عندما كنت أتابع التنسيق بين أحزاب المعارضة قبيل أن يعلن الرئيس مبارك مبادرته بالتعديل الدستوري على المادة 76 من الدستور ، في أوائل العام الجاري ، و ما يبديه الآن أمين عام أحد الأحزاب السياسية اليسارية من استعلاء و تنطيط كلما سمع كلمة "التحالف" أو "تنسيق" مع الإخوان ، و كأنه قد أصابه مس من الجن تذكرت المفكر السياسي الكبير الأستاذ عادل حسين !. لم يستمد رحمه الله تعالي عبقريته السياسية والاقتصادية من كونه أمينا عاما لحزب العمل إذ في مصر العشرات من أمناء ورؤساء أحزاب لا يكاد يسمع عنها ولا عنهم أحد والعدد في الليمون كما يقولون و تحولوا إلي عرائس بلاستيكية علي مسرح الحكومة الهزلي أو إلي ثلاث ورقات لعبت بهم الحكومة في مولد سيدي الحوار الوطني ، ثم في الاستفتاء على التعديل الدستوري ثم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عادل حسين كان حاجة ثانية كان طيب الله ثراه حدوته مصرية .. كان يعلم أن الشارع المصري والعربي علي وجه العموم شارع إسلامي والأحزاب القائمة لن يكون لها وزن ولا ثقل ولا قيمة إلا إذا أخذت هذا الشارع في اعتبارها فحاول أن يفتح أبواب الحزب لاستقطاب الإسلاميين. كانت المشكلة أمامه في إقناع القيادات السلفية بجدوى الانتظام في الأحزاب القائمة و جعل من حزبه مركزاً تنطلق من أروقته رؤى ومشاريع نهضوية تعتمد علي الإسلام الحضاري ونجح بالفعل في أن يكون حزبه في قلب اهتمامات التيار الإسلامي إما بالمشاركة وإما بالتعاطف والتأييد من علي بعد. ورأيت عبد الرحمن بن لطفي ابن خالة قاتل السادات خالد الاسلامبولي أميناً لحزب العمل لإحدى محافظات الصعيد والقيادي الجهادى السابق كمال حبيب عضواً منتخباً في اللجنة التنفيذية لحزب العمل وحصد أصواتاً أعلي مما حصل عليها الأمين العام عادل حسين ورئيس تحرير جريدة الشعب الأستاذ مجدي حسين في أخر انتخابات نظمها المؤتمر العام للحزب قبل تجميده عام 2000. ودخل حزب العمل انتخابات عام 1987 متحالفاً مع الإخوان المسلمين تحت لافته "الإسلام هو الحل" واتت رؤية عادل حسين ثمارها وأثبتت صدق توقعاته إذ حصد التحالف الإسلامي ولأول مرة منذ عودة الأحزاب عام 1977 ما يقرب من ربع مقاعد البرلمان وكانت فكرة "الإسلام الحضاري" عند عادل حسين فكرة يعي تماماً مضمونها وتضاريسها وحدودها إذ بادر بالتنسيق مع الإخوان إلي دعوة الأقباط في الانتظام في قائمة التحالف الإسلامي وبالفعل انضم إليها الناشط القبطي المعروف جمال أسعد عبد الملاك وحملته أصوات الإسلاميين ليكون أول فاتح لمقعد قبطي بمجلس الشعب بل أعاد عادل حسين التجربة في الانتخابات الأخيرة التي نظمت في حضانة مؤتمره العام الأخير وفاز في عضوية اللجنة التنفيذية عضوان قبطيان وهما جورج إسحاق وصديقي العزيز هاني لبيب فيما خسر في نفس الانتخابات مسلمون كان لهم ثقل كبير داخل حزب العمل مثل ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل حالياً وأحمد شكري نجل رئيس الحزب المهندس إبراهيم شكري أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية رغم أنهما كانا يتمتعان بكتلة انتخابية كبيرة. كان عادل حسين رحمه الله بصيراً وسط عميان لا يرون إلا مصالحهم الخاصة يهدرون قيمة قوي اجتماعية وسياسية بل ويشاركون الحكومة في فرض طغيانها واستبدادها عليها و حرمان البلد مما تتمتع به من تعدد وتنوع سياسي واجتماعي من شأنه متي أخذ به أن يُثري الحياة السياسية المصرية ويرد لمصر هيبتها التي ضاعت بين الأمم وذلك نظير مقعد أعمي لا قيمة له في مجلس الشعب . رحم الله عادل حسين .. ويبدوا أن الله تعالي شاء أن يتوفاه رحمة به وإكراما له قبل أن يري نفسه مضطراً للجلوس بين صبية صغار عمرهم وعقلهم السياسي أقل من أن يلتحقوا في "كي جي وأن" سياسة وقريباً جداً يركلهم الحزب الوطني ويصفهم ويتهكم عليهم ويسخر منهم وسيجعلهم قصصا وأحاديث وسيكون حينئذ محقاً إذ أن الأهبل لا يستحق إلا التجريس والتريقة.