عمدت بعض الصحف و هي قليلة جدا تضخيم حديث محمد حسنين هيكل صباح يوم الانتخابات الرئاسية (7/9/2005) ، بقناة الجزيرة ، لتعمل منه "حكاية" ..! و ربما بالغ البعض من "عشاق الرجل" و أسرفوا حتى كادوا ينسبون إليه فضل هذا الحراك السياسي الكبير الذي تشهده مصر حاليا ، لمجرد أنه نطق أخيرا و بعد طول صمت قائلا بحنان و حنو و رقه : "على مبارك أن يستريح الآن " !. يا سلام .. و كأن هيكل أخاف مبارك ! .. كأن هيكل بكلمته الحانية قد حدد أستغفر الله قدر مصر و مستقبلها و لم يعد أمام الرئيس خيار آخر إلا أن يقول له "سمعنا و أطعنا" ..! الطريف أن عشاق هيكل ، صوروا الأمر و كأن مصر كلها كانت تنتظر طلعته المباركة متفرغة تماما لسماعه رغم أن كلمته أذيعت و الدنيا كلها في مصر بمن فيهم النخبة التي من المفترض أنها المعنية أساسا بحديثه ، كانت إما في عملها و إما في الشارع لمتابعة عمليات الاقتراع . فضلا عن أن هيكل آخر من تكلم و انتقد النظام في مصر .. المصريون كلهم انتقدوا النظام ، إلا هيكل كان مشغولا بأسبرطة و أثينا و الأمبراطورية الرومانية ، و سعد زغلول و النحاس باشا و الملك فاروق و الإنجليز و جلساته و مقابلاته مع أصدقائه من السياسيين و الديبلوماسيين الأجانب .. كان ما يجري في مصر من تطورات آخر ما يشغل هيكل في كل أحاديثه التي تقاضى عليها الملايين من الجزيرة . حتى أن مذيع الجزيرة محمد كريشان الذي أدار معه الحوار من القاهرة ، عندما سأله عن الفواتير التي من المتوقع أن تسددها مصر في عهد الرئيس مبارك .. رد هيكل مبتسما : يعني أنت مصر على أن تعيدني للحديث عن مصر ؟ الرجل إذن و كما بدا من كلامه هو و ليس تأويلا من أحد لم يكن يعنيه أن يتكلم عن مصر ..! غريب أمر هيكل ! و هل استضافته الجزيرة صباح يوم الانتخابات و دفعت له إلا ليتكلم عن هموم مصر و أحزانها ؟! أراح هيكل ظهره على الكرسي و نظر إلى كريشان و قال له : شوف أنا ها كلم معاك بوضوح و بكل صراحة في هذا الأمر .. و توقعت أمرا جللا يصدر من هذا العبقري الكبير .. فإذا به يأخذنا و يأخذ كريشان و الدنيا كلها بعيدا عن نظام الرئيس مبارك وتكلم عن مساوئ نظام حكم السادات ..! و قال : طالما إنك قلت إن 99,99 % من أوراق اللعب بيد الأمريكيين و هي كلمة السادات الشهيرة فإن كذا و كذا .. و سرد كلاما لا معنى له إلا الهروب من السؤال .! ثم إن هيكل ليس لديه أي اعتراض على أن يرث نجل الرئيس الحكم بعد الده ، بل إنه أبدى إعجابه بنجل الرئيس أكثر من مرة و رأى فيه رئيسا مناسبا و لكن عبر صناديق الاقتراع .! يا سلام ..!! و هي دي صعبة يا أستاذ هيكل على النظام الذي يملك من السلطات والامكانيات ما يجعله قادرا على أن يعمل من "الفسيخ شربات"؟! ثم إن هيكل لم يكن له أي فضل فيما شهدته مصر من حراك سياسي ، بل إن الرجل كان يتحسس و يشعر بالحرج كما قلنا في مقال سابق من أن يُزج باسمه في أية حركة من حركات التغيير لا من قريب و لا من بعيد حتى أنه فزع و غضب و استنكر أن تنشر عنه الصحف خبرا أفاد أنه التقى وفدا من قيادات حركة "كفاية" ! و عندما تحدث في الجزيرة و انتقد النظام فإنه كان من قبيل استثمار جهود الأخرين ، و قطف ثمار المناضلين الذين خرجوا إلى الشوارع معرضين صدورهم لرصاص الشرطة ، و ظهورهم لهروانها ، و اعتقل منهم من اعتقل و عذب من عذب و قتل من قتل و اعتدي على حرماتهم و اعراضهم .. هؤلاء هم أبطال التغيير الحقيقيون و ليس هيكل . أين كان هيكل من كل هذه التطورات ؟! بل إن الناصريين ناضلوا و أوذوا بجانب القوى الأخرى من ليبراليين و إسلاميين بدون هيكل فلماذا يريد نفر منهم أن ينسبوا الفضل إلى غير أهله ؟! كيف ننسى عبد الحليم قنديل مثلا و نتذكر فقط محمد حسنين هيكل الذي يتحرج من أن يناضل حتى "من المنازل" ؟! إن هيكل مع تقديري الكبير له لن يتغير.. يريد أن يأخذ كل شئ بدون أن يسدد الفواتير أو يدفع الثمن .. و هذه هي مشكلته الأزلية التي أتوقع أن لا تبرحه يوما ما .. فهكذا عودنا و اعتدناه ، مهما حاول عشاقه تجميل مواقفه . [email protected]