يبدو أن الأجواء في مصر مقبلة على مرحلة من التوتر السياسي الشديد إما بفعل الأحداث الإرهابية الأخيرة ، وإما بفعل إرباكات حراك الانتخابات الرئاسية المقبلة والتي كشفت عن قلق وتوتر بالغين في دوائر السلطة ، فبقسوة لافتة للانتباه ، قامت قوات الأمن المصرية بقمع تظاهرة نظمتها العديد من الحركات المطالبة بالإصلاح مساء أمس السبت في ميدان التحرير بوسط القاهرة للاحتجاج على إعلان الرئيس مبارك ترشحه للفوز بفترة ولاية خامسة ، وقامت قوات الشرطة باعتقال العشرات من المتظاهرين ، من بينهم جورج إسحق المنسق العام لحركة " كفاية " وأمين اسكندر القيادي بالحركة ، كما أصيب العديد من المتظاهرين بإصابات متنوعة نتيجة استخدام قوات الشركة للهراوات الكهربائية ، كما وقعت بعض مشاهد " سحل " المتظاهرين في منطقة ميدان طلعت حرب . وأفاد مراسل " المصريون" من موقع المظاهرة بأن قوات الأمن قامت بملاحقة وسائل الإعلام العربية والدولية وقامت بسحب الأفلام من كاميرات المصورين فضلا عن تدمير الكثير منها. وأوضح أن ما يقرب من خمسة آلاف جندي تدعمهم أكثر من مائة سيارة من عربات الأمن المركزي ، شاركوا في قمع المظاهرة . وأكد مصدر في حركة كفاية إن قوات الأمن احتجزت عشرات من أعضائها خلال فض المظاهرة بالقوة ، فيما قالت مصادر أمنية أن عدد المعتقلين من أعضاء الحركة بلغ 27. وذكر مصدر طبي أن أربعة متظاهرين وصحفيا واحدا على الأقل لحقت بهم إصابات منها كسر في الضلوع وتمزق في الكتف وكدمات وكسر في اليد. وقال المصدر أن أحد المتظاهرين إصاباته خطيرة. وكانت شوهدت سيارة إسعاف في المنطقة التي طوقت فيها قوات الأمن المتظاهرين وأوسعتهم ضربا. وكانت قوات الأمن قد حاولت منع المتظاهرين من الوصول إلى ميدان التحرير ، وقامت بإغلاقه أمام المارة بشكل تام وأجبرت كل المتواجدين فيه على الدخول في الشوارع الجانبية ، وهو ما دفع المتظاهرين للانتقال إلى شارع البستان وكان أول من توجه إلى الشارع جورج إسحاق منسق عام الحركة وأمين إسكندر أحد مؤسسي حزب الكرامة ولكنهما فوجئا بقوات الأمن في انتظارهما ، حيث تم اعتقالهما . ونجح بعض المتظاهرين من عناصر "كفاية" وحزب العمل في التجمع أمام مقر الحزب الناصري ولكن قوات الأمن سرعان ما قامت بحصارهم ، وقام أحد ضباط الأمن بإصدار أوامر إلى فرق كارتية كانت مجهزة لضرب المتظاهرين ، فكان كل خمس أفراد يتجمعون حول أحد المتظاهرين ويوسعونه ضربا ويقتادونه إلى عربة ترحيلات متواجدة بالشارع حتى تم القبض على عشرات من المتظاهرين ، الذين أخذوا يهتفون ضد الرئيس مبارك من خلف قضبان العربة وقبل أن يصدر الأمر إلى العربة بالتحرك . وحاولت مجموعة من المتظاهرين من أعضاء حركة كفاية منع السيارة من التحرك وألقوا أنفسهم أمام عجلاتها ، وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين ، إلا أن قوات الأمن تدخلت وحملتهم بالقوة بعيدا عن العربة التي مضت في طريقها . ورغم هذا الحصار والعنف الأمني الشديدين ، إلا أن بعض المتظاهرين استطاعوا توحيد صفوفهم مرة أخرى وساروا في شارع البستان وعلا هتافهم حتى وصلوا إلى ميدان الفلكي. وقام المتظاهرون بتوزيع المنشورات المعادية لحكم الرئيس مبارك على المارة قبل أن تحاصرهم الشرطة مرة أخرى ، وتدخلت عناصر من القوات الخاصة ، كانت تقوم بإبعاد أحد المتظاهرين بعيدا عن زملائهم ، لتبدأ عملية تكسير عظام عنيفة . وقد توجه المتظاهرون بعد فشلهم في الوصول لميدان التحرير إلى مبنى نقابة الصحفيين وأعلنوا اعتصام مفتوح أمام النقابة حتى الإفراج عن المعتقلين ، ورددوا الهتافات المنددة بنظام الرئيس مبارك . ويشارك في الاعتصام كل من حركة كفاية وشباب من أجل التغيير والحملة الشعبية وحزب العمل والناصري والوفد والغد والوسط. وأكد جورج إسحق المنسق العام لحركة كفاية عقب الإفراج عنه أن قوات الأمن قامت بالقبض عليه هو وزملائه من المتظاهرين بشكل شرس ووحشي وزجوا بهم في عربة ترحيلات خانقة . وأوضح انه تم نقله مع باقي المعتقلين إلى معسكر قوات الأمن المركزي في الدراسة وكان معه القيادي في الحركة أمين اسكندر والقيادي في الحزب الشيوعي المصري صلاح عدلي. وفي السياق ذاته ، أكد الناشط الإخواني محمد عبد القدوس القيادي في حركة كفاية أن "ما حدث اليوم هو بداية سوداء لعهد الرئيس مبارك الجديد. كل كلامه عن حرية ومرحلة جديدة كلام غير صحيح. الرئيس سقط في أول اختبار." وأضاف "المعارضة في أي دولة ديمقراطية من حقها أن تقول رأيها مادامت تعبر عنه بطريقة سلمية... هذا يدل على أن الفكر المستبد قائم وليس هناك أي تغيير." وقد استطاع مراسل "المصريون" الحصول على أسماء بعض من تعرضوا للضرب أو الاعتقال ، فمن حركة كفاية وائل خليل "مهندس كومبيوتر" ومحسن بشير وأحمد راغب "محاميان " ، ومن "شباب من أجل التغيير " سيد علواني وإسلام محسن ومحمد محمود وكريم الشاعر إلا أن الأخير أطلق سراحه بعد تعرضه لعدة إصابات ، ومن الحملة الشعبية من أجل التغيير صلاح عدلي ، ومن الصحفيين شعبان عبد الرحيم الضبع والذي تلقى ضربة قوية على رأسه وأصيب بنزيف في فمه فتم نقله إلى المستشفى. جدير بالذكر أن مصادر جماعة " الإخوان المسلمين " المحظورة وحركة كفاية كانت قد أكدت أن تحذيرات عنيفة تم إبلاغها لهم خلال الأيام الماضية من أي تحرك في الشارع ، وأنه سوف يواجه بصرامة بالغة ، وفي حين أخذت جماعة الإخوان التحذيرات الأمنية على محمل الجد ، إلا أن حركة كفاية وأحزاب العمل والغد والحركات المتضامنة من أجل التغيير تجاهلت التحذيرات أو لم تحملها على محمل الجد ، وإن كان التطور الأخير في التعامل العنيف مع المظاهرات الغاضبة ينذر بتطورات شديدة الخطورة في الأسابيع المقبلة خاصة وأن البلد مقبلة على استحقاقات رئاسية مقلقة ، رغم حسمها بدرجة كبيرة لصالح الرئيس مبارك إلا أن طبيعة النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها يخشى أن تمثل " إهانة " أو خصما من رصيده في الحياة السياسية .