هو المقبل من بين صفوف الحزب الوطني «الذي قضي فيه عامين فقط» بل ومن بين نخبته المحيطة بدائرة صنع القرار بداخله..ونعني مجموعة أمانة السياسات التي تحيط بالابن جمال مبارك..قبل انضمامه طوعا لصفوف المعارضة..ورغم ذلك يفاجئنا أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية بالتأكيد علي أن تلك المجموعة -التي يراها كثيرون صاحبة أسوأ سيناريو لمستقبل مصر ألا وهو التوريث - الحلقة الأضعف داخل الحزب،والتي لا تستطيع إنجاز مخططها رغم الدعاية المفرطة التي تروج له.. من ناحية أخري يضع حزب الجبهة نفسه بين جبهتي المعارضة السياسية بشكلها القديم متمثلا في الأحزاب وبشكلها الجديد متمثلا في القوي والحركات السياسية.. من أجل خلق جسر للتواصل بين هاتين الجبهتين وخلق سيناريو يري أصحابه أنه جديد وبديل لمستقبل مصر في عدم ترشيح الرئيس مبارك.. هذا ما يؤكده «حرب» في حواره معنا مشيرا إلي أن الدور الذي يسعي حزبه للقيام به هو خطوة جديدة نحو صياغة سيناريو ربما يكون بديلا عن كل السيناريوهات المطروحة علي الساحة السياسية للمستقبل..وهذا نص الحوار.. كيف تري مستقبل الحكم في مصر في ظل عدم ترشيح الرئيس مبارك لنفسه في الانتخابات المقبلة أو غياب الرئيس عن المشهد السياسي؟ - لأول مرة لا نعرف من هو الرئيس المقبل، فخلال فترة تولي الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات كانت الأمور واضحة لوجود نائب للرئيس تنقل إليه السلطة مباشره لكن الآن في ظل عدم وجود نائب أصبح المستقبل مجهولا ويحمل كثيرا من الغموض ومن ثم طرح العديد من السيناريوهات، حتي أن طرح اسم جمال مبارك علي أنه الرئيس المقبل ليس أمرا مؤكدا واحتمال تحقيق هذا السيناريو الذي يروجه البعض أصبح ضعيفا ،فالرئيس لن يترك الحكم طالما بقي علي قيد الحياة لكن بعد ذلك ستتغير ملامح الحياة السياسية وستتبدل كثير من السيناريوهات، وفي رأيي أن انتقال السلطة إلي الابن بعد اختفاء الأب سيكون أمرا أكثر صعوبة وتعقيدا. لماذا؟ - لأن أول شخص سيدير له الحزب الوطني ظهره ويتنكر له الحزب الوطني هو جمال مبارك.. فنجل الرئيس لا يجد من يدعمه سوي «شلة» المجلس الأعلي للسياسات، وهؤلاء لا يمتلكون أي قوة سياسية وعاجزون عن تحريك أكثر من عشرات الأشخاص. ماذا تعني بأنهم لا يمتلكون قوة سياسية؟ - بمعني أنهم لا يجدون دعما جماهيريا ولا حتي من قبل المؤسسات السيادية بالدولة لذا أري أن مصر مقبلة علي فتره غير مسبوقة في تاريخها حيث لا نعلم من هو الرئيس المقبل. إذن من هي المجموعة التي تمتلك تلك القوة ومن هو مرشحها في حال عدم ترشيح الرئيس؟ - تصوري أن القوة السياسية الوحيدة القادرة علي ملء أي فراغ في السلطة هي المؤسسة السيادية، لأنها المؤسسة الأكثر رسوخا والتي تمثل تاريخيا المصدر الوحيد لقياده مصر، وهي المؤسسة التي تلقي ثقة واحترام جموع المصريين، لذا هي الوحيدة التي يمكنها أن تملأ فراغ السلطة في مصر. وماذا عن الأحزاب السياسية..ألن يكون لها دور في ملء فراغ السلطة؟ - أري أن ترتيب الوضع بعد اختفاء الرئيس لن يكو ن سهلا علي القوي المدنية فمثلا المرشح المنطقي للحزب الوطني وفق المعطيات الراهنة، هو جمال مبارك وأنا لا أتصور أن هناك إجماعا داخل الحزب حول هذا الاسم، لأن الحزب الحاكم مهدد بالتلاشي أصلا في حال اختفاء الرئيس، فضلا عن أن الكتلة الأساسية بالحزب لن تكون متوافقة مع توجه أمانة السياسات بترشيح جمال مبارك، لأن الحزب الوطني لديه شخصيات قيادية تاريخيه لعبت أدواراً أساسية في بناء الحزب والحفاظ عليه وبلورة رؤيته تري من حقها أن تتقدم للترشح للرئاسة باسم الحزب. من الأسماء التي طرحت بقوة في مقابل «جمال» صفوت الشريف وعمر سليمان.. كيف تري قوة تلك الأسماء داخل الحزب؟ - ليس هناك ما يمنع تقدم تلك الأسماء للترشح ووصولها للسلطة، فالمهم هو أن يكون هناك إجماع وتوافق حولها، ولكني أعتقد أن اسم الفريق أحمد شفيق في مقدمة الأسماء المطروحة بقوه حيث يلقي توافقا واحتراما من الجميع سواء علي المستوي الشعبي أو من قبل المؤسسات السيادية، فهو من أفضل الشخصيات الموجودة علي الساحة المصرية، كما أنه يحظي بثقة الرئيس مبارك ومن المعروف أنه من أكثر الشخصيات قربا له، لكن هذا لا ينفي وجود أسماء أخري وجميعها لها مكانتها مثل صفوت الشريف وهو من أهم الأسماء التي من الممكن أن يقدمها الحزب الوطني للترشح، لكن العائق الوحيد - من وجهة نظري - هو تقدمه في السن. هل تعدد سيناريوهات ما بعد مبارك يعني أن الحزب الوطني لا يمتلك سيناريو محدداً مستعداً لما بعد «مبارك»؟ - أعتقد أنه من الناحية النظرية لابد أن يكون هناك سيناريو، لكن ما أطرحه من سيناريوهات هو نوع من الافتراضات النظرية القائمة علي الخبرة والأوضاع السياسية القائمة. وماذا عن البرادعي وأيمن نور و حمدين صباحي ألا تجد فيهم نموذجا صالحا للترشح للرئاسة؟ - كل هذه الأسماء مطروحة بشكل سياسي..لكن في حقيقة الأمر الأوضاع الدستورية والقانونية تحول دون ترشحهم ، لذا ليس مصادفة أن كل القوي السياسية اجتمعت حول مجموعة من المطالب تبدأ بالتعديلات الدستورية والقوانين التي تحكم العملية السياسية وحق الترشح، حيث يصبح النظام السياسي قادرا فعلا علي إفراز قيادة جديدة، كما أن البرادعي أكد ومازال يؤكد أنه لابد من تحقيق المطالب السبعة والتي بدونها لا يمكن لنا التحدث عن انتخابات حقيقية وجادة. هل تعتبر من بين أزمات المعارضة عدم قدرتها علي الاتفاق حول اسم مرشح واحد ودعمه بدلا من تفتيت قوتها؟ - ليس بالضرورة أن تجتمع المعارضة علي مرشح واحد، بالعكس لابد أن يكون هناك أكثر من مرشح، لكن إن سمحت الأوضاع بأن تجتمع كل القوي حول اسم واحد، فمن المؤكد أن هذا سيكون أكثر قوة وتأثيرا، كما أنه في ظل المناخ السياسي التنافسي من حق كل مرشح أن يقدم نفسه ويظهر عيوب المنافسين له، لكن المشكلة في مصر هو غياب الإطار الديمقراطي الذي تجري خلاله انتخابات جادة ونزيهة. أين جماعه الإخوان المسلمين من هذه السيناريوهات ما بعد الرئيس مبارك؟ - الإخوان المسلمون هم أكثر فصيل سياسي منظم علي الساحة السياسية لكني لا أميل للمبالغة في حجمهم كما لا أميل للمبالغة في التهوين من دورهم، لكن قوه الإخوان ترتبط بالفراغ السياسي، بمعني أنه إذا حدث وتبلورت قوي سياسيه أخري مدنية حزبية في هذا السياق من الممكن أن يكون الإخوان طرفا أصيلا لأنه لا يمكن التفكير في سيناريوهات المستقبل دون وضع الإخوان كأحد القوي السياسية المطروحة ذات التأثير..لكني متأكد أن جزءا من هذه القوة يعود إلي تخاذل أحزاب المعارضة والمناخ الذي يفرضه النظام الحاكم الذي لا يجعل سوي الإخوان فقط هم القادرون علي الحركة. هل تري أن قوة الإخوان ودورهم السياسي اختلف بعد مجيء المرشد الجديد محمد بديع؟ - الإخوان سواء أرادوا أم أبوا لابد أن يقوموا بالتكيف مع الأوضاع السياسية الراهنة و متطلبات الوجود علي الساحة السيادية في مصر، أي يجب أن يتحولوا إلي حزب مدني ديمقراطي ذي مرجعيه دينيه وأتصور أن النموذج التركي جدير بأن يكون مثالا لهم، ولم يعد أمام الجماعة سوي هذا الخيار. لكن في عام 52 بقيت المؤسسة السيادية هي الحاكمة.. لماذا تتوقع العكس في السيناريو المطروح؟ - لأن العالم تغير كثيرا وأصبح أقل تقبلا لفكرة الانقلابات العسكرية أو الحكم العسكري والتدخل المباشر في الحياة المدنية، لذا فالحديث عن سيطرة المؤسسة العسكرية هو في مرحله سد فراغ السلطة والمرحلة الانتقالية فقط. تراجع سيناريو التوريث برأيك هل سببه ظهور البرادعي الذي خصم من رصيد جمال مبارك؟ - بالطبع ظهور البرادعي خصم من جمال، لكني أعتقد أنه أفضل ما يمكن أن يفعله نجل الرئيس الآن هو أن يتعهد بالابتعاد تماما عن الانتخابات الرئاسية بشكل مباشر أو غير مباشر، وإذا فعل هذا سيكون قدم شيئا للتطور السياسي في مصر وله هو شخصيا لأن اسم جمال مبارك أخذ أضعاف حجمه الحقيقي وأصبح مشكله مزمنة في الحياة السياسية المصرية وطرح كثيرا من علامات الاستفهام، وأسرة الرئيس ستحسن إلي جمال مبارك كثيرا في حال إبعاده عن الساحة السياسية والانتخابات الرئاسية. كيف تري دور الجمعية الوطنية للتغيير في الحياة السياسية..وكيف تقيم هذا الدور؟ - أهم ما قدمته الجمعية الوطنية للتغيير هو تقديمها مشروعا للرئاسة في مرحلة ما بعد مبارك، هذا المشروع الذي حمله البرادعي وقف أمام المشروع الأول الذي تم التعارف علي تسميته بالتوريث، وأهم ما يميز مشروع البرادعي أنه له شعبية علي الأقل لدي قطاعات الطبقة العليا والمتوسطة، وما طرحه من أفكار أثار الحماس لدي كثيرين من القطاعات خصوصا التي لم تكن منشغلة من قبل بالسياسة لذا فالبرادعي أضاف بديلا جديدا لبدائل المستقبل السياسي في مصر، لكن أهم ما قاله عن نفسه هو أنه ليس مشروعا للرئاسة ولكنه داعية للتغيير والإصلاح السياسي من خلال المطالب السبعة التي لا يختلف عليها أحد من الداعين للإصلاح السياسي وهذا ما تحتاج إليه مصر في اللحظة الراهنة. هل الجمعية الوطنية نجحت في تحقيق ما كانت تطرحه من أهداف؟ - الجمعية نشأت بالصدفة، وكونت نواتها الأولية من الشخصيات التي قامت بزيارة البرادعي في منزله بعد وصوله إلي مصر لأول مرة، ومن ثم وبحكم طبيعة نشأتها ضمت عناصر وقوي مختلفة سياسيا لكنها اجتمعت حول شيء واحد ألا وهو تبني مشروع البرادعي ومطالبه السبعة وترشحه للرئاسة..وأعتقد أن الجمعية بهذه الصفات أسهمت في إحداث نوع من الحيوية السياسية واستطاعت أن تجذب قطاعات كبيرة من المصريين، من غير القطاعات التقليدية التي تستند إليها الأحزاب السياسية، بمعني أن الجمعية الوطنية استطاعت أن تجذب أعدادا كبيرة من المواطنين خارج الأطر التقليدية للعمل السياسي ومن ثم مثلت إضافة حقيقية للساحة السياسية، كما أنه كلما استطاع البرادعي أن يتجاوب أكثر مع الجماهير كلما ازدادت القطاعات الداعمة له. وهل نجح البرادعي في ذلك من خلال تحركاته في الفترة الأخيرة؟ - البرادعي لديه إمكانيات طيبة للنجاح ومشاركته في جنازة خالد سعيد ضحية التعذيب في الإسكندرية أكدت أنه مستعد للالتحام مع الجماهير، أما فيما يتعلق بالجمعية فهي ساهمت في خلق زخم إضافي للحياة السياسية، وما تقوم به من أنشطة جماهيرية واعتمادها علي أدوات جديدة في الحشد والتحرك، زاد من هذا الزخم، لذا فالبرادعي والجمعية الوطنية كانا إضافة جماهيرة مهمة للحركة السياسية الوطنية. ما تعليقك علي التباين الشديد بين موقف حزب الجبهة وباقي أحزاب المعارضة بعد إعلانكم مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ - من المؤكد أن قرار أي حزب سياسي بالامتناع عن خوض الانتخابات هو قرار خطير، وأن أهم مبرر لوجود أي حزب هو خوض الانتخابات وتقديم مرشحيه ولكن ليس بدعة اتخاذ قرار المقاطعة كوسيلة للضغط علي الحزب الحاكم والدولة لكي تحدث بعض التغييرات، وهنا المقاطعة مشروطة بتوافر ضمانات الانتخابات النزيهة وليس مقاطعة من أجل المقاطعة، وأعلم أن هذا القرار ضار بأي حزب لكنه في لحظات سياسيه معينه خاصة في لحظات التحول الكبيرة في ظل عدم الثقة بنزاهة الانتخابات يكون قرار المقاطعة هو الخيار الأفضل..أما خوض الانتخابات في ظل الأوضاع الراهنة وعدم استجابة النظام للمطالب التي قدمت فإن خوض أي حزب لتلك الانتخابات هو نوع من أنواع العند وقصر النظر سياسيا. هل يقصد حزب الجبهة من المواقف التي يتخذها علي يسار أحزاب الائتلاف - كما يردد البعض- مجرد إحراج تلك الأحزاب سياسيا؟ - ما المانع من قيامنا بهذا الدور فمن الطبيعي جدا أن يكون هناك اختلافات بين الأحزاب وربما حزب الجبهة يفعل ذلك لأنه أقرب الأحزاب إلي القوي السياسية الجديدة وليس القديمة وصغر عمر حزبنا هو تعبير عن استجابة للأوضاع السياسية الراهنة في مصر أكثر من الأحزاب المعمرة، لذا الجبهة من الناحية الموضوعية أقرب إلي القوي السياسية الجديدة. إذن لماذا يستمر حزبكم في الائتلاف إن كنتم ترون أنفسكم أقرب إلي القوي السياسية الجديدة؟ - من المهم أن يكون للجبهة قدم مع الائتلاف وأخري مع الجمعية الوطنية والقوي الجديدة وهذا يشكل عنصر قوة وليس ضعفا للحزب ، وأري أنه لابد من حلقة تربط بين التراث السياسي المصري التقليدي في شكل أحزاب الائتلاف، وبين القوي السياسية الجديدة لخلق التواصل بين الطرفين والجبهة هو الأقدر علي فعل ذلك. برأيك..هل رصيد المعارضة بأشكالها المختلفة لدي المواطن العادي مازال صفرا؟ - التراث القديم للمعارضة من صفقات مع الحزب الحاكم أثر سلبا علي مصداقيتها لدي الشارع المصري، لكن أيضا يجب ألا ننسي أن المجتمع المصري عاش من دون أحزاب منذ عام 52 وحتي عام 76 ومن هذا التاريخ حتي الآن يعيش في إطار ظاهرة حزبية مقيدة يفرض عليها كثيراً من المحاذير، ما أثر علي إدراك الشعب لتلك الأحزاب ونحتاج لمزيد من الوقت حتي يمكن بالفعل للمواطن أن يتفاعل مع تلك الأحزاب التي لم تتحول حتي الآن إلي مكون أساسي بالحياة السياسية. لماذا؟ - لأنها لم تصبح جزءا متجذرا في الحياة السياسية بشكل حقيقي، فهي موجودة شكلا وليس موضوعا، ومصر لا تزال تعيش تجربة ديمقراطية في مرحله التكوين والشكل النهائي للأحزاب والمعارضة لم يتشكل بعد، نحن مازلنا في مرحلة مخاض وتغيير ستستمر لسنوات.