أخى الحبيب الحاج... نسأله سبحانه أن يتم عليكم نعمته وأن تعودوا إلى أهليكم وذويكم سالمين غانمين. كنا قد حدثناكم حول ثلاث رسائل تربوية لرحلة الحج المباركة وهى (دعوة للإيجابية وكن سبَّاقًا للمعالى واقرأ تاريخك وافتخر). واليوم نستمتع معكم بمعايشة أجواء رحلتكم الطيبة فنستكمل رسائل ثلاث أخرى إليكم: الرسالة الرابعة: رتب أولوياتك: وعندما نستمر فى قراءة تاريخ هذا الركن العظيم، من خلال سيرة تلك العائلة المباركة، ونتذكر كيف أن إبراهيم عليه السلام امتثل لأمر الله عز وجل، وأخذ وحيده إسماعيل عليه السلام وزوجته هاجر وذهب بهما إلى مكة، (وكانت مكة يومئذ لا نبت فيها ولا ماء، وأنزلهما بمكة فى موضع زمزم، ومضى لا يلوى على شىء.. ودعا دعائه الخاشع الراضى، وانصرف إلى أهله بالشام، وترك هاجر وولدها الذى طالما دعا الله سبحانه أن يرزقه به). كم كانت تضحية كبيرة!؟.. أبَعْد أن يُرزق الولد، ويراه بين يديه، وتقر عينه برؤيته، يحرم منه وهو حى يرزق؟!. والأعجب من هذا يحرم منه طائعًا مختارًا نزولاً على أمر الله عز وجل). [نظرات فى أحسن القصص: د. محمد الوكيل] وإذا كان الطفل يمر بمراحل اجتماعية نفسية ثلاث هى: مرحلة التمحور حول الأشياء، ثم مرحلة التمحور حول الأشخاص، ثم مرحلة التمحور حول الأفكار.. وكذلك المجتمعات تمر بنفس المراحل فى تطورها الحضارى. [مشكلة الأفكار فى العالم الإسلامى: مالك بن نبى] فنحن نؤكد أن ذلك واقع أيضًا فى حياة المسلم، وأن تطوره التربوى والدعوى يمر بنفس المراحل، حيث يبلغ قمة النضج عندما يصبح تمحوره حول المبدأ الذى يحمله، ويتعدى مرحلة التأثر والتمحور حول الوسائل والأشياء والماديات والأشخاص. وتدبر مغزى هذا التوجيه الربانى لخير الأجيال، حينما أصابهم الخور عندما سرت إشاعة مقتله - صلى الله عليه وسلم- أثناء محنة أحد، وذلك حتى يرتبطوا بالفكرة لا الشخص: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ". [آل عمران144] وتدبر أيضًا سنة الله عز وجل فى هذا القانون الشاق، (قانون الخروج)، أو المرحلة التى لابد منها، فى طريق أصحاب الدعوات، والذى لفت إليه نظره -صلى الله عليه وسلم- عن طريق ورقة بن نوفل: عندما (قال: يا ليتنى فيها جذعًا أى: شابًا جلدًا إذا يُخرجك قومك من بلادك، قال: أو مخرجى هم؟!.. قال: لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى). [نور اليقين: الخضرى] وهى الرسالة التربوية الرابعة؛ التى توضح أن المسلم لابد أن يعيد ترتيب أولوياته، ويدرك أن قمة النضج الدعوى فى حياته وحياة أصحاب المبادئ هى الخروج من أسر الوسائل والأشياء والماديات والشخصيات، إلى التمحور حول الفكرة التى يؤمن بها. الرسالة الخامسة: تمسك بشعار أعقلها وتوكل: عندما صدع إبراهيم عليه السلام بأمر ربه، وترك هاجر ووحيدها، ومضى، بعد أن وضع عندهما جرابًا وهو الوعاء الذى يُحفظ فيه الزاد ونحوه فيه تمر، وسِقَاءً وهو القربة الصغيرة فيها ماء، فكانت هاجر تأكل التمر، وتشرب الماء، وترضع وليدها.. وهذا السلوك العظيم فى حياة الأنبياء والدعاة على مر التاريخ يوضح أن خُلُق التوكل على الله عز وجل لا ينفى مبدأ الأخذ بالأسباب. وتدبر خطته - صلى الله عليه وسلم- فى هجرته إلى المدينة.. وكما وردت فى أكثر من وصية عنه صلى الله عليه وسلم: "جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟. قال: اعقلها وتوكل". [رواه الترمذى] وهذه الرسالة التربوية، توضح أهمية وجود التوازن فى حركة الأفراد بين جناحى الحركة الإيجابية، وهما الأخذ بالأسباب الشرعية، ثم التوكل عليه سبحانه. الرسالة السادسة: رسخ قناعاتك: عندما مضى الخليل عليه السلام قافلاً إلى الشام بعد أن ترك هاجر ووليدها، (فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس فيه إنس ولا شىء؟.. فقالت ذلك مرارًا، وهو لا يلتفت إليها!!، فقالت: آلله الذى أمرك بهذا؟.. قال: نعم.. قالت: إذًا لا يُضيعنا، ثم رجعت). [رواه البخارى] تدبر هذا الموقف العصيب، وتلك التجربة المريرة، فى حياة تلك الأسرة المؤمنة المباركة، وتدبر هذه الزوجة البارة الصالحة الممتحنة، وهى تتعقب زوجها، وتصف له الوادى.. وتدبر مغزى هذا الوصف لحالها (فقالت ذلك مرارًا، وهو لا يلتفت إليها!!). حقًا "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً". [النحل120] وهذه القناعة بالمبدأ والفكرة، وترسيخها بالثبات عليها، هو المعلم الدعوى البارز، والمنارة التى لا تنطفئ؛ تلك المنارة التى يشعلها السابقون للاحقين، على طريق الدعوة. د. حمدى شعيب خبير تربوى وعلاقات أسرية E-Mail: [email protected]