لقد أذهلتنى بعض ردود الفعل تجاه قرار النائب العام بتفعيل حكم قضائى بحجب المواقع الإباحية.. الشيخ حازم أبو إسماعيل ربط إيقاف المواقع الإباحية بحفاظ الناس على شرفهم، بينما لم يعتبر إخفاءه حقائق أثناء حملته الانتخابية نوعًا من أنواع الشرف! الشيخ محمد حسان أعجبته كلمة "مؤامرة"، فقال إن تلك المواقع مؤامرة ضد الشباب فى مصر ليظل غارقًا فى الرذيلة، وأن الأفلام الإباحية تحول المصلحين إلى مفسدين!، وآخر قال إن هناك 4 ملايين موقع تسلط على شباب مصر فكيف ينتج وضرب مثلاً بالصين "الديكتاتورية".. أما الدكتور حازم شومان فاعتبر محاربة تلك المواقع جهادًا فى سبيل الله وأنها من أكبر 3 مصائب تدمر الشباب!.. الشيخ على ونيس النائب السلفى السابق قال إن قرار النائب العام هو الخطوة الأولى لتطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر! أما أغرب التعليقات من وجهة نظرى، فكانت من مذيعة تليفزيون النيل التى علقت على خبر حجب المواقع الإباحية بأنه مضحك، فاستعجب الضيف الصحفى من تعليقها وطلب منها إيضاحًا فردت: أريدك أنت أن توضح وابتسمت!. لقد دخلت مصر مرة أخرى فى دائرة الجدل التافه المضيع للوقت.. فحجب المواقع الإباحية ليس له علاقة لا بالإبداع ولا الإنتاج ولا الرذيلة، فكل الدول التى حجبت تلك المواقع تفنن مواطنوها فى استخدام وسائل أخرى للوصول إلى تلك المواقع عملاً بمبدأ "الممنوع مرغوب"، كما أن هناك أدوات حماية للأسرة على كل الحواسب الإلكترونية الآن، الخ الخ... تعجبت من إسراع النائب العام فى تفعيل القرار فهل جاء تقربًا من السلفيين والإسلاميين خصوصًا والمطالبات بإقالته لا تزال قائمة؟، لقد جعلنى أتذكر سرعة النائب العام فى رفع الحظر عن سفر الأمريكيين وبعض الأجانب فى قضية المنظمات المدنية بضغوط من المجلس العسكرى الحاكم آنذاك فى تصرف غاية فى الغرابة وإهانة للقضاء المصرى ومصر إن لم أكن مخطئًا! فى كل دول العالم المتقدمة هناك معايير أخلاقية يفرضها المجتمع أساسها الحرية المسئولة، وعدم فعل أى عمل فاضح يخدش الحياء العام.. كل بدرجات متفاوتة وبطريقة مختلفة.. حتى الثمانينيات كان يمكنك مشاهدة فيلم إباحى فى بعض دور السينما فى لندن، وكانت منطقة اسمها "سوهو" وسط العاصمة تعج بمحلات الجنس، وكانت بعض بائعات الهوى تتصيدن الزبائن علنًا فى بعض أحياء لندن.. لكن الضغط الشعبى وبعض المسئولين دفع الحكومة إلى إغلاق الكثير من هذه المحال، والشرطة البريطانية الآن تعتقل أى شخص يعلق ما يعتبر ترويجًا للدعارة أو الجنس فى الأماكن العامة.. لكنها فى الوقت نفسه "قننت" تلك الممارسات.. المواقع الإباحية لا تزال موجودة لكنها لم تؤثر فى إبداع الشعب ولا إنتاجه ولا قدرات الدولة الدفاعية! على العملة الأمريكية تجد كلمات "نحن نثق فى الله!".. أحيانًا يأتى رئيس متدين وأحيانًا أخرى ليبرالى.. قنوات التليفزيون الأمريكية العادية قد تصل إلى حد الملل بسبب التقاليد المحافظة، لكن فى الوقت نفسه يمكن أن تشترى أى عدد من القنوات الإباحية، كما أن المواقع الإباحية متوفرة لمن يرغب.. هذا لم يؤثر على علم وتفوق الولاياتالمتحدة على العالم كله..علماؤهم لا يزالون يخترعون ويتفوقون على نظرائهم، وسياسيوهم يمارسون الديمقراطية وجيوشهم وأساطيلهم لا تزال تقود العالم!. فرنسا معروف عنها أنها دولة ناعمة متحررة فيما يتعلق بالحديث عن الجنس، وهناك فيلم أسبوعى على التليفزيون الفرنسى فيه مشاهد جنسية، لكن مرة أخرى فى مواعيد الكبار فقط وهى مواعيد ليلية متأخرة.. للعجب لا تزال فرنسا متقدمة طبيًا وعلميًا وعسكريًا.. ألمانيا ذات الشىء والقائم تطول.. إن تعليقات بعض شيوخنا وشبابنا ما هى إلا انعكاس لمن يبحث عن أى انتصار زائف.. فقمة الحرية المسئولة هو أن يكون لديك الاختيار وتختار الجيد.. هناك أسباب حقيقية وراء انحدار الشباب أخلاقيًا أهمها الحرمان الجنسى وشرطة مكافحة الآداب.. ففى مصر الساعة البيولوجية تسير فى عكس الاتجاه فتخلق شبابًا مختلاً نفسيًا وعضويًا، وهذا عكس ما يشجع عليه الدين الإسلامى، فالشباب لا يستطيع أن يتزوج فى السن المناسب وعليهم أن يكبتوا مشاعرهم الجنسية الطبيعية!، الشباب نساء ورجالاً محبط بسبب الحصار النفسى والمادى، واسألوا أنفسكم لو أردتم الخروج مع أسركم فإلى أى مكان ستذهبون وهل ستستمتعون بوقتكم؟، شوارع مكسرة ومزدحمة، وأناس تنظر إلى بعضها البعض، والكل يتعالى ويتحفز للرد على إساءات الآخرين ونظراتهم وتعليقاتهم!، والنوادى سخيفة وقليلة خصوصًا فى المحافظات، يعنى "الخروجة" كلها لا تسلم من القلق والهواجس والهموم، حتى لو خرجت فتاة مع خطيبها وأمسك بيدها فى أحد شوارع القاهرة أو محافظاتها ماذا يحدث؟ إن الشباب المصرى يا شيوخ الأمة يعيش كبتًا وحرمانًا، والدولة لا توفر لهم مجتمعًا نظيفًا راقيًا كى يستغلوا طاقاتهم فيه.. لا يزال العقل المصرى يعظم من صغائر الأمور ويصغر من كبائرها!، هناك أولويات يا سادة.. اعملوا على تحسين التعليم والصحة ورفع وعى المواطن، وانسوا نظريات المؤامرة السخيفة، خفضوا الأسعار واهتموا بأمن وتطوير سيناء وباقى مدن مصر. إن حجب المواقع ليس من الأولويات بل سيؤدى إلى المزيد منها.. الخليفة العادل عمر أوقف تطبيق الحدود وقت الشدة.. من فضلكم اقرأوا التاريخ الإسلامى فهو لأشرف من أن تلوثه السطحية والرغبة فى الشهرة والمجد!. لا لكل ما هو إباحى وغير أخلاقى، ونعم لمجتمع محترم، لكن "إذا كان بيتكم من زجاج فلا تقذفوا الناس بالحجارة!".. اجعلوا مصر أرضًا للعمل والإنتاج والإبداع والرقى لتكون مصر بحق أم الدنيا!!.