مع كم المظاهرات والمطالب الفئوية التى تواجهها مصر صباح كل يوم ودعوات التظاهر ضد الرئيس مرسى بحجة فشل ال100 يوم، طالب محمد سيف الدولة مستشار الرئيس أن تتحد القوى السياسية من أجل تحقيق هدف واحد وهو اكتمال الثورة والقضاء على باقى أركان النظام السابق، مؤكدًا خلال حواره ل "المصريون" أن كل تيار له ميزته وأهميته، مشيرًا إلى أن وطنيتهم لا تقبل المزايدة، ومشددًا على عدم وضع قيود لحرية الرأى والتعبير، كما أكد على أهمية بناء جسر التواصل بين كل أطياف المجتمع وأن تتم إزالة كل القيود التى كانت تكبل حرية الصحافة والقارئ وحده هو القادر على التمييز بين الغث والسمين، وشدد على ضرورة الاهتمام بتنمية سيناء عبر نسف قيود كامب ديفيد التى تعوق عملية التنمية فى سيناء وأن تسارع الدول بتنفيذ عدد من المشاريع السريعة التى تدخل تحت بند الطلبات الملحة لأهالى سيناء ... والآن إلى الحوار: س / كيف ترى حالة الاستقطاب الحاد التى يعانى منها المجتمع المصرى والتى قسّمته إلى تيارات متصارعة ومتناحرة؟ * بدايةً أنا مهندس مهتم جدًّا من قبل الثورة ببناء الجسور السياسية والفكرية والثقافية بين كل تيارات مصر وكل القوى الوطنية، لذا فكل اتجاه كلامى فى هذا الاتجاه أنه كيف يسامح بعضنا بعضًا وكيف يتفهم بعضنا البعض، وأيضًا كيف نرى مميزات بعضنا البعض؛ لأننا كلنا فى الآخر داخل مركب واحدة، ودعنى قبل أن أجيبك على الدعوة للمظاهرات، أن أقول وجهة نظرى فى التيارات السياسية، التيارات السياسية فى مصر عريقة، أقل تيار فيهم له أكثر من مائة سنة، وهى تيارات أربعة: التيار الإسلامى، والتيار الوطنى والتيار الاشتراكى والتيار الليبرالى، وهم أربعة توائم لأب واحد وهو الصدمة الحضارية والوطنية التى تعرضنا لها جميعًا عندما وجدنا نابليون بونابرت يطرق أبواب مصر ويحتلها عام 1897، لنظل تحت الاحتلال حتى عام 1956.. أمام هذه الصدمة الحضارية ظهرت فى مصر أربع إجابات على سؤال لماذا انتصر علينا الاستعمار وكيف نتحرر منه؟ الأربع إجابات كانت مختلفة فى كثير منها، لكنها إذا تأملت فيها ستجد منبعها ومنبتها واحدًا وهو رفض الاستعمار، الإجابة الأولى التى تم تقديمها وكان صاحبها التيار الإسلامى أنه رأى أن سبب هذه المسألة مقارنته بين حالة النصر التى كانت فيها الأمة قديمًا وبين حالة الضعف والهزيمة التى عانت منها مع قدوم قوافل الاعتداءات الاستعمارية الغربية عليهم، وكانت إجابته أننا انتصرنا قديمًا وهزمنا حديثًا لأننا بعدنا عن مجموعة الخصائص والمواصفات التى كان يتميز بها أسلافنا، وبالتالى الحل فى قهر الاستعمار فى إعادة الاعتبار إلى كل ما كان قائمًا فى ذلك العهد الجميل.. هذه كانت الإجابة الأولى، وكانت نقطة الذروة ظهور التيار الإسلامى بعد إنشاء جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 والتى جاءت كصدمة داخل صدمة أو صدمة مضاعفة نتيجة إلغاء أول مرة وحدة الأمة، التى كانت مطروحة فى ذلك الوقت تحت الخلافة العثمانية، وظهرت هذه الحركة فى محاولة رد الاعتبار لهذا الفكر ونقلها من مجال الحاكم إلى مجال الشارع والشعب. أما رأى التيار الثانى وهو القومى فكانت إجابته مركزة حول فكرة الاستقلال وضرورة التحرير من الاستعمار وكان يمثله تيار الحزب الوطنى القديم، حزب مصطفى كامل ومحمد فريد الذى رفع شعار "لا مفاوضات إلا بعد الجلاء"، وكان الحزب الوطنى هو مؤسس الحركة الوطنية التى كان بها امتدادات فى كل قُطر تطالب بالاستقلال عن الاستعمار الانجليزى أو الفرنسى أو الإيطالى، وكانت هذه إجاباته أنه لابد من مقاومة الاستعمار من أجل الجلاء وكان يركز فقط على فكرة الجلاء، ونقطة الذروة أو الصدمة المضاعفة له كانت بعد اتفاقيات ..... التى قسمت الوطن الواحد إلى عدة أقطار. أما التيار الثالث، وهو التيار الاشتراكى، فقد اتهم الاستعمار على أنه دخل من بوابة الطبقات الغنية صديقة الاستعمار بين المصريين والعرب، وبالتالى ركز على أن مواجهة الاستعمار فى إعطاء السلطة للفقراء الإقطاع والرأسماليين المحليين والأجانب من كل هذه السلطات. والتيار الليبرالى كانت إجابته على السؤال هو أن الغرب انتصر علينا لأنه أفضل منا فيما حققه من الديمقراطية، وبالتالى إذا أردنا أن ننتصر عليهم فيجب أن نتعلم منهم الديمقراطية. اختلفت التيارات الأربعة فيما بعد وتصارعت وتنافست.. ولكن جميعهم وطنيون؛ لذلك دعنا نتفق أولاً على أن كل هذه التيارات تتميز بالوطنية. س / وحتى بعد الثورة هل ما زلنا فى حاجة إلى هذه التقسيمات التى أشرت إليها؟ * وحتى بعد الثورة نحن أيضًا فى حاجه لهذا الانطباع، فكل تيار منهم له دور متميز جدًّا يقوم به ولا يغنى عن دور الآخر، التيار الوطنى كان يركز على فكرة استقلال مصر وعلى فكرة السيادة والكرامة الوطنية، فنحن فى حاجة للتيار الوطنى لتركيزه على الكرامة الوطنية والعزة الوطنية والاستقلال المصرى، وحل قيود اتفاقية كامب ديفيد وأى اتفاقيات أخرى، والتيار الإسلامى نحتاجه لأنه بعد الثورة يعيد الاعتبار للهوية الحضارية الإسلامية، هوية الأمة .. ونتذكر جميعًا مكرم عبيد القائد الوفدى القبطى الذى قال أنا مسيحى الدين مسلم الوطن، وبالتالى الهوية الحضارية الإسلامية بالإضافة إلى أنه فى القلب من هذه الهوية الحضارية هى فكرة المعنى العميق من شهادة أن لا إله إلا الله، وهذه الشهادة تعنى أنه أيًّا كانت موازين القوى الحالية مختلة وأيًّا كان الحديث حول قوى عظمى كبرى، فإنه لدينا فى عقيدتنا وتراثنا الدينى ما يقول إن الله أكبر وهى تستطيع أن تنهض وتعبئ الأمم والشعوب حين تختل موازين القوى لصالح الأعداء، والتيار الاشتراكى نحن فى أشد الحاجة إليه لأنه متخصص فى قضية الفقر والفقراء ولديه خبرة كبيرة، ولدى أهم شخصياته خبرة كبيرة فى مناظرة المنظمات الرأسمالية الكبيرة المتمثلة فى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، ولديه أفكار وخطط جديدة جدًّا فى كيفية إعادة توزيع الثورة لانحيازه للفقراء، والتيار الليبرالى له خبرة كبيرة جدًّا فيما يتعلق بالحقوق السياسية والدستورية وحقوق الإنسان.. ونحن نحتاجه فى بناء مصر الحديثة وبالتالى لا يمكن الاستغناء عن أى تيار من التيارات الأربعة. س/ ولكن فى ظل هذا التشرذم الذى نراه ونعايشه.. كيف نطبّق هذا التوافق على أرض الواقع؟ * لتطبيق هذه المقدمة على المشهد السياسى الحالى فهو مشهد حزبى، فيه نظام حزبى متعدد الأحزاب ومتنافس حول الانتخابات البرلمانية ومنصب رئيس الجمهورية والمحلية إلى آخره، ويجب أن يتوقع أن فى المجتمعات الديمقراطية مثل مجتمعنا الآن سيكون دائمًا هناك منافسة ونقد حاد من كافة التيارات والأحزاب لبعضها البعض، وسيكون فى مجمله نقد بناء لكن ستجد فى داخل هذا النقد البناء فى كثير من الأحيان نقد منتقد لا أريد أن أستخدم كلمة نقد هدام. ويجب ألا تزعجنا هذه المسألة، فعلى سبيل المثال عندما يقوم مجموعة من الاشتراكيين بشن حملة ضد قرض صندوق النقد الدولى فبدلاً من أن ننزعج من هذه المسألة علينا أن نسمعه . فهم يستطيعون أن يقدموا لنا خدمة كبيرة فى الصمود أمام جبروت صندوق النقد الدولى وهكذا، وعندما يقوم التيار الليبرالى ويطالب بشفافية فى إعداد الدستور هذا مفيد وليس مضرًّا دائمًا وبالتالى لا يجب أن ننزعج من الدعوات المتكررة من هذا التيار أو ذاك، وعلينا أن ندرك أن هذا الكلام لن يتغير فى القريب العاجل، وأننا سنظل بضع سنوات قادمة نعيش جو المنافسة والصراع السياسى والحزبى، ولكن المهم ألا نكتفى بروح المناهدة والصراعات وأن نحاول أن نعمل على خلق أرضية مشتركة خارج إطار المنافسة، بمعنى فلتنافس على البرلمان على المحليات على الرئاسة إلى آخره... لكن بجوار ذلك هناك قضايا كبيرة تستطيع أن تجمعنا. س / وكيف يتم تفعيل دور المعارضة والاستفادة من خبرات كافة التيارات السياسية فى المرحلة المقبلة؟ نحن نحتاج إلى بناء جسور بيننا، وبناء الجسور يتطلب الصبر على بعضنا البعض قليلاً، وألا ننزعج من بعضنا البعض وألا ننزعج من دعوات التظاهر ضد بعضنا البعض، وأنا أظن أن الأعداء المتحالفين مع الثورة المضادة فى مصر كل ما يهمهم هو انقسام القوى السياسية، وبالتالى أى شخص حريص على الثورة عليه ألا يعطى فرصة لهذا الانقسام، وأنه كلما قابل شخصًا انقساميًّا أو اتجاهًا انقساميًّا ألا يبادله انقسامًا بانقسام وإنما يمد له جسرًا وأن يثبت له أن هناك بيننا من المشتركات أكثر، وأنا لدىّ دعوة والبعض يرى أنها مستحيلة ولكنى متمسك بها وسأظل أوجّهها للجميع، وهذه الدعوة أن تكون الانتخابات القادمة البرلمانية بقائمة موحدة تضم كافة القوى السياسية ماعدا الفلول، هذا هو المخرج الوحيد للقضاء على الانقسام فى مصر وتوحيد الصف الوطنى المصرى لتحقيق عدة أهداف، الهدف الأول هو تحرير مصر من الهيمنة الأمريكية، والهدف الثانى هو تحرير مصر من قيود معاهدة السلام، والهدف الثالث هو الانحياز للفقراء ومكافحة الفقر ومقاومته، أما الهدف الرابع فهو إعادة مصر لدورها العربى وعلاقاتها العربية.. وكل هذه القضايا الأربع تتواجه برفض شديد من المجتمع الدولى؛ وبالتالى سنتعرض لضغوط دولية خطيرة وضغوط اقتصادية كثيرة لا نستطيع أن نصمد إلا إذا كانت هناك وحدة. س / هل المجتمع فى حاجة إلى تشكيل نخب سياسية جديدة؟ أم أن النخب الموجودة حاليًا قادرة على العبور بمصر من أزماتها السياسية والاقتصادية إلى بر الأمان؟؟ * كل النخب السياسية المصرية هى نخب كريمة وكلها كانت مناضلة ضد نظام مبارك، ولا مانع من تشكيل نخب جديدة، ولكن ليست هذه المشكلة، إنما المشكلة فى علاقة النخب بعضها ببعض، إذ يجب أن يتم التركيز على الثوابت الوطنية، فمثلاً الكيان الصهيونى المسمى بإسرائيل يتصارعون فيه ليل نهار ولكنهم فى النهاية يتفقون حول أمن إسرائيل ووجودها . وفى الولاياتالمتحدةالأمريكية يتصارعون ويتنافسون ما بين جمهورى وديموقراطى، ولكن فى النهاية مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية فى العالم فوق الجميع. وبالتالى ما هى مصالح مصر القومية التى هى فوق الجميع؟ وهل يمكن أن يتفق الأربع تيارات هذه على أن هناك قضايا قومية مصرية فوق الجميع؟؟ نعم يجب أن يتفقوا لأن هناك بالفعل أمورًا تقتضى منا التعاون. س / كيف ترى المنظومة الأمنية فى الفترة المقبلة؟ ومتى سيعود الأمن بنسبة 100%؟ * أنا متفائل لعدة أسباب، السبب الأول: هو أن كل التيارات الوطنية المتنافسة بين قوى الثورة هى تيارات وطنية بلا استثناء وبالتالى هى تريد بالفعل حل المشكلة . النقطة الثانية أنا بالفعل أثق فى إخلاص الدكتور هشام قنديل، وقد تتفق القوى السياسية أو تختلف حول الرؤى السياسية أو الاقتصادية، لكن فكرة الإخلاص فكرة مهمة . النقطة الثالثة: أنا بحكم قربى من المركز فأنا أعلم أن الجميع يعملون 24 ساعة فى اليوم وأنا كنت أحاضر فى عدد من المؤتمرات فى الأسبوع الماضى فى محافظات مختلفة وسمعت قصصًا كثيرة حول مشاركة الشباب المصرى فى مشروع النظافة والأمن من خلال اللجان الشعبية، مصر تريد أن تتغير، وبالتالى هذا السبب يدعو إلى التفاؤل. السبب الثانى الداعى للتفاؤل أن مصر أصبحت دائمًا على الهواء.. بمعنى ما إن يحدث أى خطأ ما فى أى مكان حتى تجد ألف صحيفة وألف قناة فضائية يهاجمون هذا الخطأ. س/ فى أعقاب ثورة يناير ظهرت الحملة الشعبية لإسقاط ديون مصر .. إلى أين وصلت الحملة؟ وهل هناك مبادرات أخرى تحمل نفس الهدف؟ * لا أنكر أن هناك رغبة مهمة جدًّا لإسقاط ديون مصر وتحريرها من كل القيود المالية، ولفت نظرى فى خطاب الدكتور مرسى ما قاله حول شركات النظافة التى ندفع لها 500 مليون جنيه كل سنة ولا نستطيع أن نفسخ العقد لأنه سيترتب عليه غرامات مالية . المهم فى هذه المسألة هو أن الجميع يعملون من أجل إيقاف نزيف هاجس الثورة، وقد يرى البعض أن هذا حديث قد يقوله وزير أو رئيس وزراء أو محافظ، لكن أن يخرج من رئيس جمهورية هذا الكلام معناه أن هناك توجيهات قومية لفكرة إيقاف نزيف الأموال أما فيما يتعلق بقضية الأموال المهربة رأيى الشخصى أن البلاد الغربية الأوروبية والأمريكية تلاعبنا فى هذا الملف بالبيضة والحجر . فأحياناً يقولون لنا إننا لم نتلق أى طلب رسمى لاسترداد الأموال، ثم يعودون ويقولون لقد تقدمتم بطلب، ولكن القانون البريطانى لا يسمح بتسليم هذه الأموال إلا بموجب حُكم قانونى قضائى، وبعد أن يثبت أن هذه الأموال منهوبة وأن الناهب ارتكب جريمة ونقول لهم لدينا حكم نهائى يقولون: لا فهذه الأحكام لا تلزمنا لأننا لسنا على يقين بعدالة الإجراءات المحاكمة . وبالفعل هناك مبادرات أخرى، فقد تم تشكيل لجنة برئاسة شخص مهم وهو المستشار المهدى من أجل استرداد الديون، وهذه اللجنة تحتاج إلى دعم شعبى من كافة الخبراء المهتمين بهذا الشأن. س / كيف يمكن أن تكون حرية الصحافة مسئولة حتى تؤدي دورها المنوط بها؟ وهل حرية الصحافة يجب ألا يكون لها سقف؟؟ * فى رأيى يجب أن لا يكون للصحافة سقف لأننا خارجون من نظام كان يستخدم أساليب كثيرة لتقييد حرية الصحافة، وبالتالى علينا أن نحررها من بعض العيوب، وبالوقت سيكون القارئ هو الحكم الذى سيتعرف على أى نوع من أنواع الصحافة الصفراء ويجب أن نتأكد من أن المواطن المصرى الكريم يستطيع أن يميز بين الكلام الصادق وغيره من الكلام، ويستطيع أن يعلم هل هو بصدد رأى موضوعى أو حملة مغرضة، دع الجميع يتكلمون، والمواطن سيحكم، وسيأخذ الكاتب الموضوعى نصيبه من الاحترام ومن القراء أضعاف مضاعفة من أنواع الكتّاب الأخرى، والجريدة البيضاء سيكون نصيبها من القراء أكثر من الجريدة الصفراء. س / كيف تفسر الوضع فى سيناء؟ وهل ترى أن قطاع غزة أصبح أكثر خطورة من ذى قبل ويهدد الأمن القومى لمصر؟ * مشكلة سيناء لن تُحلَّ إلا بعد تعديل البند الرابع من اتفاقية كامب ديفيد، والتعمير فى سيناء لن يأتى إلا إذا كان هناك أمن، والأمن أيضًا لن يأتى إلا بتعديل البند الرابع من اتفاقية كامب ديفيد، والحلول السريعة بسيناء تشمل تحسين أنواع الخدمات البسيطة ل400 ألف مواطن بسيناء والذين يشكون من أن حياتهم غير آدمية وحل مشكلة أنفاق قطاع غزة هو فتح معبر رفح مثلما يحدث فى معبر السلوم، ونطبق كل القواعد والقوانين التى تطبق فى كل الموانئ والمعابر الحدودية على معبر رفح وبالتالى عندما نقوم بهذا ونغلق الأنفاق فإن ضمائرنا ستصبح فى كامل الارتياح.