حتى لا يختلط الحابل بالنابل، والحق والباطل؛ لابدَّ أن نستعمل نقد الذاتِ فى مناقشة ثلاثة أمور مُهمة بخصوص إيقاف الشيخ (خالد عبد الله): النقطة الأولى: مُسارعة الكثيرين من أبناء التيَّار الإسلامى إلى انتقاد الحكم القضائى بأقلامهم وألسنتهم، ويمكن تقسيم هؤلاء المنتقدين إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول: الذين ينتقدون حكم القضاء من باب انتقادهم لمبدأ تقييد حرية التعبير.. وهؤلاء لابد أن يعترفوا أنهم متناقضون مع أنفسهم، لأننا – كأبناء التيار الإسلامى – نتبنَّى مبدأً مُعيَّنًا بخصوص حرية الرأى والتعبير، هذا المبدأ نابعٌ من الأدلة النقلية والعقلية التى لا يختلف عليها اثنان، ومنه أن حرية الرأى والتعبير مكفولة للجميع ما دام لم يستخدمها فى الاستطالة فى أعراض الآخرين والاستهزاء بهم.. وهذا القدر قد يختلف معنا فيه دعاة الحرية المُطلقة، ولكنّ اختلافهم هذا لا يجعلنا نتنازل عن مبادئنا وثوابتنا أو نخفيها لنرضيهم.. أمّا القسم الثانى من المنتقدين فهم لا يختلفون على المبدأ، ولكنهم يعتبرون الحكم جائرًا وأنَّ الشيخ (خالد) مظلوم لم يرتكب ما يُوجب وقفَه.. والقسم الثالث: يرون أن الشيخ (خالد) قد تجاوز فى أمور وألفاظٍ صدرت عنه، وربما كان الدافع لهذا التجاوز غيرته على الحقّ، إلا أننا لسنا فى مقام تبرير الخطأ، ولكنهم ينتقدون الكيل بمكيالين، ففى الوقت الذى يعتبر فيه القضاء بذاءات البعض وقاذوراتهم أمرًا عاديًّا، يعتبر أمورًا أقلَّ منها تجاوزًا يستوجب الإيقاف.. وهكذا ترى ضرورة توضيح سبب الانتقاد حتى لا نهدم المبدأ الذى نُدافع عنه من حيث لا ندرى. النقطة الثانية: انتهز كثيرٌ من الإسلاميين موقف الليبراليين الصامت للتدليل على تناقضهم مع مبادئهم ومع ذواتهم، وهذا أيضًا – من وجهة نظرى – عبثٌ فى عبثٍ، وهو لا يختلف كثيرًا عن رجلٍ أراد أن يُدلل على وحشية عدوِّه الذى قتل عشرات الآلاف فلم يذكر له إلا أنه رَكَل القطة بعنفٍ!، وهل كنَّا نستغرب موقف الليبراليين؟، وهل كنتم تنتظرون منهم تصرُّفًا آخر؟!، هم لم يفعلوا إلا ما ينسجم مع مبادئهم القائمة على الانتهازية وتلبيس الحق بالباطل، وكتمان الحق وهم يعلمون.. أليست أمريكا - قِبلة الليبراليين والديمقراطيين- هى التى أبادت الشعوبَ وقتَّلت الأطفال بدعوى نشر الديمقراطية؟!، أليست فرنسا - أم الحريَّات - هى التى ابتدعت التضييق على المسلمين بالذات فى ممارسة عباداتهم وتقاليدهم بدعوى حماية القيم العلمانية؟!، أليست مؤسسات الليبرالية الدولية عقيدتها الأولى (ازدواجية المعايير)، فإذا نجحت دولةٌ فى الخروج من بيت الطاعة لجأت الدول التى تُسمِّى نفسها بالليبرالية والديمقراطية إلى اختلاق الذرائع التى تبيح إخضاعه ولو بالتدخُّل العسكرى أو الحصار الاقتصادى؟، ماذا ننتظر من أذيال هؤلاء عندنا؟، أليس ليبراليونا المصريون - ومَنْ تردَّى مُتردَّاهم - هم الذين ينقلبون صباحَ مساء على الديمقراطية لأنها ليست فى صالحهم؟!، ومن أجل تسويغِ تناقضهم مع معتقداتهم لا يتورَّعون عن الحكم على الشعب بأنَّه جاهل، ولا يتورَّعون عن قلب مدلولات المصطلحات فيجعلون الإفساد إصلاحًا، ونشر الرذيلة فنًّا وأدبًا. لابدَّ أن نعترفَ أنَّنا بإزاء حربٍ أيديولوجية ممنهجة لا يصحُّ فيها افتراض حُسن النيّة، وإن كان البعض منهم حَسَن النية بالفعل فهو من باب الشذوذ الذى يؤكد القاعدة ولا ينفيها.. وما تأسيسية الدستور منكم ببعيد؛ فحتَّى لفظ (الشورى) يُراد تغييره إلى (الشيوخ) والعلَّة معروفة.. إننا لو بالغنا فى انتقاد الليبراليين فى موقفهم من قضية الشيخ خالد فقد يظنّ بعض من لا يدرى أنَّها (هفوة) وقعوا فيها، أو (زلَّة) سرعان ما يتجاوزونها.. ولهؤلاء أقول: لا تنقدوا موقفهم بالتخلى عن الشيخ (خالد)، ولكن انقدوا المعتقد الليبرالى الديمقرطى (ازدواجية المعايير)، الذى يدفعهم إلى هذه التصرفات ولا يغرَّنكم ما يلوكونه بألسنتهم من تنظيرٍ أجوفَ. النقطة الثالثة: حين يكونُ فريق الإعلام الإسلامى مُكوَّنًا من لاعب واحدٍ هو حارس المرمى والمدافع ورأس الحربة، فلا يملكُ كلُّ غيور إلا أن يدعو بدعاء الفاروق: اللهم إنى أشكو إليك عجز الثقة وجَلَدَ الفاجر!، ربَّما لو كنَّا فكَّرنا فى لحظةٍ كهذه لأعددنا لها ألف (خالدٍ)!. برقية أخيرة للشيخ خالد: ما خلأت القصواء وما كان لها بِخُلُقٍ ولكن حَبَسها حابس الفيل، ولعلَّ فى الراحة فرصةً لمراجعة النفس وتقويم ما يحتاج إلى تقويم، وتزوُّدًا لما هو أصعبُ.