدة سنوات!) حتى يتحقق المراد! وذلك هو اللغط الأكبر الذي ينتاب العديد من شباب هذه الفئة، فاللغة المستحدثة في الاعتراض أصبحت ممزوجة بكل ما هو عنيف ووضيع، بلطجة ودماء وتخريب يصاحبه صياح وعويل، وبذاءات وعبارات هابطة، بمساندة ترسانة إعلامية مجردة من أى أهداف سامية، وإعلاميين من الندابات والندابين، والمشعللتية والمدمرين، ولكن والأهم من ذلك كله، أنك ستكتشف حين تنصت بأذنيك وترى بعينيك أن المجتمع ليس طرفًا فى العراك، فلا أحدٌ من هؤلاء الإعلاميين منشغل بحاجات الناس وهمومهم، لكن الجميع مشغولون بحساباتهم وطموحاتهم وأنصبتهم، وإصرارهم على هدم الآخر وإفشاله. أعلم تمامًا أن النظام الحالي برمته لن يبقي فوق إرادة الشعب مهما اشتدت سواعده ويا ليتها كذلك ولكنه سيبقى حين يعمل. وإن كان لديك شكا في ذلك فهناك فرعون قابعا في إحدى أجنحة مستشفي المعادي العسكري ليخبرك عما آل إليه مصيره. فلماذا لا نرى حضورًا فى ساحة العراك لعقل مصر وأبنائها الغيورين على كل شيء فيها وأن يسموا فوق الاستقطاب والتخريب ويستهجنوه؟ وللحديث بقية ....... أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]