السيناريو الرابع من سيناريوهات نقل السلطة في مصر ، والذي يتم تداوله على نطاق واسع بين النخبة المصرية ، أن تملأ المؤسسة العسكرية فراغ السلطة ، بالتوافق مع الرئيس مبارك من خلال تقديم مرشحها لرئاسة الجمهورية خلفا له ، والحقيقة أن المؤسسة العسكرية بعيدا عن المزايدات تمثل درع الوطن ، والمؤسسة الوطنية الأكثر تماسكا واستقلالية وصلابة من بين باقي مؤسساته ، شأن مصر في ذلك شأن معظم دول العالم الثاني أو الثالث ، حين لا تصل فكرة البنية المؤسسية للدولة حد الاكتمال ، وعندما تكون مؤسسات الدولة أقل صلابة واستقلالية وقدرة على المبادرة ، فإن المؤسسة العسكرية تكون هي الضمانة لوحدة الوطن واستقراره وأمنه ، والحامية لمصالحه العليا ، ليس هذا هو الخيار الديمقراطي الذي يرضي طموح النخبة الجديدة في مصر بكل تأكيد ، ولكنه الخيار العملي والناجز والأكثر حضورا في العالم الثاني أو الثالث ، حيث لا يوجد برلمان يملك صلابة حقيقية وشرعية مقنعة للشعب واستقلالية كاملة وقدرة على اتخاذ المبادرة ، ولا توجد أحزاب لها ذات الصفات ، بما في ذلك الحزب الحاكم ، لأنه أقرب إلى إدارة حكومية منه إلى الحزب السياسي بمفهومه الحديث ، ولكن هذا السيناريو الرابع تقابله عقبات مهمة من الصعب تخيل كيفية تجاوزها ، منها الوضع الدستوري الجديد بتعديلاته التي اقترحها الرئيس مبارك وتم اعتمادها ، والذي يشترط للمرشح لرئاسة الجمهورية شروطا واضحة ، لعل أهمها الانتماء الحزبي القيادي لمدة محددة ، وهو ما يحظره القانون على أبناء القوات المسلحة ابتداءا ، وهناك شروط أخرى يسهل تدبيرها ، مثل دعم عدد من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية ، فذلك يسهل تدبيره ، ولذلك أتصور أن الفترة المقبلة قد تشهد تغيرا في الموقف الرسمي الصلب الرافض لإجراء تعديل دستوري وخاصة على المادتين 76 ، 77 ، ومن الممكن أن يتم إعادة النظر فيهما وتغييرهما إن احتاج الأمر ، ومن الممكن عند الضرورة أن يتم التعديل خلال أسبوع واحد على الأكثر ، على النحو الذي حدث من قبل في تشريعات ومقترحات أخرى ، وفي كل الأحوال فإن عملية انتقال السلطة في مصر ستتم في أجواء هادئة وبعيدة عن أي عنف أو قلق أو اضطراب ، للطبيعة المصرية التي تكره العنف ابتداءا ، وواحدية القوة التي تفرض القرار الأخير من ناحية أخرى ، غير أن المؤكد أن أي تحول جديد للسلطة لن يكتب له الاستقرار والنجاح إلا إذا وضع في اعتباره "أجندة" إصلاحية شاملة في مصر ، ثورة تصحيح جديدة ، تعيد الثقة للمواطن تجاه الدولة وحضورها الاقتصادي والإنساني والاجتماعي والديني ، قبل السياسي والأمني ، وتبسط جناح العدالة على ربوع الوطن من جديد ، وتوقف مسارب الفساد المروعة المهدرة لثروات الوطن وقدراته ، وتقلم أظفار مراكز القوى المالية والسياسية الجديدة التي حولت أجهزة الدولة إلى أدوات لتنفيذ هيمنتها غير المشروعة على الوطن ومقدراته ، وتطرح حزمة من القرارات والتشريعات والإجراءات التي توسع "الهامش" الديمقراطي بما يستوعب الطاقات الجديدة والتحولات التي طرأت على الأجيال المصرية الجديدة ، وتعيد رسم سياسات مصر الخارجية بتوازن واعتدال ، ولكن بصلابة وكرامة ، لتعيد الهيبة إلى مكانة مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي ، وبدون شك فإن هذا "المصري" المنتظر ، والقابع في رحم الغيب الآن ، أيا كان اسمه أو صفته ، يرى ويسمع ويقرأ ويعرف ويدرك ما يمور في مصر الآن وأسبابه وخلفياته ، كما تتبلور بدون معاناة في داخله رؤى إصلاحية ، من خلال ما طرح ويطرح في السنوات الأخيرة ، ولن يحتاج إلى وقت طويل لكي يستوعب أشواق البلد وطموح أبنائها ، وعلى النخبة الوطنية المصرية الجادة أن تبلور مشروعها الإصلاحي أكثر وأن ترسخ إجماعا وطنيا وشعبيا على "حزمة إصلاحات" تمثل القواسم المشتركة والقاعدة الإجماعية بين جميع تياراتها ، وتستخدم كافة إمكانيات الضغط السياسي والإعلامي والشعبي المشروع من أجل فرض هذه الحزمة على أي قيادة مصرية جديدة ، ويبقى المستقبل مفتوحا على غيب الله المجهول ، فلسنا للغيب بحافظين ، ولكنها تأملات قد تصيب وقد تخطئ ، ونسأل الله لمصر السلامة والأمن والأمان والنهوض . [email protected]