منذ أيام أهل علينا شهر الله المحرم، وهو شهر عظيم ولكن كثيرًا منا لا يعرفون عظمة ومكانة وحرمة هذا الشهر الكريم، في هذا التحقيق نتعرف على شهر الله المحرم. هو أول شهر من الأشهر الهجرية كما تمَّ الاتفاق على ذلك في عهدِ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب سنة 16 ه, وهو أحد أشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله في كتابه {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}. وقد بيَّنتِ السنَّة أسماءَ هذه الأربعةِ؛ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) رواه الشيخان, والعربُ تعرِّفه فتقول (المحرم) قال النّحاس: وأُدْخِلَت الألف واللاّم في المُحَرَّم دون غَيْرِه من الشُّهُور، وسمي محرماً لتحريمِ الجنة فيه على إبليسَ، وقيل -وهو الأقرب: سمي محرمًا تأكيداً لتحريمِ القتالِ فيهِ، لأن العرب كانت تتقلب فيه، فتحله عاماً وتحرمه عاماً؛ كما قال تعالى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، لذا كانتِ العرب تسميه ب"الأصم" لشدةِ تحريمه. ومن فضائل شهر الله المحرم كما اتفق عليها العلماء ما يلي: أولاً: إضافةُ هذا الشهر إلى الله تعالى حيث قال النبيِّ -صلى الله عليه وسلم: (شهرُ اللهِ المحرَّم) وهذه الإضافةُ إضافة تشريفٍ وتخصيص، ووجهُ التخصيصِ من كونِ أن تحريمه إلى الله -عز وجل- ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صَفَراً، فأشار إلى أن مبدأ التحريم ومنتهاه إلى الله جلَّ جلاله. ثانيًا: فضيلةُ الصيامِ فيه, فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أفضلُ الصيام بعد شهرِ رمضان شهرُ الله [الذي تدعونه] المحرم) رواه مسلم والنسائي, وقد استحبُّ الحنابلةُ صيامه فقطْ من الأشهر الحرم. ثالثًا: وجودُ يومِ عاشوراء فيه، فهذا يومٌ عظيمٌ نجى الله فيه موسى وأغرقَ آل فرعون, فصامه اليهودُ شكرًا لله فقال النبي:(نحن أولى بموسى منهم) فصامه وأمر بصيامه، قال بن المنير: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية. رابعًا: أقسمُ الله تعالى بأيامهِ, قال تعالى {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} كما قال بعض أهل التفسير. خامسًا: أنه أفضلُ أشهرِ الحرم، لما خصَّ من إضافتهِ إلى الله، ولما وردَ من فضيلةِ الصيام فيه، وتخصيصهِ بالذكرِ عن بقيةِ الشهور الأربعة، فهو أفضل الأشهر الأربعة، وأفضلُ الأيام فيه العشر الأول, وأفضل العشر: اليوم العاشر "يوم عاشوراء"، عن الحسن البصري قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم. سادسًا: تحريمُ القتالِ والظلمِ فيهنَّ، فقد نهى الله سبحانه عن ابتداءِ القتالِ في هذه الأشهرِ تعظيمًا لهنَّ وتشريفًا، قال قتادة في قوله: "فلا تظلموا فيهن أنفسكم" إن الظُّلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها. قال القرطبي: خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وإن كان منهياً عنه في كل الزمان،..وعلى هذا أكثر أهل التأويل أي: (لا تظلموا في أشهر الحرم أنفسكم). سابعًا: ابتداءُ التأريخ الهجري به، فقد تشاورَ صحابة رسول الله مِن أيِّ شهر يكونُ ابتداء السنةِ، فاختار عمر وعثمان وعليٌ رضي الله عنهم أن يكون ابتداءُ السنةِ من المحرمِ، لأنه شهرٌ حرامٌ يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام أركان دينهم، ولأن ابتداء العزم على الهجرةِ كان فيه، إذ البيعةُ كانت في ذي الحجةِ، وهي مقدمة للهجرةِ، وأول هلالِ هل بعدها المحرم، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من شهر المحرم.