لا أحد ينكر أن الجولات الخارجية التى قام بها الرئيس مرسى للعديد من دول العالم الخارجى تعتبر الخطوات الأولى فى طريق استعادة مصر لدورها الإقليمى ومكانتها الدولية، حيث أعطت هذه الجولات إشارات مصرية لدول العالم الخارجى أن مصر يوجد بها الآن قيادة جديدة وصاعدة لها وزنها على الساحة الخارجية ولا تقبل بأى إهانة لكرامة المواطن المصرى خارج أرضه. وقد اختلفت علاقة مصر بالعالم الخارجى من فترة زمنية لأخرى باختلاف القيادة السياسية التى حكمت مصر، ففى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال الفترة ما بين عام 1952حتى عام 1970، تميزت علاقة مصر بالعالم الخارجى بالقرب من المعسكر الشرقى، والذى كان يقوده الاتحاد السوفييتى قبل انهياره، فى مواجهة المعسكر الغربى الذى تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقادت مصر مع يوغوسلافيا والهند حركة عدم الانحياز، وقامت الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 حتى عام 1961 تحت مسمى "الجمهورية العربية"، وشاركت مصر فى عهد عبد الناصر فى كثير من حركات التحرر فى الوطن العربى خاصة فى الجزائر واليمن التى كان لمصر الدور الفاعل فى ثورات هذه الدول. كان لمصر ثقل دولى، وحضور كبير على الساحة العالمية، وينظر إليها على أنها قوة ناهضة فى طريقها للحاق بركب الدول العظمى. عهد السادات بعد وفاة عبد الناصر، وتولى أنور السادات مقاليد الحكم، كانت بوصلة سياسته تتجه نحو المعسكر الغربى الذى تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقام بطرد الخبراء السوفييت من مصر، وارتبط بعلاقات وثيقة مع الولاياتالمتحدة، ثم كانت الفاجعة بعقد معاهدة سلام مع العدو الصهيونى واعترافه بدولة إسرائيل المقامة على فلسطينالمحتلة، وهو الأمر الذى بسببه قطعت كل الدول العربية علاقاتها بمصر، وانتقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وعاش السادات أيامه الأخيرة ومصر فى عزلة تامة عن شقيقاتها من الدول العربية. عهد حسنى مبارك شهدت مصر خلال فترة عهد مبارك التى امتدت ثلاثة عقود تراجعًا كبيرًا فى دورها العربى والإقليمى والدولى، وتقربت مصر بشدة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وصلت إلى حد التبعية الكاملة لأمريكا، فدخل فى التحالف الدولى ضد العراق عام1990، ونفذ سياسات أمريكا فى المنطقة العربية، التى أدت إلى انهيار دور مصر تمامًا على الخريطة الدولية، وانتهى دورها الريادى للأمة العربية.. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تقربت مصر بشدة من إسرائيل، وهى العدو الأول لمصر، وقام الرئيس المخلوع حسنى مبارك بتعيين أحد القادة الإسرائيليين وهو بنيامين بن إليعازر مستشارًا خاصًا له مقابل مرتب شهرى بآلاف الدولارات، ووصلت العلاقات المصرية الإسرائيلية إلى حد الصداقة الشديدة.. وتناسى الرئيس السابق مبارك القضية الفلسطينية، وتراجع دور مصر الدولى فى العالم العربى والإسلامى. وفى التسعينيات من القرن الماضى خسرت مصر علاقتها مع القارة الإفريقية بعد تعرض الرئيس السابق مبارك إلى محاولة اغتيال عام 1995 فى أديس أبابا بإثيوبيا، وبعد هذا الحادث أغلقت البوابة المصرية فى وجه القارة الإفريقية. ومع بداية الألفية الثانية فى مصر لعب جمال مبارك - نجل الرئيس السابق- دورًا هامًا فى سياسة مصر الخارجية، وأصبح التوجه الخارجى لمصر هو كيفية إقناع الولاياتالمتحدة وإسرائيل بقبول جمال مبارك رئيسًا لمصر خلفًا لوالده مع تعهد نظام مبارك الأب بالاستمرار فى دور الحليف المصرى لأمريكا وخدمة المصالح الغربية. ولم تراع السياسة الخارجية لمصر فى عهد مبارك الحفاظ على المصريين بالخارج، وتوعية السفارات المصرية بأهمية الوقوف إلى جانب أبناء مصر فى الخارج، وتحولت السياسة الخارجية لمصر إلى التخديم على مصالح النظام السابق ورجال الأعمال الذين يدورن فى فلكه.. ولكن لم يستمر هذا الدور المتدنى لمصر، ورفض الشعب المصرى تراجع الدور المصرى على المستوى الدولى، وكان لابد من استعانة مصر دورها عن طريق تطهير مصر من نظام مبارك الفاسد. الرئيس مرسى كان من أهم نتائج ثورة يناير2011 أن أطاحت بنظام حسنى مبارك، وتولى القيادة فى مصر الرئيس محمد مرسى بعد انتخابات حرة نزيهة شهد بها العالم بأكمله، ولأنه رئيس منتخب بإرادة شعبية حرة بدأ الرئيس مرسى فور توليه حكم مصر القيام بعدة جولات خارجية هدفها استعادة مصر مكانتها الدولية على الساحة العالمية، وقد شملت جولات الرئيس مرسى الخارجية عدة دول إفريقية وأوروبية وآسيوية منها إثيوبيا وإيطاليا والصين وتركيا والولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران والسعودية. وقد أجمع الخبراء على أن هذه الجولات كانت إيجابية وفعالة، ووضعت اللبنة الأولى لاستعادة مصر مكانتها الدولية، فقد ألقى الرئيس مرسى بخطاب تاريخى فى قمة عدم الانحياز بإيران شهد له الجميع.. ووجه انتقادات عنيفة للنظام السورى وبشار الأسد، وكان خطابه من دولة حليفة لسوريا وهى إيران، وأعلن مرسى فى خطابه أن مصر دولة قوية ولا تخضع لأحد، وأن القيادة المصرية الآن من الشعب وإلى الشعب وستعمل على تحقيق مصالحه، ثم تبع خطاب مرسى فى إيران خطابه التاريخى فى الجمعية العامة للأمم المتحدةبالولاياتالمتحدةالأمريكية، والذى أعلن فيه أيضًا استنكاره الفيلم المسىء للرسول ووقوف مصر إلى جانب الشعب السورى، وأن مصر تتخذ قرارها بمحض إرادتها دون إملاءات من أحد.. كما أعلن مرسى وقوف مصر إلى جانب الشعب الفلسطينى والعمل على حل أزمة القضية الفلسطينية، وركزت زياراته لإيطاليا والصين والسعودية وتركيا على زيادة التعاون الاقتصادى بين هذه الدول ومصر، كما قدمت تركيا قرضًا لمصر بقيمة مليارى دولار. وجاءت زيارة الرئيس مرسى لإفريقيا لرأب الصدع فى العلاقات المصرية الإفريقية التى سببها النظام السابق. وفى إطار ذلك رصدت "المصريون" آراء الخبراء والمحللين فى نتائج جولات الرئيس محمد مرسى الخارجية، وهل ستعيد لمصر دورها الإقليمى والدولى بعد تدهور وضع مصر خارجيًا فى عهد النظام السابق. د. مصطفى اللباد: مرسى حوّل علاقة مصر بأمريكا إلى علاقة ندية بعد أن كانت تبعية ومنبطحة فى عهد مبارك فى البداية أكد الدكتور مصطفى اللباد، رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية، والخبير فى الشئون الإيرانية والتركية، أن الزيارات الخارجية التى قام بها الرئيس محمد مرسى لبعض دول العالم تمثل تحركًا إيجابيًا لمصر على الساحة الدولية بعد تراجع دورها خلال ثلاثين عامًا مضت.. وأشار اللباد إلى أن الزيارات الأخيرة التى قام بها الرئيس مرسى لكل من تركيا وإيران ستوسع هامش المناورة الإقليمية لمصر فى المنطقة، وأن الزيارة التى قام بها الرئيس مرسى لتركيا إيجابية لأنها ستزيد من حجم العلاقة بين مصر وتركيا، ولكن فى النهاية الدول تقرر تعاونها مع بعضها حسب مصالحها، وأنه يجب على القيادة المصرية أن تبلور خطة للتعاون الاقتصادى بينها وبين تركيا، وأن فتح باب التجارة على مصراعيه بين مصر وتركيا سيكون فى صالح تركيا أكثر من مصر.. ونوه إلى وجود تطور إيجابى فى السياسة الإقليمية لمصر فى عهد الرئيس مرسى، والتى تقوم على لغة المصالح المشتركة بين مصر والدول الإقليمية مع التقليل من حجم المتناقضات بينهما. وشدد اللباد على أنه مع عدم وجود خطة واضحة للتعاون بين الدول تنتهى العلاقات بانتهاء الزيارات، وأنه لابد من وضع تصور واضح وأسس جيدة للسياسة الخارجية لمصر بعد الثورة، خاصة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث اتسمت علاقة الرئيس السابق بأمريكا بالانبطاح والتبعية، بينما الزيارة الأخيرة التى قام بها الرئيس مرسى مؤخرًا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تدل على أن العلاقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر أصبحت علاقة ندية وتغيرت الصورة القديمة عن مصر. وأخيرًا أكد اللباد أن جولات الرئيس مرسى التى قام بها للخارج هى جولات إيجابية وتضع مصر على خريطة السياسة العالمية. السفير محمود شكرى: السياسة الخارجية للرئيس مرسى توحى بمؤشرات قوية لاستعادة مصر دورها الإقليمى والدولى من جانبه أكد السفير محمود شكرى، سفير مصر السابق فى سوريا، أن عودة مصر لدورها القيادى فى المنطقة العربية ومكانتها الدولية يحتاج إلى عدة مقومات أساسية أهمها الاستقرار الداخلى، ووجود حكومة قوية واقتصاد قوى، ووجود أهداف إستراتيجية تحددها من خلال تعاونها مع الدول القومية. وأشار شكرى إلى أن الهدف من زيارات الرئيس مرسى للخارج هو إيجاد صلات مع دول العالم الخارجى وإبلاغهم أن هناك قيادة جديدة فى مصر، وأن عصر الاستسلام للغرب قد انتهى، وأن السياسة الخارجية للرئيس مرسى توحى بأن هناك نوعًا من المؤشرات القوية لاستعادة مصر دورها الإقليمى والدولى، فاستمرار العلاقة القوية لمصر بإفريقيا عبر إقامة مشروعات مشتركة مع دولها تضمن الحفاظ على استمرار تدفق مياه النيل إلى مصر. وأضاف شكرى أن مصر تدين ما يحدث فى سوريا من نظام بشار الأسد، وأن التدخل العسكرى فى سوريا حتى لو كان بقوات عربية هو شىء مرفوض، وأن الرئيس مرسى قد أشار فى جولاته الخارجية إلى أن عصر الانصياع التام والمطلق للولايات المتحدةالأمريكية قد انتهى، كما أن الرئيس مرسى يتعامل مع أمريكا بكونه رئيس جمهورية مصر العربية بكل حقوقه وصلاحياته وأهدافه وعلى أمريكا أن تراعى ذلك.. وشدد شكرى على أن نظام الحكم فى مصر الآن يشرف عليه الشعب، ولن يقبل بأن يزايد أحد على هذا الدور القيادى لمصر. د. محمود أبو العينين: جولات مرسى الخارجية تأتى لمحاولة بناء علاقات جيدة بين قوة صاعدة فى مصر والعالم الخارجى على سياق آخر أكد الدكتور محمود أبو العينين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات الإفريقية سابقًا، أن الزيارات التى قام بها الرئيس مرسى لدول العالم الخارجى ليست هى العامل الأساسى فى استعادة مصر لدورها الإقليمى ومكانتها الدولية، مشيرًا إلى أن استعادة مصر لدورها على الساحة الدولية يتطلب بناء الدولة المصرية من الداخل، وأن تصبح مصر دولة قوية، كما أن جولات مرسى الخارجية تأتى لمحاولة بناء علاقات جيدة بين قوة صاعدة فى مصر والعالم الخارجى، مع إعطاء إحساس للقيادة فى مصر بأنها مقبولة لدى الخارج. وأوضح أبو العينين أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر مصر دولة هامة فى تطبيق الإستراتيجيات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، بينما تعتبر مصر الولاياتالمتحدة القوة العظمى فى العالم ويجب إقامة علاقات قوية معها، وكانت مصر فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات تنظر لأمريكا على أنها تمتلك 99% من أوراق اللعبة فى منطقة الشرق الأوسط.. وقال إن العلاقة بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية الآن فى وضع استثنائى وغير محدد المعالم، حيث أمريكا تستعد لانتخابات رئاسية جديدة، ومصر أيضًا تستعد لانتخابات برلمانية جديدة، ولم تتضح الرؤية بعد فى العلاقات بين البلدين. وأشار أبو العينين إلى أن العلاقات المصرية مع الدول الإفريقية يجب أن تكون إستراتيجية وفعالة ولها رؤية ثابتة وليست موسمية ويجب على الرئيس مرسى ورئيس الوزراء هشام قنديل أن يحرصوا على متابعة الدول الإفريقية، وأن يحرصوا بصفة مستمرة على مشاركة هذه الدول فى أعيادها القومية، مضيفًا فى الوقت ذاته أن العلاقات المصرية الإيرانية التركية لا يجب أن تأتى على حساب العلاقات المصرية الإفريقية.. وأكد أبو العينين أن العلاقات المصرية مع الدول الإقليمية من الممكن أن ينظر إليها من وجهة نظر هذه الدول الإقليمية على أنها علاقات تحالف فى مواجهة دول أخرى، وأن العلاقات المصرية الإسرائيلية يجب أن تسير فى هدف محدد وهو الحفاظ على الأمن القومى المصرى، وأن إسرائيل هدفها استمرار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وأن أى اتصال بين القيادة المصرية والإسرائيلية يجب أن يشمل هذه النقاط. السفير إبراهيم يسرى: زيارات مرسى الخارجية تأتى فى الوقت الحاضر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فى علاقات مصر الخارجية من زاوية أخرى أكد السفير إبراهيم يسرى، مدير إدارة القانون الدولى والمعاهدات الدولية بوزارة الخارجية سابقًا، أن الجولات الخارجية التى يقوم بها الرئيس مرسى تصنع مجد مصر الحقيقى فى العالم الخارجى كله، مؤكدًا أن مصر دولة قوية ومؤثرة فى السياسة الدولة فى الستينيات والسبعينيات، وقد تراجع دورها فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك وأصبحت مصر بلا إرادة. وأوضح الدبلوماسى السابق بالخارجية أن أمريكا دولة لها مصالح حيوية، وأن الرئيس مرسى قد حول العلاقات المصرية الأمريكية إلى علاقة احترام متبادل، وزيارات مرسى الخارجية تأتى فى الوقت الحاضر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فى علاقات مصر خارجيًا بعد تدنى دور مصر الدولى فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك. وأوضح يسرى أن النظام السابق فرط فى المصالح المصرية فى إفريقيا، والرئيس مرسى يحاول استعادتها الآن.