تلك هي آفة العصر مرض " المخلوعوفوبيا".. حصاد أكثر من ثلاثين عامًا تولى فيها مبارك الحكم.. "المخلوعوفوبيا" مرض غريب أصاب شعب مصر.. حولنا إلى قضاة أحكام لا طعن فيها .. في لحظات نتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون هدف.. كل منا يشك في الآخر ويتهم الآخر.. من يخالفني الرأي فهو عدو لي وللثورة.. كل منا اعتقد أنه الراعي الرسمي للثورة.. الإخوان يتكلمون عن حمايتها.. والنخب اليسارية والليبرالية يتكلمون عن سرقتها.. حتى الفلول أصبحوا الآن في ميدان التحرير "ثوار أحرار هنكمل المشوار"، وطلع ليهم صوت بعد أن انطفأت الثورة الحقيقية وظهرت ثورة المصالح السياسية؛ وبين كل هذا المولد يقف المواطن حائرًا يبحث عن لقمة العيش يدعو الله ليل نهار أن يهدي ثوار التحرير حتى ينفضوا أو تأتي صاعقة من السماء تنهي الفرح. فالمواطن لا يهمه ما لون الدستور، إسلامي أو ليبرالي أو يساري أو حتى هندي؛ لأنه لن يأكل دستور.. المواطن يبحث عن الكستور الذي اختفى وغلو ثمنه وأصبح لا يجد ما يستره من قرص الشتاء.. هذا هو حال البلد ناس تبحث عن الدستور وناس لا يهمها إلا الكستور.. الغريب أنني تابعت بعض مسودة الدستور حتى أعدد الأخطاء مثل غيري.. والحمد لله وجدت ولكن لم أجد شبهة تحويل الدولة إلى دولة إسلامية ولم أجد سوى مبادئ الشريعة الإسلامية في المادة الثانية.. فهل باع الإسلاميون القضية ؟! جميعنا مصابون بالشك في كل شيء وفي أي شيء.. لأن النزيه طلع حرامي، والكبير طلع صغير، والأمير طلع حقير، وكله غش في غش.. إننا الآن في فترة الخمول فالميدان الآن لم يصبح ميدان الثورة المتألق، ليس للعدد القليل فقط وإنما لفقد المواطن المصري الثقة في كل شيء حتى في النخب فهو الآن يشاهد بعينه مؤتمرات يعقدها من هم معروف عنهم انتماؤهم إلى النظام السابق يهتفون ثورة حتى النصر.. يشاهد أنصار مبارك في ميدان التحرير يد بيد مع الثوار، يشاهد الميدان وقد تحول إلى مليشيات تقذف المولوتوف وتقطع الطريق، ودخل الميدان أطفال الشوارع والبلطجية والباعة حتى تحول إلى مزاد ومين يدفع ومين يشترى. لقد شاهدت فيديو قصير لمواطن غلبان وسط المظاهرات التي كانت تنادي يسقط حكم المرشد، يعبر عما يدور في عقل ووجدان المواطن البسيط الذي يدعى الجميع أنهم وكلاء عنه .. قال فيه: عايزيني اهتف يسقط حكم المرشد.. هو مين المرشد دا حضرتك ؟! أنا مطحون.. طيب يفهموني !!.. مش هما دول برضه النخبة .. هذا الفيديو الذي عرض على "الفيس بوك" يكشف ما وصلت إليه النخب وبعض السياسيين من استجداء للمواطن ليهتف معهم فهم يحلمون بأن يحولونها إلى ثورة أخرى أو ثورة على الثورة.. لأنها بتلك الطريقة لن تكون استكمالاً للثورة.. إلا أن المواطن يحتاج إلى رغيف الخبر أكثر من الهتاف ضد شيء لم يلمسه. وأخطر ما في المشهد هو أن الانقلاب على شرعية الصندوق لن تفرز إلا الخراب والعودة إلى الديكتاتورية الحقيقية.. لأننا ببساطة لن نقبل بعدها أي شخص يأتي به الصندوق مهما كان لأننا ارتضينا الانقلاب على اختيار الشعب. أتذكر نكتة قالها لي أحد الأصدقاء: "أنت عارف إن السبب وراء قيام ثورة يناير مباحث المخدرات لأنهم كانوا ينافسون مباحث أمن الدولة في العمل وقاموا بالقضاء على المخدرات فالناس أفاقت عندما اختفى الحشيش وقامت بالثورة.. وأنا أقول له الناس أفاقت على سلخانات الشرطة والمعتقلات". الرئيس مطالب بأن يكشف لشعبه ما يحدث وهو مطالب أيضًا أن يقوم بالتغيرات السريعة والعاجلة لمن لا يريد العمل معه بل عليه أيضًا معاقبة كل مسئول لا يريد العمل في موقعة.. لقد صدمني الدكتور سيف عبد الفتاح، مستشار الرئيس السابق، عندما قال على أحد الفضائيات: "إن شقيق الفريق أحمد شفيق مرشح الرئاسة الخاسر والهارب إلى الإمارات من قضايا فساد يعمل ضابطًا هامًا في جهاز أمنى خطير، وإنه كان يعمل في الحملة الانتخابية لشقيقه"؛ وهو ربما ما يضع أمامنا الإجابة حول حالة التراخي التي نشعر بها في الشارع تجاه الأمن القومي في الشئون الداخلية.. لقد أكد عبد الفتاح وهو ليس منتميًا للإخوان أو لأي فصيل إسلامي أن النظام السابق زرع عقيدة داخل أجهزته الأمنية بأن الإخوان المسلمين خطر على الأمن القومي؛ وهي عقيدة راسخة تؤكد أن هذا الفصيل يجب أن يعامل كفصيل خائن للوطن فكيف تعمل الأجهزة الأمنية مع فصيل خائن وتنجحه؟!. الإجابة نجدها فيما يحدث في الشارع. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]