كان مبارك يجْثُم على قبرٍ من أوبئة المجتمع وأمراضه، اجتهد فى خلقها وصناعتها بل وتطوير بعضها ممن كانوا قبله.. وما أن انْزاح مبارك – ولو قليلاً- عن فوهة هذا القبر حتى فجَّت الرائحة وظهر الوجه الكئيب المشوَّه لهذا المجتمع المضطهد.. لقد كانت مباراة.. بين فريقى "النادى الأهلى" و"النادى المصرى"، على استاد "بورسعيد الرياضى"، انتهت بخسارة الفريقين بنتيجة ثقيلة هزَّت شباك الوطن بأكثر من (74) قتيلاً وعشرات المصابين والجرحى.. ما الذى أودى بنا إلى هذه النتيجة؟!! إن المسألة لها أبعاد سياسية وجنائية خطيرة، ولها أيضاً أبعاد ثقافية –ربما- أكثر خطورة، فهذا التشنُّج الكروى الذى نراه فى ملاعبنا كل يوم لم يأت من فراغ، وإنما هو نِتَاج سنوات من عمليات العبث والتشويه لعقول المصريين.. ومن أخطر هذه العمليات إعادة هيكلة البنية النفسية والثقافية للمجتمع المصرى، بأدوات القهر الأمنى، والتضليل الإعلامى، فكما يقول المختصون إنه "لكى يضمن المضللون التأييد الشعبى لنظام اجتماعى لا يخدم المصالح الحقيقية للأغلبية؛ فإنهم يستخدمون الأساطير التى تُفسر وتُبرر الشروط السائدة للوجود، بل وتضفى عليها أحياناً طابعاً خلاباً"، وبالضبط هذا ما فعله- وما زال يفعله- إعلام مبارك فى تشويه ثقافتنا نحو الرياضة. وبجانب إعلام التعصب الكروى، وبدعة "الألتراسات" العنصرية، هناك أيضاً أفعال رئيس الجمهورية المخلوع، التى ساهمت – بقدر كبير- فى تشويه الفكر الرياضى.. فعندما كان يحضر الرئيس مباراة لكرة قدم ويُرهق يديْه بالتصفيق لحركات اللاعبين، كان أسر ضحايا عبارة "السلام 98" يبيتون فى العراء ينتظرون جثامين أبنائهم!!.. عندما لم يجتهد الرئيس المخلوع فى حل أزمة المياه مع دول حوض النيل، أو السعى لتأمين حدودنا الجنوبية وإجهاض دولة "إسرائيل الجديدة" فى جنوب السودان، كان نفس الرئيس بشحمه ولحمه يسعى بجدية فى إنهاء أزمة حارس المرمى "عصام الحضرى" مع النادى الأهلى!! ما السلوك إلا نتاج ثقافة، فإذا أردت أن تُغيَّر سلوكاً ما فعليك بمقاومته فى الفكر أولاً.. وممارسات فخامة المخلوع، ونظامه، وحاشيته.. وإعلامه الذى يقوده -حتى الآن- صناديد الفلول، قد رسخ لثقافة التعصب الأحمق، وثقافة انقلاب الألويات؛ التى انتقلت من حيز الفكر إلى جانب التطبيق؛ فأصبح الشَّغَب وتعطيل المواصلات أمور عادية مصاحبة لأى مبارة كرة قدم.. هذه الثقافة جعلت لاعب كرة القدم يشار إليه بالبنان، وقد يكون سطحى الفكر عديم النفع، فى حين أن عالم الفيزياء لا يكاد يُعرف فى شارعه أو حيّيه الذى يقطن فيه!! هذا الانحراف فى الفكر الرياضى الذى نتج عنه انحرافاً فى السلوك كاد يعصف بالبلاد بأزمات دبلوماسية مع دول المغرب العربى الشقيق، وخاصة الجزائر وتونس، وداخلياً تتقافم الأزمات بين محافظات مصر وأنديتها حتى خرج علينا رئيس النادى الأهلى فى مؤتمر صحفىّ (2/2/2012) وقرر مقاطعة محافظة بورسعيد رياضياً لمدة خمس سنوات، الأمر الذى جعل عضو مجلس الشعب عن بورسعيد "البدرى فرغلى" يرد عليه بأنه لن يدخل النادى الأهلى لمدة عشر سنوات!! الرياضة - كما نعرفها- هى قيم وسلوك، وليست تعصباً وبذاءات.. الرياضة-كما نعرفها- تُجمع الدول المختلفة، ولا تُمزق أواصر الوطن الواحد.. الرياضة –كما نعرفها- "صخرة تتحطم عليها سفينة الشهوات"، ولكنها اليوم وبعد عقود من التشويه فى ظل الأنظمة الشمولية أصبحت: "صخرة تتحطم عليها سفينة الوطن".. إسماعيل نجيب ([email protected])