سألتني الصحفية الشابة عن أسباب غياب إصلاح المؤسسات الدينية في برامج المرشحين لرئاسة الجمهورية بمن فيهم مرشح الحزب الوطني الرئيس مبارك ، لم يهتم أحد بأمر استقلالية المؤسسة الدينية لكي تكون بعيدة عن الهيمنة السياسية لأي اتجاه كان أو أية سلطة إلا سلطة الضمير والدليل العلمي ، كان واضحا أن برامج المرشحين للرئاسة قد خلت خلوا تاما من أي حديث في هذه الناحية ، وبطبيعة الحال فإن برنامج الحزب الوطني يهمه كثيرا أن يبقى حال المؤسسة الدينية على ما هو عليه ، لأنه لن يجد وضعا أفضل من ذلك ، فالمؤسسة الدينية تعمل كهيئة إدارية طوع إرادته ورهن إشارته ، وكان شيخ الأزهر الحالي قد عبر عن ذلك بصراحته المعهودة في حوار شهير مع مكرم محمد أحمد أيام المصور ، قال فيه بوضوح مدهش : أنه موظف عند الحكومة ، تقول له اذهب يذهب وتقول له يجيئ يأتي ، كما أن منصب الشيخ نفسه يكون بالتعيين المباشر من رئيس الجمهورية وراتب الشيخ وجميع ما يتعلق بأوضاعه المالية مرتبط بالحكومة ، فإذا أضفت إلى ذلك ارتباط مسألة حضوره الإعلامي والدولي برضا الدولة عنه لأنها تملك الأمرين جميعا ، علمت لماذا هو متحمس جدا لمبايعة مبارك ومتحمس جدا للدعوة إلى انتخابه ، لأنه ولي النعمة بدون مكابرة أو مزايدة ، ومن المحال أن تخرج فتوى في ظل هذه الأوضاع تكون مضادة لقرارات رئيس الجمهورية ، أو مثيرة لغضبه ، بل لا بد أن تكون في وجهة رضاه وقبوله ، وهذا ما يفسد إلى حد كبير قيمة الفتوى ويضعف مصداقية فتاوى المؤسسة الدينية الرسمية أمام الرأي العام ، ولم تأت من فراغ عبارة " فقيه السلطة " أو " علماء السلطة " ، ولذلك فإن أحد أهم أبواب الإصلاح في مصر الآن هو باب إصلاح المؤسسة الدينية ، لأنها قوة روحية وأدبية هائلة ، لا يمكنك انتزاع حضورها في ضمير الملايين من أبناء المجتمع مهما حاولت ، بل أي محاولة في سبيل " تهميشها " هي ضرب من الخيال ، وإضاعة للوقت والجهد ، وإنما الأوفق والأعدل والأرشد هو ضمان استقلالية المؤسسة وضمان حضور الشفافية في قياداتها وماليتها وكافة مؤسساتها ، بعيدا عن المحسوبية وعن السلطة وعن الارتزاق ، هذا في موقف مرشح الحزب الحاكم ، أما في موقف الأحزاب الأخرى ، وخاصة حزبي الوفد والغد ، فإن الأمر محير جدا بالفعل ، كان تقديري الذي قلته للزميلة الشابة أن قصر المدة والمفاجأة والترتيبات المتعجلة لم تترك فرصة للتأمل وإعداد برامج انتخابية متكاملة ومتوازنة وعلى نار هادئة ، ومن ثم غاب الموقف من المؤسسة الدينية مثلما غاب أول الأمر موضوع استقلال القضاء ومطالب نادي القضاة ، وهو ما دعا قيادات النادي إلى إصدار بيان للرأي العام يعاتب هذه الأحزاب جميعها عندما غفلت أو تغافلت قضية مؤسسة العدالة ، وكان بيانا محرجا في حينها جعل الجميع يضع مسألة إصلاح القضاء على رأس برامجه ، أما المؤسسة الدينية ، فليس لها مع الأسف رجال يطالبون بحقوقها ويهتمون بمستقبلها ، ناهيك عن استقلاليتها ، ربما لأنهم سيكونون أول ضحايا الإصلاح لو حدث ، وبالتالي غابت قضية الإصلاح الديني عن برامج الأحزاب ، كما أن تحسس حزبي الغد والوفد من حساسية الموضوع وكثرة الجدل حوله ، ربما جعلهم يتعمدون النأي عنه لأن الوقت المتبقي لا يسمح بإدارة حوار جاد ورصين وشامل حول المسألة ، وإنما سيبقى لهم منه غباره وإثارته وظنونه ، فنأوا بأنفسهم ، ونفدوا بجلودهم ! [email protected]