نخبة الإعلام والعلاقات العامة يجتمعون لمستقبل ذكي للمهنة    موسكو: الاتحاد الأوروبي سيضطر لمراجعة نهجه في العقوبات ضد روسيا    وزارة الشباب والرياضة تحقق أهداف رؤية مصر 2030 بالقوافل التعليمية المجانية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    وخلق الله بريجيت باردو    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    بداية تحول حقيقي، تقرير صادم عن سعر الذهب والفضة عام 2026    ولفرهامبتون يحصد النقطة الثالثة من أرض مانشستر يونايتد    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    طقس رأس السنة.. «الأرصاد» تحذر من هذه الظواهر    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    زيلينسكي يناقش مع ترامب تواجد قوات أمريكية في أوكرانيا    الخارجية القطرية: أمن السعودية ودول الخليج جزء لا يتجزأ من أمن قطر    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    نتائج الجولة 19 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. تعادلات مثيرة وسقوط مفاجئ    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    قيس سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية يناير 2026    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    طرح البرومو الأول للدراما الكورية "In Our Radiant Season" (فيديو)    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    أمين البحوث الإسلامية يتفقّد منطقة الوعظ ولجنة الفتوى والمعرض الدائم للكتاب بالمنوفية    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادة المشير..حبل من الحرير حول عنق مبارك
نشر في المصريون يوم 14 - 08 - 2011

غدا الاثنين 15 أغسطس هو موعد الجلسة الثانية لمحاكمة مبارك، وللمرة الثانية سنراه في القفص، لكن هل سيكون نائماً على السرير نفسه، أم جالساً بجوار وزير داخليته الأسبق حبيب العادلي، أم واقفاً بجوار ابنيه علاء وجمال؟. مبارك بدا في الجلسة الأولى بحالة صحية معقولة ، بعكس ما ظل يروج له محاميه فريد الديب بهدف استدرار عطف المصريين عليه، والملاحظ أنه منذ هذه الجلسة وبعد نقله الى المركز الطبي العالمي لم يعد أحد يتحدث عن صحته ،كما اختفت مثل هذه الأخبار من الإعلام المصري لأنها صارت مكشوفة ما يشير الى فشل خطة المحامي. وبعد الظهور التاريخي لمبارك في القفص كأول رئيس عربي يحاكمه شعبه، وما قيل حول إنه صار في حالة نفسية أفضل أي أنه تجاوز تلك الصدمة، فهل يواجه المحاكمة ويقوم من سريره ويتحدث ويدافع عن نفسه ويكشف كل ما لديه من أسرار طالما هو أنكر بشكل جازم في الجلسة الأولى كل التهم الموجهة إليه؟. هذا ما سنعرفه في جلسة الاثنين التي نتمنى أن يمنع الأمن فيها أي احتكاكات خارج المحكمة كما حصل في الجلسة الأولى في مشهد غير حضاري حتى لو اضطر لاستخدام القوة، فهذه محكمة وليست معركة حربية واحترام المحكمة لا يجب أن يكون داخل القاعة فقط إنما يمتد لخارجها خصوصاً أن العالم كله يتابعها ولابد أن تقدم مصر صورة تليق بها وبثورتها في هذه المحاكمة .
في الجلسة القادمة سننتظر ما سيعلنه القاضي بشان أهم مطلب ل فريد الديب باستدعاء المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة للشهادة في القضية، فهل سيوافق القاضي ،أم لا؟. وإذا وافق هل سيحول الجلسة الى سرية أم ستستمر على علنيتها؟.المشير عملياً يمارس الآن مهام الرئيس ولو تمت الشهادة فإننا سنكون أمام مشهد تاريخي جديد وهو رئيس في السلطة أمام رئيس خارج السلطة وداخل القفص. إنها تجليات الثورة المصرية العظيمة.
يذكر أن مسئولا أمنيا كان قد قال إن المشير طنطاوي مستعدٌّ للإدلاء بشهادته في حال استدعائه ، لكن تم نفي هذا التصريح . وأتصور أن النفي لا يعني أن طنطاوي غير مستعد للشهادة، إنما النفي من باب أن القاضي لم يقرر الاستدعاء من عدمه، وبالتالي كان كلام المسئول الأمني هو استباق لشيء لم يتقرر بعد.
فريد الديب محامٍ متمكّن وهو يعمل في قضاياه باحترافية وأتصوّر أن قضية مبارك ستكون الأهم في حياته فهو يُدافع عن أول رئيس عربي أسقطه شعبه في ثورة وقف العالم إعجاباً لها، وهذا الشعب هو الذي يُحاكمه، لكن أمام قضاء طبيعي ومحكمة تتحرّى النزاهة والشفافية والاستقلالية بعلنية الجلسات التي بدأت وسيُتابعها العالم لحظة بلحظة وباهتمام كبير، ما يعني وجود محكمة أخرى موازية تنظر القضية وهي محكمة الرأي العام. والجلسة الأولى أدارها القاضي بكفاءة لكن نتمنّى منه في الجلسات التالية أن يكون أكثر حسماً مع المحامين عن المتهمين ، وعن المدعين بالحق المدني، بأن يجعلهم يلتزمون بالجلوس في كراسيهم بدل الوقوف، وأن يتحدثوا بنظام، ولا يختطفوا الميكرفون من أيادي بعضهم بعضاً.فكما نريد أن يكون الوضع مثالياً خارج المحكمة نريده كذلك داخل المحكمة.
نُريد من القاضي الجليل الحزم لكن ليس على طريقة قاضي محكمة صدام الذي كان يدخل الجلسة وهو يستشيط غضباً من المتهمين ومحامييهم وينتظر هفوة بسيطة ليُوبخهم ويُعنفهم ويُعاقبهم، فهو لم يكن قاضياً إنما ناظر مدرسة المشاغبين ولذلك فقدنا الاحترام للمحكمة، وفهمنا مبكراً أنه يمثل دور القاضي وأن أحكاماً قاسية كتبها الاحتلال وأعوانه من العراقيين للتشفي والثأر من المتهمين لذلك ضيّع فرصة ذهبية لتأكيد أن العدالة العمياء ستكون أحد عناوين العراق الجديد.
مصر الثورة تسير بمحاكمة مبارك على الطريق الصحيح، وأتمنّى أن تكون محاكمته والمتهمين معه نموذجاً لفخر المصريين بقضائهم العادل لأن ذلك سيبعث برسالة اطمئنان وثقة للعالم بأن الحق لا يضيع في مصر، وهذا سيشجع المستثمر الأجنبي على المجيء بأمواله حيث لن يخشى عليها أو على مشروعاته.
من المؤكد أن خطة الدفاع عن مبارك التي أعدّها الديب تمّت بموافقة الرئيس المخلوع أو زوجته سوزان وهي سيدة ليست سهلة وواضح أن طلبه شهادة المشير وراءه هدف معيّن وأسئلة محدّدة يريد طرحها للحصول على إجابات قد تفيده في الدفاع عن مبارك،لكن عليه أن يضبط حساباته جيدا في مثل هذه الشهادة لأنه من متابعة يوميات ووقائع وأحداث ومسار الثورة فإنه لا يوجد أمامنا ما يمكن أن يسيء للمشير وقادة المجلس العسكري،بل من الثابت أن الجيش حمى الثورة ووقف الى جانبها حتى نجحت ما يعني أنه شريك أصيل فيها.ومن هنا فإن شهادة المشير طنطاوي قد تكون بمثابة حبل من الحرير يدين مبارك ويلتف حول عنقه. وهي لو تمّت ستكون الشهادة الأهم في القضية، وأهم من شهادة عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع الذي بقي 14 يوماً فقط في المنصب واحترق خلالها سياسياً، وتقريباً لم يعد له مكان في مصر الجديدة غير البقاء في البيت للراحة ومداعبة أحفاده. سليمان كشف جانباً مما جرى في الغرف المغلقة قبل 25 يناير في أقواله خلال التحقيق معه بقضية قتل المتظاهرين ومعركة الجمل، لكن ربّما ما زال عنده المزيد من الأسرار نتمنّى أن نسمعها في شهادته لو استدعته المحكمة.
أما المشير فإنه لم يتكلم حتى هذه اللحظة حول ما جرى خلال أيام الثورة بحكم المسؤولية التي يتولاها، وقد يجد حرجا في أن يبوح بما لديه من أسرار حتى لو كانت تصبّ في مصلحته وتُبرز الدور الذي قام به وزملاؤه قادة المجلس العسكري لحماية الثورة من 25 يناير إلى 11 فبراير ، لكن لابد أن يأتي اليوم الذي يقول فيه كل شيء لأجل الحقيقة والتاريخ، لكن ما نعرفه أنه شارك في اجتماع وزاري يوم 22 يناير لتدارس الموقف ووضع السيناريوهات للتعامل مع مظاهرات 25 يناير، وهذا ما قاله عمر سليمان في تحقيقات النيابة معه حيث شارك في الاجتماع باعتباره رئيس المخابرات العامة، ولم يكن فيما كشفه سليمان عمّا حدث في هذا الاجتماع أي قرارات غير طبيعية إنما كانت خططاً أمنية لمواجهة المظاهرات إلا إذا كان هناك شيء سري وخطير لم يتطرّق إليه في أقواله.
وقد حاول محام لمبارك يدعى محمد عبدالوهاب توريط المشير في قضية قطع الاتصالات الهاتفية والإنترنت التي بدأت عشية جمعة الغضب 28 يناير فيما بدا أنها إشارة لها دلالة على ما يمكن أن تستهدفه شهادة فريد الديب لطنطاوي. ادعى المحامي أن اللجنة الوزارية التي اجتمعت قبل الثورة اتخذت قراراً بقطع الاتصالات باقتراح من المشير،جاء هذا الاتهام في سياق مذكرة الطعن التي قدمها هذا المحامي على حكم محكمة القضاء الإداري بفرض غرامة مالية بالملايين على كل من مبارك ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ورئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف والثلاثة محبوسون ويحاكمون في قضايا قتل المتظاهرين والفساد. وهذا المحامي ربما يسعى لجر طنطاوي الى القضية بتحميله مسؤولية القرار أو اعتباره طرفاً أساسياً فيه لإحراجه ووضعه في مواجهة الثورة والإيعاز بأن له دورا ما فيما جرى بعد ذلك من استهداف للمتظاهرين، لكن كما قلنا فإن مسار الثورة يؤكد نصاعة ثوب الجيش وحكمته في التعامل مع الثوار ويستحيل الشك في دوره الرائع في حماية الثورة ولولا ذلك ماكان جمال مبارك وزكريا عزمي ووراءهما مبارك الأب قد سعوا لإقالة المشير وأصدروا بالفعل قرارا لكنه لم ينفذ غصبا عنهم. هناك مصدر أمني نفي أن يكون للمشير له أي علاقة بقطع الاتصالات ثم نشرت الأهرام خبرا عن تسجيل هاتفي بين طنطاوي وبين مسئول كبير غالبا هو وزير الاتصالات يطلب فيه من المشير أن يعيد تشغيل الاتصالات فرد عليه بأن يتحدث مع الذي طلب منه قطعها ليعيدها بما يعني صراحة أن هناك مسئولا غير المشير هو الذي اتخذ القرار. وواضح أن تسريب هذا الخبر بعد النفي هدفه نسف أي مؤامرة مبكراً على المجلس العسكري ومنع البلبلة والقيل والقال. وإذا كان طنطاوي قد حضر الاجتماع الوزاري بحكم كونه وزيرا للدفاع فإننا نعرف أن حفظ الأمن الداخلي كان موكولا بشكل كامل لوزارة الداخلية وأن إدارة الأزمات المختلفة التي شهدتها البلاد قبل الثورة سواء كانت اعتصامات أو إضرابات أو أزمات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو معيشية أو طائفية كانت تدار بشكل أمني بالأساس من خلال الداخلية ثم تأتي السياسة متأخرة وكان يتم إبعاد الجيش عن أي تدخل في الشأن الداخلي ليس لإبعاده عن الشأن السياسي فقط فهو بطبيعة الحال لا يقحم نفسه بالعمل السياسي إنما لأنه وفي إطار مخطط التوريث ومن شعور مجموعة التوريث أن الجيش قد يكون غير راض عن هذه العملية فإنه كان يتم إبعاده تماما عن الشأن العام وبالمقابل تعظيم دور وزارة الداخلية ودور وزيرها حتى يمر التوريث كما كان مخططا له هذا العام 2011 في حياة الرئيس مبارك حتى يكون حاجزا ومانعا لأي رفض من الجيش أو تحرك من أي نوع ضد ما يجري.من هنا يكون مفهوما مشاركة الجيش للشعب المصري ثورته لأنها توافقت في أهدافها مع ماكان يشغل الجيش ورفعت الحرج عنه فيما لو كان قد اضطر للتدخل بشكل مباشر لمنع التوريث ، ومن هنا يكون مفهوما أيضا أنه كان يستحيل على قيادة الجيش أن تتورط في استخدام العنف ضد المتظاهرين.
مرّت مظاهرة 25 يناير كما توقع الاجتماع الوزاري حسب السيناريو الأول الذي وضعه الاجتماع وهو أن تنتهي بهدوء ، لكن ما خالف توقعات الاجتماع أن عدد المتظاهرين كان أكثر من حساباته ، وهذا ما قاله أيضاً العادلي وقادة الشرطة الذين يحاكمون معه، لكن ما لم يكن في الحسبان مطلقا هو طوفان المتظاهرين يوم "جمعة الغضب" 28 يناير، ففي هذا اليوم بدأت الثورة الحقيقية، ولذلك عجزت قوات الشرطة عن مواجهة الحشود فانهارت بعد أن نفد كل ما كان لديها من وسائل قمع ومنها الرصاص الحي وهي ارتكبت في هذا اليوم جريمة بشعة في حق المصريين بسقوط مئات الشهداء وألوف الجرحى وعدد هائل من المعتقلين. وحسب التحقيقات مع العادلي وضباط الداخلية وكل من كانت لهم علاقة بالأحداث فإن أحدا منهم لم يذكر أنه عُقدت اجتماعات وزارية أو أمنية أو طارئة بعد يوم 25 يناير حتى يوم 28 يناير يوم "جمعة الغضب" مع مبارك أو مع رئيس الوزراء أحمد نظيف قبل إقالته . وواضح أن مبارك كان يعتمد فقط في إدارة الوضع الأمني على وزير داخليته القوي حبيب العادلي حيث كان الخط الساخن نشطاً بين الرئاسة وبين مكتب العادلي، ونُقل عن مبارك قوله لمن حذّروه من خطورة الموقف إن " البلد ممسوكة كويّس " في إشارة إلى تطمينات العادلي له بأن كل شيء تحت السيطرة، طبعاً بالعنف والقمع .
ولا نجد فيما قرأناه من محاضر التحقيقات مع المتهمين من كبار رموز النظام ما يمكن أن يمس المشير بسوء خلال أيام الثورة من موقف معاد لها. ومشاركته مع آخرين في اجتماع 22 يناير هو أمر طبيعي أن يكون على رأس الحضور بحكم منصبه الوزاري. قد تكون جرت اتصالات هاتفية بينه وبين مبارك، وربّما عُقدت اجتماعات لم يُعلن عنها، لكني أستبعد ذلك، فمبارك ونجله كانا مطمئنين إلى أن حبيب العادلي قادر على حفظ النظام والأمن في مصر بمفهوم قمع أي مظاهرة وتلقين من يشاركون فيها دروساً تجعلهم لا يعودون إليها مرّة أخرى، وبالتالي فهما ليسا في حاجة للجيش، لكن يشاء ربك أن غليان السنوات العشر الأخيرة بالذات في عهد مبارك جعلت الملايين يخرجون في "جمعة الغضب" وما بعدها حتى الإطاحة به وبنظامه الهش الفارغ الذي كان يُدار بمنطق دوّار العمدة كما قال اللواء محمود خلف، وقد اكتشفنا أننا كنا مخدوعين في نظام كان يُقدّم نفسه على أنه قوي ومتماسك وصلب فإذا به ينهار مع انهيار جهاز الشرطة القمعي، ثم لمّا يُحاول أن يقول: أنا ما زلت موجوداً يتم ذلك بالبلطجية والخيول والجمال والحمير في "موقعة الجمل" الفضيحة .
اضطر مبارك الساعة الرابعة يوم 28 يناير أن يطلب من الجيش النزول للشوارع. لكن ماذا كانت طبيعة أمر أو توجيه مبارك القائد الأعلى للقوات المسلحة للجيش آنذاك ..هل هو حفظ الأمن وتأمين المنشآت الحيوية والحساسة فقط، أم إلى جانب ذلك سحق المتظاهرين والمعتصمين في التحرير والإسكندرية والسويس والمحافظات ؟. هذا هو السؤال المهم، لأن هناك أقوالاً مثل :إن مبارك طلب من الجيش تفريق المتظاهرين ولو بإطلاق النار عليهم، ولذلك نُريد من المشير في شهادته إذا تمّت أن يُؤكّد أو ينفي هذا الكلام. لكني أميل إلى تصديق طلب مبارك استخدام القوة مع المتظاهرين، ويدعم ذلك ما كشفه مؤخراً لجريدة "الفجر" د. حسام بدراوي الأمين العام السابق للحزب الوطني المنحل الذي عيّنه مبارك في المنصب بعد إقالة صفوت الشريف ضمن محاولاته اليائسة لإنقاذ نظامه لكنه لم يُكمل أسبوعين واستقال حيث قال إنه خلال لقاء مباشر له مع مبارك رفض التنحي وكان في قمة عناده رغم اقتراب الثوار من قصره، وكشف بدراوي أن مبارك أكّد له أن الثوار لو اقتربوا من القصر فالحرس الجمهوري سيقتلهم من غير رحمة، فردّ عليه بدراوي: " هذا الأسلوب سيُعطي مبرّراً للشعب لكي يقتلك".
الجيش استقبل بحفاوة بالغة من المتظاهرين ومن الشارع ووصل هتاف "الجيش والشعب إيد واحدة" عنان السماء ،ومهما كانت الأوامر الحمقاء من مبارك للجيش فإن قيادته العاقلة الوطنية لم تكن لتستجيب لقتل مصريين يتظاهرون سلميًّا ولهم مطالب مشروعة كما أن تاريخ الجيش الوطني لا يُمكن أن يُلوّث بدم مواطن مصري واحد والأهم أن قيادة الجيش كانت مُدركة لكل أسباب اندلاع الثورة ومتفهمة لها ومقتنعة بها، فالجيش وقادته جزء من الشعب ويُعانون كما يُعاني الشعب، ولذلك حمى ثورة الشعب وظل إلى جوار الثورة حتى سقط الديكتاتور. عن ماذا- إذن - سيسأل محامي مبارك المشير؟. هل سيسأله لماذا لم تقتل المتظاهرين من أجل بقاء مبارك في الحكم سنوات أخرى، ثم يرثه ابنه من بعده ؟. أم سيسأله لماذا لم تُخل الميدان يوم "موقعة الجمل" بمشاركة بلطجية الوطني وخيوله وجماله وبغاله بالعدوان على المتظاهرين المسالمين ؟ . الجيش في هذا اليوم العصيب وقف على الحياد بين بلطجية النظام المعتدين وبين المعتصمين المعتدى عليهم حتى لا يُقال إن جيش مصر والشعب انحاز لطرف دون الآخر رغم أنه لو انحاز سيكون معه الحق لأنه ينحاز للمجني عليه ضد الجاني .
الحقيقة أن أداء قادة المجلس العسكري خلال الثورة وحسب ما تسرّب من معلومات أو مواقف حتى الآن يرفع كفة الجيش لأعلى، فالثورة لم تكن لتنتصر وتُسقط الديكتاتور إلا بحماية الجيش لها.
من التسريبات اللافتة والمهمة أيضاً أن المشير ومعه عمر سليمان نائب الرئيس آنذاك والفريق أحمد شفيق عندما كان رئيسا للوزراء طالبوا مبارك بضرورة التنحّي ومغادرة السلطة لأن الوضع لم يعد يحتمل بقاءه، ومثل هذا الطلب الجريء لرئيس ديكتاتور يقف حوله ابنه وزوجته ورئيس ديوانه ورموز نظامه الذين كانوا يعملون المستحيل حتى لا تغرق السفينة لأنهم سيغرقون معها كان يُعدّ مجازفة من الثلاثة قد تترتّب عليها مخاطر كبيرة قد تلحق بهم .ولنتذكر مرة أخرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة انعقد وأصدر بيانه الأول الخميس 10 فبراير بدون رئاسة مبارك القائد الأعلى حيث أيّد المطالب المشروعة للشعب أي أنه أكّد انحيازه الصريح للثورة، وإعلانه أنه في حالة انعقاد دائم كانت إشارة صريحة إلى أن ورقة مبارك قد سقطت، وهذا الموقف كان قمّة التأكيد على الدور البطولي الذي اتخذه الجيش لأجل الثورة .
شهادة المشير لو تمّت ستكشف لنا عن دور وطني قدّمه هذا الرجل وزملاؤه لمصر وشعبها وثورتها، ونحن في انتظار هذه الشهادة التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.