تناول بولنت كينيش، أستاذ العلاقات الدولية وصاحب كتاب "إيران: تهديد أو فرصة؟"، فى عموده اليومى بجريدة التركية "زمان" مسألة زيارة مرسى لإيران والصين وأشار إلى بعض التساؤلات بشأن زيارته لتركيا. فبدأ مقاله بالتطرق إلى العلاقة التاريخية بين مصر وإيران حيث قال أن العلاقات تعود بين اكبر دولتين فى الشرق الأوسط ، مصر و إيران، إلى فترة الأخمينيون الأسطورى بإيران. لكن الأزمات بين مصر و دولة إسرائيل التى تأسست سنة 1948وكذلك سياسات إيران المساندة للغرب إسرائيل أثناء عهد الشاه مهد الطريق إلى تدهور العلاقات بين البلدين. عندما أسس نظام حكم الشاه علاقات مع إسرائيل سنة 1989، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران. و علاقات إيران مع إسرائيل، قضية اليمن، الاتحاد بين مصر وسورية، والمواجهات مع منظمة العالم التعاون الإسلامى أدت إلى تفاقم الأزمات بين البلدين. لقد تحسنت العلاقات بين مصر وإيران بشكل سريع أثناء فترة حكم الرئيس أنور السادات، الذى طور العلاقات مع الغرب و الولاياتالمتحدة أيضا. وسيطرة مصر وإيران على قناة السويس ومضيق هرمز سمح لهم بتولى ادوار سياسية فى الشرق الأوسط. على مستوى الساحة الدولية، الشاة و السادات عزوا إلى العمل سويا من اجل مصالح الولاياتالمتحدة بالمنطقة. لقد ساندت إيران العرب فى حربهم ضد إسرائيل 1967، العلاقات الثنائية بين البلدين تطلبت بعدا جديدا. نظام الحكم فى عهد السادات، الذى كان معادا للإخوان المسلمون، أراد أن يكون الشاة شريكا للحفاظ على الأمن بالمنطقة و تقييد الحركات الإسلامية الناشئة. الثورة الإسلامية الإيرانية 1979 أثارت اهتمامات النظام فى مصر، الذى كان لدية معارضيه مثل الإخوان المسلمون وجماعة التكفير والهجرة. وفى المقابل،مصر زادت نفور الخمينى وإتباعه من خلال إبرام صفقات مع إسرائيل و تقديم ملاذ امن للشاة المخلوع. أثناء توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر و إسرائيل 1979، طالب الخيمينى بشكل شخصى قطع العلاقات مع إيران. وعندما نشبت الحرب بين إيران و العراق، وجدت مصر نفسها بشكل غير مباشر جزء من الحرب. وقد حملت مصر إيران مسئولية تدمير 14 سفينة بالبحر الأحمر و قناة السويس سنة 1984. أثناء التحقيق مع الجماعات الإسلامية بمصر فى مايو 1987، زعم أن إيران كانت تمول تلك الجامعات وانقطعت العلاقات نهائياً مع طهران. وفى ذلك الوقت كانت وسائل الإعلام التابعة للدولة فى مصر تعمل على إظهار الشيعة كمتعصبين وأن مذهبهم الدينى متطرف وأن السياسة الخارجية للخومينى تسعى للمد الشيعي. وقام أيضاً رجال الدين الإيرانيين بإدانة النظام المصرى حتى وصل الأمر إلى حد التكفير وذلك بسبب توقيعها معاهدة كامب ديفيد التى أنهت العداوة بين البلدين، فيرى الخومينى أن هذه المعاهدة تثبت عمالة الرئيس الراحل أنور السادات لإسرائيل. وعلى الجانب الآخر فقد استقبل السادات الشاه الإيرانى بعد نفيه من البلاد مما أغضب رجال الدين الإيرانيين بشدة، وفى المقابل انزعجت السلطة المصرية من قيام إيران بالاحتفال بذكرى اغتيال السادات بإصدار طابع تذكارى وإطلاق اسم أحد المتورطين فى عملية الاغتيال على أحد أهم الشوارع فى طهران. مصر الآن بعد الإطاحة بحسنى مبارك وتولى محمد مرسى الرئاسة بدأت فى تحسين العلاقات المتدهورة مع إيران منذ 1979، الأمر الذى سيؤدى إلى تغييرات إقليمية وعالمية. تتركز عيون المجتمع الدولى الآن على أداء محمد مرسى منذ توليه الرئاسة لتأثيرها على المنطقة وبدا أنه يحاول أن يقف على مسافة واحدة من كل التيارات السياسة فى مصر رغم انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين حتى تزيد شعبيته، لأن المؤيدين له مثلوا حوالى 25% فقط من إجمالى الأصوات فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. و يتجلى بوضوح أن الأسلوب الذى يتبعه مرسى حتى الآن يشبه سلسلة السياسات الجريئة الخطيرة التى اتبعها حزب العدالة والتنمية فى تركيا فى غضون السنوات الأولى التى قاد فيها الحكومة بعد توليه السلطة فى عام 2002. يعتبر ما قام به الرئيس مرسى من عزل قادة الجيش المصرى فى أغسطس بمثابة ضربة قاضية لمن كان يظن أن وصايته على البلاد لن تقهر، وهو ما يعد مؤشر على أنه لن يلتزم بما عهدته البلاد من سياسات تقليدية. فمن المتوقع أن يقوم مرسى فى غضون الفترة القادمة باستبدال 28 محافظ ممن ينتمون إلى المؤسسة العسكرية بأخر ون مدنيون، حيث تم تعيينهم فى عصر مبارك. وبالنظر إلى أنه لا يوجد رؤساء منتخبين للبلديات فى الوقت الحالي، فسوف تثير خطة عزل المحافظين الذين يتبعون النظام البائد الكثير من النقد مثلما حدث عند إقالة القادة العسكريين. علاوة على ذلك، فإن تعيين الرئيس لنائب رئيس واحد فقط من الإخوان فى حين أن النواب الآخرين يضمون نائب قبطى وامرأة و نائب سلفى يعكس توازن سياسته المحلية. ولكن هل سيكون مرسى قادراً على هذا التوازن البارع فى السياسة الخارجية. و وقال المحلل التركي : بالإطلاع على الحوار الذى أجراه مرسى مع وكالة رويترز فى يوم الاثنين، يتضح أن مرسى يعتزم إتباع سياسة خارجية متوازنة. ويمكن رؤية هذا أيضاً من خلال تأكيده على أنه سيظل مخلصاً لاتفاقية كامب ديفيد وبيانه بشأن خطته لوضع نهج جديد للتعامل مع إيران، فضلاً عن سعيه لبذل جهود رامية إلى الإطاحة بالرئيس السورى بشار الأسد. وهذا الصدد أيضا يظهر وجه للشبه بين مرسى وحزب العدالة والتنمية فى تركيا الذى عمل على خلق وتعزيز المزيد من العلاقات بين تركيا والدول المجاورة. وبالطبع نشأت حالة من الشك حول إدارة مرسى للبلاد على النحو ذاته الذى عانت منه سياسة حزب العدالة والتنمية فى تركيا، ولاسيما أن مرسى اختار أن يتجه أولاً إلى الصين، ثم إيران، فى حين أن زيارته الأولى كانت إلى المملكة السعودية العربية، التى تعد الحليف التقليدى لمصر. وبناءً على ذلك، تزداد المخاوف بشأن ما إذا كانت مصر ستشهد تحولاً فى محور سياستها الخارجية. فعلى الرغم من أن محاولة تحديد محور رئيسى لتوجهات السياسة الخارجية لمصر الآن ستكون سابقة لأوانها، إلا أنه من المؤكد أن سياسة مرسى الخارجية ستسلك منحى مختلف تماماً عن سياسات مبارك الرامية نحو تعزيز المصالح الأمريكية والإسرائيلية. هناك أيضًا أمر آخر يحسب لمرسى من خلال زيارته لإيران والصين هو أنه اختار زيارة دولتين أعلنت دعمها الكامل لنظام الأسد فى سوريا. هذا من شأنه أن يبعث بعض من التفاؤل فى أن تكون زيارته قد تساعد على اقتناع الدولتين بإسدال الستار على نظام بشار الأسد. ومع ذلك فإن زيارته تلك لن تنقذ مرسى من ردود أفعال ليست بالهينة سواء من الداخل أو الخارج نتيجة زيارته لإيران حتى وإن كانت من أجل حضور مؤتمر قمة عدم الانحياز لاسيما أن مصر ستستلم رئاسة القمة لإيران. من السهل التكهن بأن الرئيس المصرى سيجد بعض الصعوبات مع الرأى العام فى مصر أثناء محاولته شرح أسباب زيارته لإيران. وكمحاولة لتخفيف وطأة المخاوف تجاه التقارب المصرى الإيراني، هناك بعض الأقاويل تثار حاليًا بأن مرسى سيزور نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. على ما يبدو أن مصر بقيادة الرئيس مرسى تتجه نحو استعادة دورها الريادى فى المنطقة والتقرب من إيران بغض النظر عن ردود الفعل المتوقعة. ولكن ماذا عن حدوث أى تقارب مصرى تركي؟ كانت قد تداولت بعض الأقلام فى الأيام الماضية وقت الانتخابات الرئاسية المصرية بأن حزب العدالة والتنمية التركى قد ساند حزب الإخوان ومحمد مرسى فى حملته الانتخابية. فهل حزب العدالة والتنمية راضٍ الآن عن توجهات الرئيس المصرى بالنسبة إلى علاقته مع تركيا بعد الانتخابات؟ من الطبيعى أن تتساءل عن أى توجهات للرئيس تتحدث؟ لم نجد تصريحات من الجانب المصرى تدور حول تعزيز العلاقات بين البلدين. ونجد أيضًا أن كثير من المصريين يرددون مثل تلك التساؤلات عن مستقبل العلاقات المصرية التركية. وهناك بعض الأقاويل تتردد بشأن مرسى وبعض من مؤيديه حول عدم التطرق إلى موضوع تركيا أو حزب العدالة والتنمية حيث إن هناك بعض الأفراد داخل جماعة الإخوان تؤيد مسألة التقارب المصرى الإيرانى ولا تحبذ التطرق إلى تركيا أو الحزب التركي. إن زيارة الرئيس مرسى لإيران ضاربًا بردود الأفعال غير راضية عرض الحائط بالإضافة لعدم ورود اسم تركيا إلى قائمة الدول التى سيزورها فى الفترة القادمة مسألة تدعو إلى التفكير والتساؤل. فاحتمالية زيارة مرسى للولايات المتحدة وحتى البرازيل أعلى بكثير من زيارته لتركيا. فعوضًا عن زيارة مرسى لتركيا، هناك تصريحات من الرئاسة المصرية وردت بشأن زيارة رسمية محتملة من الرئيس التركى عبد الله غول لمصر. فمتى يتذكر الرئيس المصرى القيام بزيارة لتركيا؟ هل استثمارات الحزب التركى الحاكم لمصر ليست بالأهمية نفسها؟ أو هل ستكون مصر بقيادة محمد مرسى منافس جديد فى مواجهة تركيا؟ سننتظر حتى نرى ما تخبئه الأيام المقبلة.