من الواضح أن كمية المال السياسى الذى دخل إلى مصر خلال المدة البسيطة الأخيرة نجح فى تحريك مراكز قلق كثيرة داخل البلاد، وأن حركته لم تقتصر على حفنات متناثرة من البلطجية أو ثلة من الإعلاميين والصحفيين من عديمى الشرف وسدنة النظام السابق، بل امتدت إلى مراكز اقتصادية وحركات دينية طائفية والخشية أن تطال تلك المليارات مراكز أكثر حساسية.. ولا شك أن متابعة المال السياسى وحركته التى تستتر أحيانًا بأنشطة اقتصادية وتجارية هيكلية أوشكلية سوف تؤثر على حركة تدفق الاستثمارات إلى داخل البلاد للتداخل البين بين هؤلاء وأولئك، كما أن المحاسبة الضريبية فى مصر، والتى صنع قانونها النظام الإجرامى السابق لم تضع سيفًا قاطعًا كذلك الموجود فى كل بلاد الدنيا مضمونه أن كل مال خارج الملف الضريبى هو مال غير شرعى تجب مصادرته فورًا متى زاد عن حد المصروف الشخصى الذى تقدره أغلب الأنظمة الضريبية بخمسة عشر ألف دولار، وبالتوازى فإن قانون غسيل الأموال الذى وضعه نظام حسنى مبارك نقلًا عن مسودة أمريكية تم تطبيقها فى أغلب دول العالم العربى والإسلامى لمكافحة القوى الإسلامية التى تعمل ضد استعمار الولاياتالمتحدة للعالم العربى والإسلامى، والتى أطلق عليها القوى الإرهابية كان قانونًا شكليًا قطع الطريق فقط على تحويل أموال الإسلاميين دون تجار المخدرات والسلاح والرقيق الأبيض التى تزعم حركتها وتفصيلها كبار رجال الدولة بالتعاون مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وبعد الثورة تحركت الأموال إلى داخل مصر بشكل هستيرى غير منضبط بلغ فى بعض التقديرات 200 مليار دولار أمريكى الغرض الوحيد منه إجهاض الثورة وإعادة إنتاج النظام السابق بشكل أو بآخر، وعلى ما يبدو فإن معظم تلك الأموال كان طائفيًا ثم خليجيًا كما أن أغلبه أيضا دخل البلاد فى حقائب ومن منافذ بحرية وجوية مباشرة، وفى مقال سابق عنوانه "المال السياسى بين الميرى والبرانى" طرقت فيه مسألة فشل المال السياسى للقوى المعادية للثورة كون معظمه يتم نهبه أثناء توصيله للهدف النهائى المتحرك على الأرض، والذى يقوم بالعمل الحقيقى من مظاهرات واشتباكات وحرق وتحطيم فنجد فى المحصلة أن حجم الحركة مقسومًا على ما تحصلوا عليه يدل قطعًا على أن اليد الوسيطة هى يد لص ولعل هذا من ستر الله . واليوم وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه أجد أن خبراء مكافحة غسل الأموال وخبراء الضرائب مطالبون فورًا بتشريع عاجل يعالج ثغرات القوانين التى تمر من خلالها أموال أولئك الذين شرونا بثمن بخس، ولو استلزم الأمر تشريع طارئ ومؤقت يعتمد تجميد الأموال لمدة عام خاصة تلك التى لا يستطيع صاحبها تبرير مصدرها، ولو تم قصره على العامين الماضيين بل ولو تم قصره على فئة بعينها من المواطنين، وهم أعضاء الحزب الوطنى المنحل فيما يزيد على 500 ألف جنيه أو على الأقل إلزام هؤلاء بتقديم إقرار ذمة مالية عاجل إلى جهات الأمن على نموذج يطرح فورًا مع إلزامه بإخطار تلك الجهات بكل تغير فى تلك الذمة، وذلك حتى تتم مراجعة منهجية للأداء الضريبى المصرى ليتشابه مع أمثلته فى أوروبا وأمريكا. [email protected]