.. هكذا قال داهية العرب معاوية بن أبى سفيان، حين صدق الواقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل سبعة وثلاثين سنة: "ويح عمار، تقتله الفئة الباغية". مرت الأعوام وخرج عمار ينصر عليًا حتى قُتل، وأسقط فى يد خصومه حتى أنقذهم معاوية بقوله: أنحن قتلناه؟! وإنما قتله على وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بين سيوفنا. كنتُ أحسب أن التاريخ طوى هذا المنطق، وإنما يُعرف للعبرة، لكن الليالى حُبلى تلد كلَّ غريب. قُتل من الإخوان عند قصر الاتحادية عشرة، وفوجئنا بمن ينفخ الروح فى منطق معاوية: إنما قتله من أخرجه. مَن يتجاهل القاتل، والمحرض، والمعرض عن إنقاذ القتيل، والمتجاهل لنقل وقائع الجريمة، فقط يحمل المقتول جريرة نفسه، ويضع دمه فى رقبة مكتب الإرشاد. هكذا دفعة واحدة، بلا حمرة من خجل، ولا قسط من حياء. ألا يا كفار الأمم السابقة لا تثريب عليكم فى المؤمنين فذنبهم فى رقبة الأنبياء، ألا أيها المستبدون لا جناح عليكم فى المستضعفين فجريرتهم فى رقبة المصلحين، ألا لا حرج عليكم أيها القتلة السفاحون الظالمون، افعلوا ما شئتم فقد غفر الساسة لكم ومنحوكم صكوك الغفران. لماذا تقف الفريسة فى طريق الصياد، أو تقع الذبيحة تحت سكين القصاب، أو يعترض جسد الضعيف سوط الجلاد، أو تشبع الضحية نهم الفُسَّاد. ألم تقل الأمثال: على نفسها جنت براقش. فهذا ما جنيتَه على نفسك، وما جنى عليك أحد. ألا لا جريرة علينا، قد أعلمناك أن السيف مسلط والسكين حاضر والأغلال جاهزة والسجن مفتوح، إذا رفعت رأسك فضربت رقبتك، أو فتحت فمك فقطع لسانك، أو لوحت بيدك فصفدت أطرافك، أو ناديت بالحرية فحبس جسدك. لا أدرى لِمَ يحكم القضاة على القتلة بالإعدام، وربما يكون المقتول قد بدأ القاتل بالاعتداء فصكه على وجهه، أو سبه ووالديه، أو أخذ شيئاً من ماله أو متاعه؟ والله إن العجب لا ينقطع، كيف تتحول القضايا المسلمات إلى محتملات، والبديهيات إلى مسائل قابلة للأخذ والرد والمطارحات. دعونا نسلم بما يقوله الخصم، ليس لبينة لديه، ولا حجة عنده، وإنما إرخاء للعنان فى المجادلة، سأسلم أن الإخوان أخطأوا بالنزول إلى قصر الاتحادية فى وجود الفريق المناوئ، وسأسلم أنهم فضوا الاعتصام بالقوة، وسأسلم بأنهم استفزوا المعتصمين الآخرين بالهتاف، سأسلم بكل ذلك ومثله معه، أيكون جزاؤهم القتل؟ أين ما تقوله المسيحية: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر. أو يقوله الإسلام: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. أو تتفق عليه كل الأديان: "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص". لا وخزة ضمير، ولا دمعة حزن، ولا كلمة تعزية، ولا تشييع جنازة، ولا عزاء لذويهم، ولا مسح على رءوس أيتامهم، ولا مواساة لزوجاتهم، ولا تربيت على أكتاف آبائهم، ولا الصمت الذى يناسب جلال الموت. وإنما تصريحات وحوارات وبيانات تحول المظلوم لظالم، والقتيل لقاتل، والمعتدَى عليه لجانٍ. أهذا ما هدت إليه الحجارة التى فى صدوركم؟ "وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار". لقد كان شر القتلة فيما مضى هو من يقتل القتيل ويشيع جنازته، لكن هؤلاء تلاميذ، مبتدئون، (غلابة)، بالمقارنة مع الأشرار المعاصرين الذين يحولون المقتول لقاتل. رضينا بمنطقك إن كنت ستتحمل قسطاً من الدماء التى قد سالت من قبل، أو تشعر بذنب المئات الذين سجنوا مطالبة بحريتك من قديم. ألا يستحق هؤلاء القتلى أن يكونوا من الورد الذى فتح فى جناين مصر، أم أنهم نباتات متسلقة على جدار الثورة؟ يا أيها الشهداء، لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، قد يزيد ألم أهليكم ذهاب المروءة من الناس، لكنها – إن شاء الله – ترفع من منزلتكم عن الله، ومقداركم عند من يعرفون معادن الرجال. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]