المطففون بحسب القرآن الكريم هم الذين يأخذون حاجاتهم تامة وافية ، بينما يعطون للناس حاجاتهم ناقصة ، وقد سُمُّوا بالمطففين ؛ لأنهم لا يكادون يأخذون إلا الشيء الطفيف . لكن القليل كالكثير في التعامل مع حقوق الناس والوطن ، لأن القضية قضيةُ مبدأ ، والمبدأُ لا يتأثر بالكمِّ ، فالذي لا يطفف ؛ لا يطفف .. لا قليلاً ولا كثيراً . وقد عاقب الله عز وجل المطففين بالويل ، وهو كما قال بعض المفسرين : واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره .. نسأل الله السلامة منه . ومعنى التطفيف يتسع ليشمل كل ما يمارسه الإنسان من ظلم وجور وإجحاف وعدم إنصاف في كل ما يتعلق بالحقوق والواجبات . فرئيس الدولة يكون مطففًا إذا أخذ من مال الشعب ما ليس له ، أو إذا نقص الناس حقهم ، وأعطى ومنع من منطلق ميوله وأهوائه ومصالحه الشخصية أو الحزبية . والشعب الذي يطلب حقوقه دون أن يؤدي ما عليه من واجبات العمل والإنتاج ومعاونة قيادته التي اختارها بإرادته شعب مطفف . والإعلامي الذي يساند السلطة الحاكمة بالحق وبالباطل إعلامي مطفف ، ومثله الإعلامي الذي يروج الأكاذيب ضد السلطة القائمة ليخدم توجه المنبر الإعلامي الذي يعمل فيها . والمعارض السياسي الذي يتخلى عن قيم المعارضة النبيلة وهو يعارض السلطة فيختلق لها العيوب والأخطاء ويروجها دون مبالاة بقيم الحق والعدل والإنصاف معارض مطفف . والغني الذي يستغل حاجة وجهل وسوء خلق بعض أفراد المجتمع فيدفع لهم قدرًا من المال ليمارسوا بعض أعمال البلطجة غني مطفف . والمدرس الذي لا يشرح حصته في المدرسة أو المعهد أو الجامعة ليوفر جهده للدروس الخصوصية مدرس مطفف . والموظف الذي يحول وظيفته إلى وسيلة ابتزاز للناس ولا يؤدي لهم مصالحهم إلا إذا دفعوا رشوة أو قدموا له هدية موظف مطفف . والطبيب الذي لا يؤدي عمله على الوجه الأكمل في المستشفى ليتفرغ لعيادته الخاصة حتى يثري نفسه ويشبع نهمه إلى المال طبيب مطفف . والإنسان الذي يغضب ويقيم الدنيا إذا ناله أحد بكلمة تسيء إليه ، ثم يستهين بانتقاصه حقوق الناسِ ونيله من أعراضهم إنسان مطفف . والذي يرى عَيْبَ الناسِ ولا يرى عيبَ نَفْسِه من المطففين .. وقد قيل : وتبصر في العين مني القذى وفي عينك الجذع لا تبصر إن المطففين أناس لا يعرفون إلا أنفسهم ، ولا يرون إلا مصالحهم ، ولو أن كل مطفف تذكر أن الله عز وجل ناظر إليه ، ومطلع عليه ، وسائله عن ميله وإجحافه وظلمه ، لرجف قلبه ، واهتز كيانه ، ولآثر الإنصاف والحق والعدل . وينبغي أن نعلم أن قوانين الأرض مهما اشتدت ، وأن مراقبة الناس مهما قويت ، فإنها لن تستطيع التسلل إلى خفايا النفوس وطوايا الضمير لترد المطففين إلى السوية ، وتهديهم إلى سواء السبيل . وليس هناك سبيل إلى ذلك سوى تربية الناس على المنهج الرباني الذي قال الله عز وجل فيه : ( ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم . يوم يقوم الناس لرب العالمين ) "سورة المطففين". والتربية على هذا المنهج مهمة جسيمة لن يقوم بها إلا كل من اتصل به تلقيًا وأداءً .. علمًا وعملاً ، وقد كان الصحابي الجليل عبد اللهِ بن عمر يمر بالبائع فيقول : اتقِ الله وأوفِ الكيلَ والوزنَ بالقسط ؛ فإن المطففين يومَ القيامة يُوقَفُون حتى إنَّ العرق ليُلْجِمُهم إلى أنصاف آذانهم . وكَمْ يحتاج المصريون في هذه الآونة إلى مثل عبد الله بن عمر ليقول لكل واحد منهم : اتق الله في مصر ، وأوفِ الكيلَ والوزنَ بالقسط لشعبها ولحكامها ، أدِّ واجبك كما تطلب حقك ، وراعِ المصلحة العامة كما تراعي مصلحتك الخاصة ، واعترف للناس بالمزايا ، كما تفتش عن العيوب والخطايا ، وابذل السلام لمصر ؛ فقد سئم شعبها من حملة المولوتوف في الجبهات والائتلافات وفي الصحف والقنوات بعد أن أيقن أنهم يمنحون الغطاء لمن يقذفونه لحرق المؤسسات والممتلكات . أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]