تحتفل مصر بأعياد الطفولة على طريقتها؛ وقد دهسَ قطار الحكومة براءة وأحلام وكراريس وأدوات تلوين خمسين طفلًا وطفلة وزحف بهم كيلو مترًا في رحلة النهاية قبل أن يصل بهم إلى محطة الموت. وفى شارع محمد محمود يُحيون ذكرى دهس براءة وأحلام أطفال آخرين باستغلالهم فى أعمال تخريبية في معظم الأحداث التي وقعت بعد الثورة. لا يوجد حصر حقيقي وعلمي لأطفال الشوارع في مصر وهم ضحايا ومجني عليهم ومنتهكو الحقوق من قبل أسرهم والدولة بمؤسساتها المختلفة ومن قبل المجتمع؛ فالأسرة بتفككها طردت الطفل ليحتويه الشارع بقوانينه التي لا ترحم التي تنحصر في المال والجنس والإدمان، والحكومة أهملت في علاج المشكلة من جذورها، فهي تعتبر الأطفال مصدر شر يهددها، فجاءت المعالجة الأمنية والإعلامية لتفاقم المشكلة وتعقد الأزمة. والمجتمع ما بين من ينظر إلى هؤلاء نظرة احتقار ودونية، ومن يتقرب إليهم باهتمام وعطف لكن من أجل استغلالهم وصبهم كوقود في معاركه السياسية. لدينا جيش من أطفال الشوارع، واللجوء للشارع فعل احتجاجي ضد ظلم الواقع والدولة والناس والأسرة وانهيار المنظومة التعليمية، وهو يصل فى كثير من الأحيان إلى مظهر انتقامي؛ فالتوربيني "رمضان عبد الرحيم منصور" لم يكن سوى أحد أطفال الشوارع، وقد ارتكب مع زميل له جريمة قتل نحو عشرين طفلًا بعد اغتصابهم، ومن أحرقوا المجمع العلمي ورقصوا ورفعوا علامات النصر هم من أطفال الشوارع، وكانوا وقود أحداث يناير 1977م فقاموا بعمليات التخريب والتدمير وارتكبوا جرائم وحشية، وهم يعتبرون ذلك انتصارًا ويشعرون معه بالبطولة مادام موجهًا ضد الدولة التى أهملتهم والمجتمع الذى ظلمهم واحتقرهم. فالطفل الذى عاش عمره بلا مأوى ولا أحد يرعاه وينفق عليه وفقد دفء الأسرة والشعور بالأمان والتفكير في المستقبل، كيف به أن يشعر بالانتماء لوطنه ومجتمعه؟ ما تقوم به الدولة مجرد حلول ترقيعية لأن العلاج الجذري للمشكلة يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، ولذلك ناشد الدكتور محمد مرسي في أحد حلقات برنامج "الشعب يسأل والرئيس يجيب" في رمضان الماضي رجال الأعمال أن يساهموا في حل المشكلة. وللقضاء على هذه الظاهرة وتجفيف منابعها لابد من دعم الأسر الفقيرة ماديًا، ومن انشاءات جديدة لمؤسسات رعاية ومدارس خاصة ومراكز تأهيل على أعلى مستوى تعيد دمج هؤلاء الأطفال وإزالة الآثار النفسية الخطيرة التى لحقت بهم. كذلك هناك حاجة لتطوير العشوائيات، ورفع مستوى المتعاملين مع الأطفال والمشرفين والأخصائيين، لكي يتسنى لهم متابعة الطفل وأسرته. وهنا تأتي مسئولية رجال الأعمال والأثرياء؛ فالمشكلة قنبلة موقوتة تهدد المجتمع بأسره وتهدد استقراره وأمنه وتهدد مستقبل الاستثمارات والوضع الاقتصادي، لذلك سارع رجال الأعمال في الخارج بالتبرع بأنصاف ثرواتهم لمثل هذه المشاريع ونجحت الفكرة في احتواء كثير من المشكلات المجتمعية الخطيرة. ولا مفر من استنساخ هذه التجربة في مصر فهذا حق المجتمع على رجال الأعمال والأثرياء كما قال وارن بافيت أحد أهم رجال أعمال أمريكا والذى تبرع بسبعة بلايين دولار، عندما سُئل عن دوافعه: "أنا أؤمن بأن الثروات التي تتدفق من المجتمع يجب أن تعود إليه ليستفيد منها لأنه صاحب الفضل فيها". لا شك أن المعالجة الإعلامية الخاطئة عمقت من ظاهرة العنف ومن كراهية المجتمع للأطفال فقد أظهرتهم كمجرمين ومخربين وليس كضحايا. لابد من علاج شامل يبدأ من تغيير هذا الاسم "أطفال الشوارع"، لأنه يجب نسبتهم إلينا، نحن الذين أهملناهم وتخلينا عنهم لنشعر بمسئوليتنا تجاههم، وقد أعجبني أنهم في بيرو يحملون اسم "طائر الفاكهة"، وفي زائير "العصافير"، وفي الكاميرون "الكتاكيت".