أفرج مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية خلال الأيام الماضية عن المناقشات السرية التي دارت في المؤتمر السنوي للمركز ، والذي دارت مناقشاته حول الإصلاح السياسي والديني في الوطن العربي ، وشارك فيه حوالي 120 مفكرا وناشطا سياسيا من مصر والعالم العربي وبقية دول العالم . وتركز النقاش في الجلسة الأولى حول المناخ الجديد الذي تشهده مصر في طريق الإصلاح وفى الوقت الذي اتفق فيه الحضور على أن مصر تشهد نموا كبيرا من ناحية المعارضة السياسية ، اختلفت الآراء حول مدى وفاعلية المعارضة وحول قدرتها على تحرير مصر من الركود السياسي والإقتصادى الحالي وقد تركز النقاش في موضوع الإصلاح السياسي حول ثلاث محاور هي تراكم العوائق والقيود والتي أفرزتها سنوات الإضطهاد وحول المناهج المطلوبة لدفع عملية الإصلاح وأخيرا حول دور المجتمع المدني والمجتمع الدولي في دفع مجهودات الديمقراطية . وقد اتفق الحضور حول العوائق الأساسية التي تحول دون إنشاء ديمقراطية حقيقية ونظام تمثيلي حقيقي فقد خلقت الخمسون عاما الماضية والتي إتسمت بالإضطهاد والفساد المؤسسي ، نوعا من الجمود السياسي من جانب العامة وخلقت أيضا قطاع عام غير كفؤ وأحزابا سياسية ضعيفة ومجتمعا مدنيا ممزقا وإعلاما مقيدا . وإذا لم يتم البحث عن حلول لتلك العيوب سيكون من المستحيل تحقيق تحول سلمى ديمقراطي فعال . ومما يزيد الأمر سوءا أن الركود والإقتصادى الذي تشهده مصر منذ نهاية التسعينيات أدى إلى انتشار البطالة والفقر وعدم المساواة . واختلف المشاركون حول المنهج الأمثل لعلاجها فالمنهج الذي تتبناه معظم الأحزاب السياسة في مصر والحركات السياسية مثل حركة كفاية غالبا ما يركز على مطالب محددة تساعد على الوصول إلى نظام سياسي أكثر إنفتاحا وليس الوصول إلى برنامج سياسي شامل للإصلاح ومن تلك المطالب التي تعمل من أجلها تلك المعارضة ، إلغاء قانون الطواريء ومنع قوات الأمن من التدخل في الحياة العامة ، فصل السلطات ، انتخابات حرة نزيهة يشرف عليها القضاء وتعديل دستوري يقوم بإلغاء جميع القوانين القمعية مثل قانون الصحافة لسنة 96 وقانون الأحزاب السياسية لسنة 77 وقانون الجمعيات الأهلية لسنة 2002 بمعنى البدء الفوري في عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي . أما بالنسبة لمحور ما يسمي بالإصلاح الديني ، فقد أكد جمال البنا والدكتور محمد شحرور على ضرورة فتح باب الإجتهاد إستنادا إلى القرآن الكريم كمرجعية رئيسية لفهم القيم الأساسية للإسلام بما يتوافق مع روح العصر وثقافة حقوق الإنسان . وأكد المتحدثان أن تطور الإسلام توقف عند المدارس السنية الأربعة التي أنشأت منذ أكثر من ألف عام ونتيجة لذلك فما زال المسلمون تحكمهم قواعد جامدة غير كافية لمواجهة ظروف وتحديات الحياة العصرية . وأكد المشاركون أن الأحاديث والفقه يجب أن ينظر إليهما على أنهما مناهج زمانية مرتبطة بعصر بعينه ولا يمكن إعتبارها قواعد أبدية تحكم وتوجه المسلمين ، وزعما أن المؤسسات الدينية مثل الأزهر قد إنحرفت عن تعاليم الإسلام السمحة عندما تصر على إحتكار الكلام باسم الإسلام وعندما تصر على إنكار حق جموع المسلمين في استخدام العقل لتفسير وتطبيق القيم الإسلامية لمجابهة التحديات الحالية ولتوضيح أولوية استخدام المنطق والعقل على التراث الإسلامي . وزعم أنه في ظل تعنت الأزهريون وتوقفهم عن الإجتهاد أصبح الأزهر أرضا خصبة للتعصب وعدم التسامح بالرغم من أن القرآن يحث على حرية الإعتقاد والتسامح . وأكد المؤتمر في البيان الذي صدر في ختام أعماله على الدور المهم الذي يجب أن تلعبه كافة الأطراف والمؤسسات السياسية والأمنية والإعلامية الحكومية وغير الحكومية لكي تتحمل مسئولياتها الوطنية في تهيئة أجواء سياسية مؤسسية مستقرة قادرة على إستيعاب كافة أجهزة الدولة أثناء عملية التحول الديمقراطي . وطالب البيان بضرورة الإلغاء الفوري لجميع قوانين الطوارئ والقوانين المقيدة للحريات والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، و الاستجابة لمطالب القضاة المصريين في المطالبة بالاستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية والإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية في جميع مراحلها وعلى جميع مراكز الانتخاب الرئيسية والفرعية. ورفع كافة القيود المفروضة على الأحزاب والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني المصرية في التحرك و التنظيم والاحتجاج و التظاهر السلمي مما يتيح للقوى السياسية المختلفة حق التعبير السلمي عن مطالبها ومصالحها للرأى العام سواء مباشرة بالحملات الانتخابية أو بالمظاهرات العامة أو عن طريق وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية. وأكد المؤتمر على أهمية الدعم الدولي و الإقليمي للمجهودات المحلية في قضايا حقوق الإنسان و التحول الديمقراطي بما يشمله ذلك من تفعيل الحوار السياسي بين جميع الأطراف الحكومية والأهلية والقوى السياسية والدينية في إطار يلتزم به الجميع بقيم ومبادئ الحوار الديمقراطي الكاملة. وفيما يتعلق بقضايا بالإصلاح الديني أوصى المؤتمر بضرورة مساعدة المفكرين المجتهدين المستقلين في سعيهم نحو خلق مدرسة اجتهاد جديدة تحمل مشاعل تجديد الفكر الديني بعيدا عن المؤسسات الدينية التي تحتكر الحديث باسم الدين ، كما دعا إلى تشجيع المشاركين على اعتماد النص القرآني مرجعية حاكمة لمختلف مصادر التراث الإسلامي الأخرى. وأكد البيان ضرورة إجراء حوار عام موسع مع القوى الدولية المهتمة و تيارات الإسلام السياسي السلمي في الداخل والخارج بغرض توحيد الرؤى والمواقف في قضية الإصلاح الديني. أكد المؤتمر على أهمية إدماج الحركات الإسلامية في عملية الإصلاح السياسي ، وتمكين الحركات المعتدلة منها من المشاركة السياسية بشرط قبولها بالديمقراطية كخيار استراتيجي وإقرارها المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع المدني والدولة المدنية الحديثة. ودعا المؤتمر إلى العمل على تعديل المناهج الدينية بحيث تنقى من النصوص التي تدفع إلى كراهية الآخر على أساس ديني أو عرقي أو ثقافي وفى المقابل يجرى تشجيع هذه المناهج للدعوة إلى روح التسامح وقبول الآخربحسب تعبير المشاركين.