تمر الحركات الإسلامية بلحظة فاصلة في تاريخها، وتتعدد الأسباب التي تجعل من تلك اللحظة مفترقا للطرق، تفصل بين ما كان قبلها وما يأتي بعدها. فالحصار الشديد الذي تواجهه الحركات الإسلامية، يتزايد يوما بعد يوم، ولا يمكن أن يقارن بفترة الثمانينات من القرن العشرين، عندما توسعت الصحوة الإسلامية، واتخذت العديد من الأشكال والصور. ولكن منذ فترة التسعينات من القرن العشرين، بدأ حصار الحركات الإسلامية، يمر بالعديد من المراحل المتتالية. فقد بدأ حصار الحركات المسلحة في البلاد العربية والإسلامية، من خلال إجراءات أمنية مشددة، بعضها كان استخداما للقوة خارج إطار القانون. ومنذ التسعينات أيضا، بدأ حصار الحركات الإسلامية السياسية المعتدلة، بعد تجربة فوز جبهة الإنقاذ في الجزائر، حيث بات الخوف من الحركات الإسلامية السياسية، يعادل الخوف من الحركات المسلحة، وربما يزيد عنه. وقد اتضح أن المعركة الأساسية تدور حول الحكم، ورغبة النخب الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية في الحفاظ على السلطة. ولكن في المقابل لم تكن الدول الغربية على موقف مختلف، بل كانت تعمل على حصار الحركات الإسلامية، وإن كان بعضها يؤجل الدخول في صراع مباشر مع هذه الحركات. ولم يكن السماح لبعض قيادات الحركات الإسلامية بالعمل في البلاد الغربية أو الحصول على اللجوء السياسي، إلا تأجيلا للدخول في صراع مع هذه الحركات، وأحيانا بسبب الرغبة في رقابة تلك الحركات ومعرفتها أو اختراقها. ومرت الحركة الإسلامية بمراحل مهمة، خاصة مع انتهاء الحرب في أفغانستان، حيث أتضح رغبة الدول الكبرى وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية في التخلص من المجاهدين العرب على وجه الخصوص، وأيضا إدخال المجاهدين الأفغان في حرب أهلية. كان موقف الإدارة الأمريكية واضحا، في رغبتها التخلص من حركات المجاهدين، ولكن تلك الحركات كان لها رصيد من الخبرة يسمح لها بالمواجهة والاستمرار في التنظيمات المسلحة بصور مختلفة. وبالطبع كانت الدول العربية والإسلامية، والتي ساندت الجهاد في أفغانستان تريد التخلص من تلك القوة المدربة، ولا تريد عودتها، وكانت تستقبلها في السجون عند العودة، رغم خروج الشباب للجهاد برعاية الدول العربية والإسلامية. وكانت الوقفة الثانية في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث أول مواجهة كبرى بين الحركات المسلحة والولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن تاريخ المواجهة لم يبدأ من الحادي عشر من سبتمبر، ولا الفكر الأمريكي الإمبراطوري بدأ في هذا التاريخ، ولا الموقف الأمريكي المعادي للحركات الإسلامية بدأ في هذا التاريخ أيضا. وتلك حقيقة مهمة، لأن حادث الحادي عشر من سبتمبر ليس فعلا مستقلا عن أي وقائع تسبقه، بل هو في الواقع رد فعل على الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وموقفها السلبي من حركات المجاهدين. وبهذا جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضمن منظومة للعمل المسلح، ترى أهمية مواجهة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالسلاح، بهدف وقف دعمها للأنظمة العربية، ووقف دعمها لإسرائيل، والأهم وقف زحفها على المنطقة العربية والإسلامية، في محاولة لفرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة. على الجانب الآخر، كانت الحركات الإسلامية المعتدلة تخوض حربا وتقاوم حصارا شديدا، رغم بعدها عن العمل المسلح، وشهدت سنوات التسعينات من القرن العشرين، العديد من الحملات الموجهة ضد الحركات الإسلامية، وأحيانا النشاط الإسلامي عامة، بل أن الحكومات بدأت التدخل في مختلف أوجه النشاط الاجتماعي والنقابي والاقتصادي، للحد من شعبية الحركات الإسلامية. وكانت تلك الحرب لا تقل خطورة عن الحرب مع الجماعات المسلحة، بل كانت في الواقع هي الحرب الكاشفة عن الهدف الأساسي من الحرب على الحركات الإسلامية عموما. فقد بدأ البديل الإسلامي في الظهور بوصفه بديلا سياسيا عن الأنظمة القائمة، وبوصفه أيضا بديلا أمام سياسة الهيمنة الغربية، والتي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأيضا بديلا عن المشروع الصهيوني والذي يهدف للسيطرة على المنطقة من خلال دولة إسرائيل، كشرطي يعمل لصالح الدول الغربية الداعمة له. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، كانت التوجهات الأساسية للحركة الإسلامية تتشكل في اتجاهين، اتجاه يواجه العدو البعيد، أي العدو الخارجي ويستخدم السلاح ضده، ويواجه العدو المباشر والعدو غير المباشر، وهو لهذا يلجأ لاستخدام السلاح في ساحة المعركة وفي غير ساحات المعركة. وهنا ظهرت عمليات التفجير، التي قد لا تعرف هدفا محددا لها، إلا إحداث قدر من عدم الاستقرار للطرف الخارجي، وضرب النظام الدولي، أو ضرب هيمنة الدول العظمى وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت حادثة الحادي عشر من سبتمبر هي النموذج. والاتجاه السلمي المعتدل، في الحركة الإسلامية، يتجه للعمل السياسي، بل نقول النضال السياسي، في مواجهة أنظمة الحكم المستبدة والموالية للغرب، ويصر على ضرورة التغيير السلمي المتدرج. وهذا الاتجاه يؤمن باستخدام القوة المسلحة في مواجهة الاحتلال الأجنبي فقط. وتلك هي نقطة الالتقاء بين الاتجاهين، أي تأييد سلاح المقاومة. وبهذا تتشكل ثنائية في الحركة الإسلامية. وبهذا نتصور أن الحركة الإسلامية تتجه لرسم خريطة جديدة، يكون فيها العمل داخل البلدان العربية والإسلامية بالعمل السياسي فقط، وليس بالانقلاب المسلح. ومواجهة الاحتلال الأجنبي بالمقاومة المسلحة، ثم مواجهة العدو البعيد، أي مشروع الهيمنة الأمريكية، بحرب مسلحة. ويفترق طريق حركات التغيير السياسي عن الحركات المسلحة. ولكن لغة السياسة ستقرب بينهم، وحصر السلاح في مواجهة المحتل سيقرب بينهم. وعندما يتحقق التغيير بالسياسة، ويقف العنف غير المشروع، سيعاد رسم خريطة الحركات الإسلامية. [email protected]