يتزايد الشعور لدى المرء بأن مجمل الأوضاع العربية تسير بخطى حثيثة نحو الانحدار، ويخيل للمرء أنها تقوم بهذه المهمة بعزيمة وإصرار، الى الدرجة التي تقود الى الاعتقاد بأن الجوانب المختلفة لحالة العرب لم تعد مادة مناسبة للنقد والتقييم والمقارنة وتقديم المقترحات العلاجية، وذلك بعد ان أبلى المفكرون والمراقبون بلاء حسناً في تقديم المعالجات النظرية لها، ولكن من دون طائل يذكر في ظل إعراض الحكومات عن إدراك الأبعاد المأساوية للحالة العربية، ناهيك عن المبادرة في التعامل معها بالجدية المطلوبة. لذلك، يمكن القول ان كلا من تردي الأوضاع الحضارية العربية، وشبه اليأس المسيطر حول احتمالات النجاة من الأفق المظلم يدفعان الى الخوض في ذم حال العرب، وليس نقدها أو تقييمها. ليس من السهل حصر الاخفاقات العربية المعاصرة وذلك نظراً لكثرتها، ولكن لا بد من المحاولة مستعينين في ذلك بسهولة التعرف الى الاخفاقات الساطعة في الماضي والحاضر. ففي مجال الأمن القومي، لم يحقق العرب المعاصرون اي نصر عسكري مهم ضد أعدائهم، ولم يصلوا الى اليوم، سواء من خلال دولة عربية مفردة أو بشكل جماعي، الى توازن عسكري مطمئن يكفل نجاح استراتيجيات الردع والإكراه ضد الأعداء والخصوم. وعلى الرغم من توالي التهديدات العسكرية التي تتعرض لها العديد من الدول العربية في المرحلة الراهنة، إلا أن العرب لا يزالون بعيدين عن تشكيل حلف عسكري صريح يعطي على أقل تقدير الانطباع بالتماسك بين الحكومات العربية ويطمئن شعوبها. أكثر من ذلك، لا تزال الدول العربية تستورد أغلب قطع وآليات السلاح التي تستخدمها، ولا توجد صناعة عربية تعزز الثقة بإمكانية مواجهة المخاطر الخارجية لفترات طويلة. ليس أعداء العرب، الواقعيين والمحتملين، من العيار الخفيف الذي يمكن الاستهانة به، ولكن العرب لا يزالون يتهاونون في وضع الترتيبات اللازمة لمواجهتهم. وليس الحال أفضل في المجال الاقتصادي: فلا تزال الهياكل الاقتصادية العربية بدائية الى حد بعيد، ولا تشكل النشاطات الصناعية سوى نسبة متواضعة من حجم الناتج القومي الاجمالي للدول العربية ولا توظف القطاعات الصناعية سوى نسبة يسيرة من القوى العاملة. ولا يزال مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية مجتمعة يراوح في حدود ثمانمائة مليار دولار فقط، وليس من المتيقن متى سوف يتخطى حاجز التريليون، وكم سيكون عدد سكان العالم العربي عندما يتحقق ذلك. ترزح أغلب الدول العربية تحت ثقل المديونية، وتفشي البطالة التي تهدر نتاج التعليم وتقتل الطموحات المشروعة لدى الشباب المؤهلين، وارتفاع الاسعار بوتيرة تفترس الدخل المادي المحدود المتاح لدى الافراد، ولم يسهم النمو الاقتصادي الذي تشهده قلة من الدول العربية في توفير الوظائف للعاطلين عن العمل فيها أو تمكين الشباب من انجاز بعض من متطلبات الحياة مثل الزواج أو الحصول على المسكن المناسب. وبشكل عام، يفتقد العرب اية شهرة في الساحة الدولية في مجال انتاج سلعة ذات تكنولوجيا عالية، مثل أوروبا والولايات المتحدة في صناعة طائرات السفر العملاقة، وشهرة اليابان في صناعة السيارات والالكترونيات، وشهرة ألمانيا في صناعة السيارات وتوربينات توليد الطاقة الكهربائية من طاقة الرياح. باختصار، ليس لدى العرب أية ميزة مقارنة في انتاج سلع صناعية على المستوى العالمي، ولا تشعر دول وشعوب العالم بأنها تستورد من العرب شيئاً مهماً بخلاف النفط. وتقدم الأوضاع السياسية في الدول العربية حقلاً خصباً لذم الحالة العربية. فالمؤسسات السياسية في الدول العربية بدائية من حيث المضمون، وهي متخلفة وقاصرة حتى وان اتخذت هياكل تبدو حديثة من الناحية الخارجية. توجد في الدول العربية مجتمعات سياسية، بيد ان هذه الدول تفتقد المجتمعات المدنية الحيوية، وتوجد لدى الشعوب العربية ثقافة سياسية، بيد ان هذه الشعوب تعاني على صعيد الثقافة المدنية. ان حالة عدم التيقن السياسي هي المسيطرة في جميع الدول العربية: فلا توجد ديمقراطية كاملة وفاعلة بالمعنى الاجرائي في اية دولة عربية حتى الآن، وليس لدى الكثير من الدول العربية برامج معلنة للقيام بتحركات مبرمجة نحو الانتقال الى المؤسسات والممارسات الديمقراطية، وتعاني العديد من الدول العربية من مشاهد الدمار والقتل التي تخلفها العمليات الارهابية المقيتة، وتتم مصادرة الحريات وانتهاك الحقوق السياسية في الجانب الأكبر من الدول العربية، وتلقى نداءات ومطالبات الاصلاح والتغيير السياسي التي تطفو في هذه الدولة العربية أو تلك ردوداً حكومية مختلفة تراوح بين التجاهل، والمراوغة، والقمع. وفي الدول الخليجية التي تشهد نمواً في الأرقام الاقتصادية والتجارية، فإن حرمان المواطنين من المشاركة السياسية والتمثيل النيابي الحقيقي يصنع أجواء من التشكك حول مقومات النمو والثراء الاقتصاديين، فضلا عن الجهل بتكلفتهما المجتمعية. أما في بقية الدول العربية التي تعاني من العوز الاقتصادي، فإن الحرمان من المشاركة السياسية يصنع أجواء من الحيرة حول اسباب استمرار الاخفاقات الاقتصادية، واليأس من امكانية الخروج من طوق هذه الاخفاقات في المستقبل القريب. يرزح عشرات الملايين من المواطنين العرب تحت وطأة التخلف التنموي، مثل العيش تحت مستوى خط الفقر، ومعاناة أعباء الأمراض وعدم القدرة على الحصول على مياه نظيفة صالحة للشرب، ونسب الأمية المرتفعة، والعنف ضد المرأة، وتشرد الاطفال في الأسواق بحثاً عن مصدر للرزق بدلا من الذهاب الى المدارس، وانتشار ممارسات الفساد الاداري والمالي التي تلتهم مقدرات التنمية في الدول العربية وتغتال فرص مستقبل الاجيال المقبلة. تستحق الحالة العربية الذم، وبكل استحقاق، خاصة في ضوء الحقيقة المتمثلة في ان الاخفاقات العربية التي رصدنا جانبا منها غير مبررة على الاطلاق، إذ لا تعاني الدول العربية اية مشكلة تذكر من حيث امتلاك اسباب القوة والتقدم والتنمية، سواء من ناحية توفر المصادر الطبيعية، وتوفر القدرات السكانية والبشرية. وبكل أسف يحسب للدول العربية نجاحها المقيت في إهدار فاعلية كل أسباب تعزيز الأمن القومي، وتبديد معطيات الثراء الاقتصادي، وتقويض أسس التيقن السياسي، وتفويت فرص تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة. على أية حال، لا نتوقع ان يسهم ذم الحالة العربية في تحقيق ما فشلت جهود التقييم والنقد والمقارنة وتقديم المقترحات على مدى أكثر من خمسين عاماً في تحقيقه، فليس الذم أكثر من مجرد تمرين ذهني اثناء الهبوط على مسار الانحدار الحضاري.