لم تكن غزوة الصناديق التي صرح بها الداعية السلفي محمد حسين يعقوب، عقب إعلان نتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية هي الغزوة الوحيدة التي تضمنتها الأجندة السلفية التي تخشي العديد من القوي السياسية، بل والتيارات الإسلامية الأخري منها. فهناك ثلاث غزوات أخري هي »الحاكمية والولاء والبراء وإعادة المسلمات من كنائس البابا شنودة« علي حسب وصف السلفيين. مخاوف البعض من الغزوات الأربع للسلفيين تجددت ليس فقط بسبب تصريحات الداعية السلفي محمد حسين يعقوب بأن المسلمين والسلفيين انتصروا في غزوة الصناديق يوم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، بل لقيام السلفيين بالغزوة الثانية لهم عقب أسبوع واحد من غزوتهم الأولي »الصناديق«، ألا وهي غزوة استرداد المسلمات المحتجزات في كنائس البابا شنودة حسب تعبيرهم، حيث اعتصم المئات من السلفيين أمس الأول الثلاثاء أمام مجلس الدولة أثناء نظر قضية وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة التي رفعها عدد من مشايخ السلفية أمام القضاء الإداري لإبطال احتجاز قسطنطين وشحاتة في الكنائس، وكوّن السلفيون ائتلافاً أطلقوا عليه اسم »ائتلاف دعم المسلمين الجدد« الذي يضم عدداً من قيادات ورموز السلفية، بالإضافة إلي بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، وقاموا بتشكيل لجنة في هيئتها التأسيسية العليا ضمت 11 شخصاً ممثلين لتيارات إسلامية مختلفة أغلبهم من قيادات السلفية أمثال الشيخ أبويحيي مفتاح فضل، الشاهد الرئيسي في قضية كاميليا شحاتة، والدكتور حسام أبوالنجاري، المنسق العام للائتلاف وصاحب موقع »كاميليا شحاتة دوت كوم«، والشيخ عبدالمنعم البري، رئيس جمعية علماء الأزهر، ونزار غراب، محامي عبود وطارق الزمر، وعبدالمنعم الشحات، من شيوخ السلفية، بالإسكندرية، والشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية بالسويس والدكتور أحمد عارف، ممثلاً عن الإخوان، وخالد عريبي، صاحب موقع »المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير«. وأعلن ممثلو الائتلاف أن أهدافهم تتمثل في »فك أسر« المسلمين الجدد المعتقلين حسب وصفهم لدي الكنيسة وعلي رأسهم وفاء قسطنطين وماري عبدالله زكي زوجة كاهن الزاوية الحمراء التي أسلمت حسب قولهم علي يد شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، وكاميليا شحاتة، ودكتورة ماريان مكرم، ودكتورة تريزا إبراهيم، وعبير إبراهيم، وإيليا نبيل عياد. وطالب الائتلاف بمحاسبة كل من تورط في خطف واعتقال وتعذيب أي مسلم حديث الإسلام، وتوفير الحماية القانونية والحقوقية لكل من يريد اعتناق الإسلام، ما اعتبره البعض الغزوة الثانية للسلفيين، وتخوفوا من حدوث فتنة طائفية توشك علي الاندلاع ما لم يتم احتواء الأزمة. أما ثالث غزوات السلفيين التي يتخوف منها البعض فهي غزوة الحاكمية، وهي الحكم بتطبيق الشريعة الإسلامية واعتبار الحاكم الذي يخالف شرائع الله كافراً وهو الفكر الذي توارثته السلفية من الإمام ابن تيمية والمفكر الإسلامي سيد قطب وهو ما لا ينفيه شيوخ وقادة السلفية ورموزها منذ تأسيس جمعية »أنصار السنة المحمدية« عام 1929 وهي أول جمعية للسلفيين في مصر ويرأسها حالياً الدكتور عبدالله شاكر، بخلاف وجود الجمعية الشرعية التي يرأسها الدكتور محمد مختار المهدي، وجمعية »التبليغ والدعوة« التي يرأسها الشيخ طه عبدالستار، فضلاً عن المدرسة الدعوية السلفية بالإسكندرية التي يرأسها أعضاء المجلس الرئاسي وهم الشيوخ ياسر برهامي ومحمد إسماعيل المقدم ومحمد عبدالفتاح أبوإدريس وجميعها مدارس سلفية علمية دعوية تقليدية تمتهن بالعمل في حقل الدعوة إلا أنهم تخلوا علي عدم مشاركتهم السياسية التي لازمت تلك المدارس طيلة عقود كثيرة وأباحوا المشاركة في العمل السياسي والتظاهرات منذ ثورة 25 يناير الماضي، الأمر الذي جعل البعض يتخوف من مطالبة هذه المدارس السلفية بتطبيق مبدأ الحاكمية وتكفير الحاكم في حالة عدم تطبيقه الشريعة من وجهة نظرهم، وهو المبدأ الذي كان محل خلاف بين المدارس السلفية طيلة السنوات الثلاث الماضية. اختلف السلفيون حول اعتناق مبدأ الحاكمية ضمن مفهوم السلفية من عدمه، وهو ما ظهر واضحاً عند صدور كتاب الحاكمية والسياسة الشرعية عند علماء أنصار السنة لمؤلفه الشيخ عادل السيد، نائب رئيس جماعة أنصار السنة، والذي جمع فيه كل ما صدر من علماء أنصار السنة والآباء المؤسسين لها من أقوال وتصريحات وفتاوي تتعلق بتكفير الحاكم، حيث أكد المؤلف أن الآباء المؤسسين لجماعة أنصار السنة لم يصدر عنهم مطلقاً أي فتاوي بتكفير الحاكم، وذلك رداً علي ما نسبته وقائع سلفية إلي هؤلاء بقولهم بتكفير الحاكم، ووجه المؤلف اتهامات لمدرسة الإسكندرية وجماعة الإخوان باختراقهم للمنهج العقائدي لأنصار السنة، ما دعا الشيخ عبدالله شاكر الرئيس العام للجماعة وجمال سعد المشرف علي مجلة »التوحيد« لسان حال الجماعة للقول: إن الكتاب لا يمثل أنصار السنة، كما أن جمال المراكبي، الرئيس السابق لجماعة أنصار السنة، أكد وقتها أن الكتاب صدر دون موافقة رئيس الجماعة أو مجلس إدارتها. وزادت الخلافات بين قادة ورموز المدارس السلفية علي إثر صدور هذا الكتاب لدرجة أن الشيخ ياسر برهامي أحد أعضاء المجلس الرئآسي للمدرسة الدعوية السلفية بالإسكندرية، أكد أن الشيخ حامد الفقي والشيخ أحمد شاكر والشيخ عبدالرازق عنيبي، وهم من رموز السلفية في بدايات القرن الماضي، ومؤسسي المدرسة السلفية، أقروا جميعاً بتكفير الحاكم إذا لم يحكم بما أنزل الله، وأشار برهامي إلي أن من يعتبرهم من الخوارج لإصدارهم حكماً تكفيرياً علي الحاكم الذي لا يطبق شرائع الله فإن شيوخ أنصار السنة يكفرونه أيضاً، وتساءل هل يعتبرون أيضاً مؤسسي السلفية من الخوارج، وهو الأمر الذي جعل المتابع للنشاط السلفي في مصر يتأكدون من أن مفهوم الحاكمية قد تكون الغزوة الثالثة للسلفية. أما الغزوة الرابعة للسلفيين فهي غزوة الولاء والبراء وهو مفهوم حسب التعريف السلفي يعني الولاء للمسلمين والتبرؤ من المشركين والنصاري واليهود، وهو المفهوم الذي أكد عليه الشيخ برهامي، في مؤتمر بالأزهر الشريف، عقب أسبوعين من قيام ثورة يناير، حيث أشار إلي أن مفهوم الولاء والبراء أحد مبادئ السلفية، وقال: من يتولي أمر المسلمين فمن واجبه أن يتولي الدعوة للتوحيد والتصدي للشرك والغلو في التعلق بالصالحين والمقبورين وعدم موالاة الكفار والبراءة منهم، مؤكداً أن التمسك بعقيدة الولاء والبراء لا يعني أن السلفيين سيقاتلون كل من خالف عقيدتهم، لافتاً إلي أن السلفية لن تقاتل إلا من أمرنا الله بقتاله وليس من عاش معنا بسلام من أهل الكتاب. تصريحات »برهامي« دفعت البعض للتأكيد علي أن الغزوة الرابعة للسلفيين ستطالب بتطبيق عقيدة الولاء والبراء. سألنا السلفيين عن الغزوات الأربع التي تهدد الوحدة الوطنية وأمن مصر.. الشيخ مفتاح محمد فاضل، الشهير بالشيخ أبويحيي أحد أعضاء لجنة ائتلاف دعم المسلمين، قال: إن السلفيين غير مسئولين عن تصريحات يعقوب حول غزوة الصناديق، مشيراً إلي أن مفهوم الولاء والبراء هو مفهوم يعني التوحيد لله عند السلفيين، إلا أن الحاكمية لا تعني محاربة الحاكم، مؤكداً أن قطاعاً عريضاً من السلفية سيعتبرون رئيس مصر القادم هو أمير المؤمنين ولذلك فإن مخاوف البعض من غزوة الحاكمية لا أساس لها، لافتاً إلي أن غزوة استرداد المسلمات من كنائس البابا شنودة هي حق للسلفيين والمسلمين، مشيراً إلي أن هناك 70 متأسلمة محتجزة في معتقلات البابا شنودة، سيتم استردادهن بالطرق القانونية. وأكد أبويحيي أن السلفيين سينظمون اعتصاماً مفتوحاً أمام المجلس العسكري منتصف أبريل المقبل، للمطالبة بالإفراج عن »الأسيرات«، مؤكداً أن مخاوف البعض من غزوات السلفية تزداد هذه الأيام نظراً لمخاوف بعض الأقباط من نجاح السلفية في استعادة الأسيرات المسلمات في سجون البابا شنودة. أما ممدوح إسماعيل، محامي الجماعات الإسلامية أحد قادة السلفية، فأشار إلي أن مفهوم الحاكمية عند السلفيين لا أساس له من الصحة، مدللاً علي ذلك أن معظم السلفيين بصدد إطلاق مشروعات سياسية وحزبية خلال الفترة المقبلة، مثل حزب النهضة الإسلامي الذي يترأسه لافتاً إلي أن إقدام السلفيين علي الاندماج في الحياة السياسية معناه أنهم سيرفضون الخروج عن الحاكم. وأشار إسماعيل إلي أن مخاوف البعض من مطالبة السلفيين بتطبيق عقيدة الولاء والبراء غير مبني علي دليل، مشيراً إلي أن السلفية شاركوا في ثورة يناير بجوار المتبرجات من النساء والأقباط والعلمانيين والليبراليين دون تفرقة لذا فإن أي ادعاء بأن السلفيين قادمون بغزوات أربع بعد غزوة الصناديق مبالغ فيه. وأكد إسماعيل أن مطالبة السلفيين باستعادة المسلمات في سجون البابا شنودة هو حق لهم، مشيراً إلي أن السلفيين سلكوا الطرق القانونية ولم يقوموا بغزوة أو إثارة للفوضي لتحقيق مطالبهم. أما حسام تمام، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، فأكد أن مخاوف البعض من الأفكار السلفية مشروعة، لأنه فكر ينكر الدولة الحديثة ودولة المواطنة، وقال تمام: إن مفهوم الحاكمية الذي يعطي الحق في تكفير الحاكم ومفهوم الولاء والبراء الذي يتبرأ من المشركين والنصاري واليهود هما مفهومان يقترنان ببعضهما البعض ويتبناه عدد كبير من السلفيين، مشيراً إلي أن الحل يتمثل في تنفيذ مطالب السلفية التي يثيرونها طالما لها جذور في الواقع، وطالما أنها مطالب عادلة مثل الكشف عن مصير كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين ومعرفة إذا ما كانتا قد أسلمتا أم لا، حتي يتم إطفاء الفتنة القادمة. أما الدكتور عمار علي حسن، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فأكد أن التيار السلفي يحمل أفكاراً ظلت ضمن ميراثه القديم دون تطوير لهذه الأفكار بعد الثورة، موضحاً أن هذا التيار ظل مبعداً عن الحياة السياسية فترة طويلة واقتصر دوره علي الدعوة، وكان النظام السابق يشجع السلفيين ويجند بعض رموزه لقطع الطريق علي المشروع السياسي للإخوان المسلمين، ولفت إلي أن التيار السلفي وجد نفسه عقب ثورة يناير في خضم الحياة السياسية، وقرر المشاركة في العمل السياسي، رغم أنه حديث العهد بالعمل السياسي، ولذلك يطرح التيار السلفي ما طرحته من قبل جماعة الإخوان المسلمين في بداية تأسيسها والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في بداية السبعينيات، عن طرح مفهوم الولاء والبراء وتغيير المنكر باليد وتطبيق حدود الشريعة الإسلامية والحاكمية، فهذه الأفكار تم طرحها وتجريبها من تيارات إسلامية سابقة ولم تفلح ثم قامت بعمل مراجعات لتلك الأفكار، ولذلك فإن التيار السلفي يطرح ما تم تجريبه وطرحه وفشله من قبل. وطالب حسن أن يتم مراجعة الفكر السلفي بفكر ديني وليس بفكر سياسي، مشيراً إلي أن مخاطبة ومواجهة السلفية بخطاب سياسي أو حقوقي، يكون له تأثير عليهم ولذلك فإن طرح رؤية دينية مغايرة مستمدة من القرآن وصحيح السنة والتأويلات والتفسيرات في أمهات الكتب سيكون له تأثير قوي علي تغيير أفكار السلفية.