تنطوي النتائج التي تمخضت عنها أول انتخابات رئاسية تعددية في مصر التي أسفرت عن فوز الرئيس حسني مبارك على دلالات ودروس على درجة من الأهمية: - أولاً: إن نسبة الفوز الكاسحة التي حققها الرئيس مبارك (88%) بما يوازي ستة ملايين صوت ناخب ليست مفاجأة، بل كانت متوقعة لكن ابتعادها النسبي عن الأرقام التسعينية يشي بالكثير من المعاني باتجاه تحسن ظروف العملية الانتخابية وتحقيق المزيد من الشفافية وإن على نحو تدريجي. وما كان كل ذلك ليحصل لولا ثورة المعلومات والاتصالات وتطور المجتمع المدني والوعي السياسي الديمقراطي على صعيد مصر والعالم الثالث فضلاً عن تأثير جماعات الضغط والقوى الدولية المعنية لهذا القدر أو ذاك بمراقبة الأوضاع الديمقراطية في العالم الثالث أو العالم بأسره. ويمكننا أن ندرج ضمن سياق هذه الدلالة من إقرار النتائج أن نسبة المشاركين في الانتخابات لم تزد على نسبة 23% بما يعادل سبعة ملايين صوت من أصل نحو 32 مليون مصري لهم حق الانتخاب. - ثانياً: إن هذا التطور في شفافية العملية الانتخابية أياً تكن تقديرات حجمه لا يحسب فقط كما قد يتبادر للذهن للوهلة الأولى لضغوط المعارضة أو القوى الدولية، بل يحسب أيضاً لطبيعة ومزاج النخبة الحاكمة المصرية وسعة أفقها السياسي، ومن ضمنها على وجه الخصوص مؤسسة الرئاسة. فمهما قيل عن حجم هذه الضغوط أو تأثيرها فإن هذه النخبة الحاكمة تملك كل الإمكانات والسلطات الفعلية للالتفاف عليها أو رفضها لو أرادت وهنا بالضبط تكمن الميزة والفارق بين النظام الجمهوري المصري وبقية الأنظمة الجمهورية الشمولية العربية - باستثناء لبنان - إذ من المستحيل تخيل أن يقر أي نظام من هذه الأنظمة الجمهورية العربية في انتخاباته الرئاسية بأن يحصل الرئيس الضرورة الملهم على عدد الأصوات كالتي أقر بها النظام الجمهوري المصري أو أن يعترف أي منها بتلك النسبة المتدنية من المشاركين في عملية التصويت أو أن يسمح قبل ذاك بهذا التطور الديمقراطي النسبي أياً تكن المآخذ عليه من تعددية سياسية وحرية صحافة وخلافها. - ثالثاً: إن نسبة هذا العزوف التي أعلنت نتائجها الانتخابات والتي تبلغ 77% هي بمثابة جرس إنذار ذي مغزى بعيد ليس للحزب الحاكم فحسب بل لكل القوى السياسية، إذ تعني ببساطة أن الشارع أو عامة الناس بلغوا من الإحباط مبلغه وفقدوا كل الثقة في المرشحين والأحزاب وكل برامجهم وشعاراتهم، بل فقدوا الأمل في جدوى الوسائل الانتخابية القائمة للتغيير السياسي. - رابعاً: بهذا المعنى فإن نسبة العزوف المشار إليها لا تعني إطلاقاً نجاح قوى المقاطعة في حمل الشعب على المقاطعة بقدر ما كان دورها في رفع الزيادة المقدرة أو المتوقعة أصلاً مقدماً لحالة الإحباط الجماهيرية. إذ إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا ماذا لو شاركت قوى المقاطعة فهل ستجيء نسبة عزوف الناخبين عن المشاركة أدنى بكثير من تلك النسبة المعلنة؟ - خامساً: يمكن القول إن النسبة التي حققها الرئيس مبارك هي صحيحة إلى حدٍ كبير مادامت المنافسة بينه وبين المرشحين التسعة انحصرت في الصراع على سبعة ملايين ناخب فقط من أصل 32 مليون ناخب، ومادامت القوى الحية السياسية المقاطعة قد فسحت له المجال للانفراد بهذه المنافسة السهلة، ومادام المنافسان البارزان للرئيس (أيمن نور مرشح الغد ونعمان جمعة مرشح الوفد) لا يملكان تلك الخبرات الانتخابية والقدرات الهائلة التي يتمتع بها مبارك والحزب الحاكم، وهنا فإن شعار الحزب الحاكم “الذي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش” نجح إلى حد بعيد في استقطاب الناخبين ولعبت المقاطعة دوراً في إنجاحه عملياً لإخلائها الساحة للمرشح الأقوى “المعروف”. - سادساً: إن الخاسر الأكبر في انتخابات الرئاسة ليس المرشحين التسعة، بل المقاطعة فهي بالإضافة إلى إهدارها كل المزايا السياسية التي يمكن أن تكسبها من خوض أول معركة انتخابية لأول انتخابات رئاسية تعددية ومراهنتها على الانتخابات التشريعية القريبة فإنها بدورها النسبي في رفع نسبة المقاطعة ستواجه تحدياً في حض الناخبين - ولا سيما العاديين والبسطاء منهم - على المشاركة في هذه الانتخابات وفي استيعاب التفريق بينها وبين الانتخابات الرئاسية من حيث الأهمية.