صار مصطلح "غزوة الصناديق" الشهير علمًا على الداعية الشيخ محمد حسين يعقوب، ولا أريد أن أعود بالذهن إلى ظروف وضع هذا المصطلح ولا التبرير له أو الاعتذار منه، فلست واضعه أو معتقدًا إياه، وفي رأيي أضاف الشيخ إلى سِجِّلِّه غزوةً جديدة، ففي حديثه في برنامج فضفضة على قناة الناس، وبعد لقاء الرئيس مرسي بعض الدعاة والمشايخ -وليس فيهم الشيخ يعقوب- خرج الشيخ على مشاهديه بخطاب يمثل بعض إشكاليات الخطاب السلفي في مصر، وكان حديث الشيخ عن المادة الثانية من الدستور التي يَعُدُّها الشيخ "أخطر قضية تواجهنا اليوم"، وأشير إلى عدة نقاط: 1. لم يُكلِّف الشيخ نفسَه عناءَ قراءة متأنية لتفسير المحكمة الدستورية لعبارة مبادئ الشريعة فى الدعوى التى حملت رقم 8 لسنة 17 قضائية "دستورية". 2. ولأن مصر دولة عظيمة، وهي أم العجايب أيضًا، فإن ثورتها ثورة فريدة تمر الآن مرحلة الفرز، وهنا نفرق بين الأمنية والاستحقاق. 3. رضي الشيخ يعقوب وارتضى السبيل الذي انتهجته الدعوة السلفية بعد الثورة "الصناديق" سبيلًا إلى تطبيق شرع الله. 4. قد يظن الشيخ أن من معه من الإخوة الذين يشاهدونه أو يحضرون له خطبة الجمعة أو الذين يسلم عليهم في الشارع أو الذين يَحُجُّون معه يمثلون عددًا كبيرًا في صندوق الاقتراع، ونسي الشيخ أن الدكتور مرسي بعد طلوع الروح والحشد والأيام العصيبة حصل فقط على نسبة تكاد تبلغ نسبة أوباما 52%، يعني بدون كشكشة أو تعريض نصف عدد الناخبين. 5. لم يكن الشيخ يتصور قط بعد وصول "حاكم مسلم" إلى منصب الرئاسة أن يصل الحال إلى الجدال حول: مبادئ، أحكام، مصدر رئيسي، وغيرها من الجدلية الدائرة الآن. 6. يشير الشيخ بعد حالة الذهول التي أصابته ومن معه، إلى حواره إلى طرف آخر لم يحدده: (اصبروا- حاضر هنصبر- اصبروا- من حقك- لسه شوية- طيب ماشي خد راحتك- خد وقتك- لكن النهارده أحارب عشان أحط كلمة شريعة في الدستور)، وأُذَكِّر الشيخ أن مواد تطبيق الشريعة الإسلامية كانت مقننة وحبيسة أدراج مجلس الشعب في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات إبّان رئاسة الدكتور صوفي أبو طالب مجلس الشعب، ومازالت، وكانت موضوعة من قبل مختصين في الفقه والقانون بلا صخب أو ضجر، أي على نار هادئة، ولا شبهة فيها لضغوط أو حصص حزبية أو تخوين أو نحو ذلك من طوارئ الثورة المصرية، وهنا أهدر أعضاء مجلس الشعب (الإسلامي) المنحل فرصة إقرار هذه القوانين حبيسة الأدراج، وانشغلوا بأبيات من الشعر وخطب عصماء أو غير عصماء ومناوشات مع حكومة الدكتور الجنزوري، واستعذبوا استجواب الوزراء! 7. يريد الشيخ يعقوب عبارة واحدة هي: "الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وأي قانون يخالف الشريعة فهو باطل"، وأنه لن يتنازل عن هذه الجملة، وطبعًا "نحن لا نشحت ولا نتسول ولا نستجدي ولا واقفين على الباب"، طيب ماذا يفعل الشيخ إذا لم يتم تلبية طلبه؟! 8. الشيخ يعقوب يسأل الإخوة عن التحرير يوم جمعة تطبيق الشريعة، فلماذا لم ينزل هو بنفسه إلى التحرير، لماذا الشيخ يشاهد ويتفرج من بعيد، ثم يعلق على الأحداث؟! 9. لماذا يُصدِّر دعاة السلفية خلافاتهم إلى "عوام الناس" مما يوقع "العوام"في الشك والريبة بمؤسسة الرئاسة؟! 10. إذا كانت أزمات أو ثورات الربيع العرب كما يسميها البعض، يعجز عن تفسيرها المختصون والدعاة والساسة والاجتماعيون، فكيف بالرئيس مرسي وحده ومعه شعب فيه شركاء متشاكسون أن يحل تلك الإشكالية؟! 11. لم يطرح لنا الشيخ يعقوب حلًا للأزمة، بل يتحدث ويصف ويطلب ويريد فقط، وهذا شأن الخطاب السلفي في كثير من رموزه، يريد وفقط، لكن كيف السبيل أو الحل، وهو دائمًا ردّ فعل وليس فعلاً! 12. لم يصل الخطاب الدعوي السلفي الديني أو السياسي مرحلة النضج بعد نحو عامين من الثورة، فغاب الهدف وطرق بلوغه، لذا فعلى رموز هذا الخطاب إعادة النظر فيما يسمى ثورات الربيع العربي في محاولة لإعادة فهمها وتصورها وتقييمها، ثم الانطلاق. وإليك كلمات نزار: يابلدي الطيبَ.. يابلدي ذبَحتْك سكاكينُ الكلمات [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]