كان من الضروري أن يبادر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود من نفسه بالاستقالة من منصبه عند أول هتاف من الثوار بإقالته حتى لو تمسك به المجلس العسكري ومن بعده الرئيس مرسي تفاديًا لتلك اللحظة المحرجة له شخصيًا ونفسيًا عندما يكون تركه لمنصبه مطلبًا من فئات شعبية. لو تمسك النائب العام بالقانون ورفض صيغة خروجه بتعيينه سفيرًا في الفاتيكان وبقى في كرسيّه فإن بقاءه لن يكون كريمًا له كما أنه قد لا يستطيع ممارسة عمله بما يجب أن يكون عليه بعد أن تكاثرت الانتقادات بعدم تقديم قضايا قتل الثوار مكتملة الأدلة والشهود للقضاء لذلك يكون مصيرها البراءة. وكان مهم لكل من أقيلوا من كبار المسؤولين أن يحفظوا كرامتهم ويستقيلوا من أنفسهم، وهذه نصيحة لمن مازال منهم في منصبه بأن ينتهز اللحظة ويكون أذكى ويرحل، لكن تقديري أن المصري عاشق للمنصب لأنه يوفر له فرصة ممارسة الفرعونية التي هي "جين" أصيل داخل مكونات كل مصري عندما يجلس على الكرسيّ. حتى المشير طنطاوي نفسه لم يحافظ على اسمه وقيمته اللذين تضررا بعد قرار الرئيس بإحالته للتقاعد ومعه الفريق سامي عنان، لكن الأثر على طنطاوي أكبر لأنه كان عمليًا رئيسًا لمصر طوال 16 شهرًا وخلال الثورة كان الشخص الأهم في مصر - وليس مبارك ولا ابنه جمال - لأن طنطاوي باعتباره وزيرًا للدفاع كان صاحب القرار في الجيش الذي كان يسيطر على الدولة وعلى كل المراكز الحيوية فيها وبلا شك فإن انحياز الجيش للثورة أو حتى وقوفه على الحياد كان عاملاً مهمًا فى رفع الروح المعنوية للثوار ودعم موقفهم وتمسكهم بالبقاء في التحرير وحماية ظهرهم وتشجيع قوى وجماعات وأفراد للانضمام إلى الثورة وبالمقابل فقدَ مبارك ورقة وجود الجيش إلى جانبه ضد الثورة بعد أن سقطت ورقة الشرطة وتهاوى حزبه الحاكم. كان ضروري على المشير بعد أن يسلم السلطة للرئيس مرسي يوم 30 يونيو الماضي أن ينسحب بمبادرة منه بدل أن يحلف اليمين وزيرًا للدفاع في حكومة هشام قنديل بعد أن كان الوزراء ومنهم قنديل يحلفون أمامه وبعد أن كان هو الرئيس على مرسي نفسه لكنه تمسك بكرسي الوزير الذي صار ضيقًا عليه حتى جاء حادث رفح فاستفاد منه مرسي وأخرجه بطريقة كريمة ظاهريًا لكنها ليست كذلك في الحقيقة، فلو كان ترك المنصب من نفسه فور تسليمه السلطة لكان في حال أفضل كثيرًا جدًا. لا أحد يتعلم من أخطاء السابقين عليه، أو من رأس الذئب الطائر. المستشار عبد المجيد محمود له احترامه وتقديره لكن تم تعيينه من النظام السابق واسمه سيظل مرتبطًا بهذا النظام حتى لو كان مستقلاً بحكم منصبه وطبيعة عمله وحتى لو كان متفانيًا في أداء واجبه وبالتالي عليه أن يفكر جديًا في منصب السفير حتى لو كان القانون يحصنه ضد العزل أو الإقالة من منصبه، أو المساعدة في التوصل لحل وسط قبل حدوث أزمة عنيفة لا نريدها أن تكون مع القضاء الذي يجب أن يظل بعيدًا عن صراعات السياسة والسياسيين. هناك نظام قديم يفترض أن يكون قد زال بكل رموزه ورجاله لكن هذا لم يحدث فالذي سقط هو رأس النظام بينما ظل الجسد كله على قيد الحياة في حماية المجلس العسكري الذي لم يتحرك منذ تقلد المسؤولية يوم 11 فبراير 2011 لإزالة هذا النظام ولو بالتدريج حيث أبقى عليه بل وفر له الحماية ونتائج ذلك تتمثل في البراءات في القضايا المتعلقة بالشهداء وفي الانفلات الأمني والبلطجة وتفاقم الأزمات التي ترهق البلاد. تخيلوا ماذا يمكن أن تكون الأجهزة التي بقيت بشخوصها ومسؤوليها وانتمائها لمبارك فعلت في أدلة القضايا المتعلقة بالثوار؟!. بقي نظام مبارك كما هو في ظل حكم المجلس العسكري فمارس الفساد والتخريب حتى أوصل قطاعات من المصريين إلى النفور من الثورة وحتى كاد واحد من رموزه - أحمد شفيق - أن يصبح رئيسًا. مرسي يتحرك لاتخاذ قرارات ضرورية لكنه تحرك بطيء ولا يتناسب مع كونه رئيسًا ثوريًا، لكن مع ذلك فإن المدهش أن هذا الرئيس وعلى بطئه إذا تحرك واتخذ قرارًا فإن المناكفين والمتربصين به يعارضون قراراته ويشككون في أهدافها ومنها القرار الأخير بخصوص النائب العام، الذي يؤشر إلى بروز أزمة جديدة في بلد يفيض بالأزمات.