السادات استغل علاقته بشاه إيران لمواجهة الأزمة وخصوم مرسى يوظفونها لإضعافه لم يكن عمال هيئة المترو يدركون أن تداعيات إضرابهم عن العمل ستقتصر على إصابة القاهرة بالشلل فقط وتقدم فرصة لسائقى السرفيس والنقل الجماعى للبيع والشراء فى خلق الله بمضاعفة تعريفة الركوب وتقسيم الخط الواحد إلى أربع وخمس مواصلات لتحقيق أكبر قدر من الكسب الحرام وإعادة القاهرة أربعة عقود إلى الوراء وبالتحديد إلى السبعينيات من القرن الماضى. وإذا كان واضحا مدى استغلال سائقى السرفيس والنقل الجماعى لإضراب المترو فإن مسألة العودة بالعاصمة إلى سبعينيات القرن الماضى ليست واضحة فى أذهان الكثيرين من شباب هذه الأيام فبنظرة دقيقة إلى أحد أفلام السينما فى السبعينيات كان معتادا أن ترى أتوبيسات النقل العام وقد تحولت إلى علبة سردين يتطاير منها البشر من كل جوانب الأتوبيس، حيث لم يكن مفاجئا أن ترى المواطنين ينزلون من أبواب الأتوبيسات ونوافذها وهى منطلقة ويفاجئك بدخول الأتوبيس من إحدى النوافذ الضيقة غير عابئ بالمخاطر التى تهدد حياته. وأعاد مشهد الأتوبيسات الممتلئة عن آخرها إلى الأذهان اللقاء الذى جمع الرئيس الراحل أنور السادات وشاه إيران الراحل محمد رضا بهلوى وشكا خلالها السادات من أزمة النقل التى تضرب مصر، فما كان من بهلوى إلا الاستجابة لطلب السادات غير المباشر بشحن أكثر من 300 أتوبيس ماركة مرسيدس إلى مصر وهى الأتوبيسات التى خصصتها الهيئة لجراجاتها بمحافظة الجيزة "المنيب, بدر. الجيزة, إمبابة"، بل وكان السادات يقدم هذه الواقعة كمبرر لاستقبال مصر لبهلوى بعد أن أسقطته ثورة الخومينى وامتناع حلفائه الغربيين عن توفير ملاذ آمن له. وقد شهدت أتوبيسات المحروسة أمس تكرار نفس السيناريو، حيث رفع أسطول أتوبيسات النقل العام شعار "كامل العدد"، بل إن الهيئة وبحسب مصادر مسئولة حققت رقما قياسيا فى إيراداتها فى الساعات الخمس الأولى من صباح أمس لدرجة أن أحد المحصلين فى إحدى السيارات التابعة لجراج "فم الخليج" أبدى سعادته الغامرة بالإيراد الذى فاق 700 جنيه خلال هذه الفترة قبل الإعلان عن فض عمال المترو إضرابهم وعودة الحياة والانسيابية إلى شوارع القاهرة. وإذا كان السادات قد نجح فى استخدام علاقاته الدبلوماسية والشخصية بحكام المنطقة للبحث عن حل عاجل لأزمة أتوبيسات علب السردين، فإن الرئيس الحالى محمد مرسى وفى ظل الأزمات المتتالية التى تواجه حكومته لم يكن سعيدا بالطبع بهذا الإضراب، خصوصا أن هذا الإضراب قد تحول إلى قضية الساعة بين المواطنين، لدرجة أن الكثير منهم صبوا جم غضبهم على الثورة وعلى مرسى وعلى حكم المرشد، بل إن فلول النظام السابق استغلوا هذا الأمر لإثارة غضب المواطنين ضد مرسى بزعم أن عقود مبارك الثلاثة لم تشهد مثل هذا الإضراب، مما يزيد صعوبة الموقف أن القوى السياسية وفى مقدمتهم خصوم مرسى من ليبراليين وعلمانيين وممن يطلقون على أنفسهم القوى المدنية لن يتركوا الأمر يمر مرور الكرام، بل إنهم سيصعدون من هجومهم على مرسى التى تمر علاقاتهم به بأزمة إثر تجاهله لمطالبهم بحل الجمعية التأسيسية أو إدخال تعديلات جوهرية عليها تنهى هيمنة الإسلاميين. وستعمل المعارضة على توظيف الإضراب لتفجير الأزمات فى وجه حكومة هشام قنديل التى ما زالت تحكم البلاد بنفس كتالوج النظام السابق واعتماد سياسة ردود الأفعال فى التعامل مع الأزمات وكأن البلاد لم تقم فيها ثورة ولم يسقط حكم الحزب الوطنى الحاكم بكل مشاكله ليستبدل حكمه بحكم الإخوان دون أى تغيير يذكر فى سبل التعاطى مع مشكلات الشعب والمطالب الفئوية.