لا يوجد لدي خطة لخوض المنافسة في انتخابات البرلمان في الشهر المقبل ، قال جمال مبارك في المؤتمر الصحافي في القاهرة الذي ربّت فيه علي كتفه نفسه إثر الفوز الساحق الذي حققه والده في الانتخابات الرئاسية. حسني مبارك حصل علي 88 في المئة من اصوات الناخبين، بينما حصل خصماه الأبرز، رئيس حزب الوفد نعمان جمعة، ورئيس حزب الغد أيمن نور، علي نسبة متواضعة جدا. جمال (جيمي) مبارك، 41 سنة، ورقم 3 في الحزب الحاكم المصري، هو الشخص الذي حدد مسار الفوز الذي حققه والده في الانتخابات. هو الذي حدد أين يظهر الرئيس (خصوصا في المدن الزراعية وبالأخص في مواجهة الجماهير الشابة)، وكيف يلبس (بدلة من دون ربطة عنق ومساحيق بسيطة ونظارات طيارين حتي تضفي عليه مظهرا أكثر عصرية)، كما حدد طبيعة الرسائل التي تصدر عنه: مكافحة الفقر، توفير 4.5 مليون فرصة عمل جديدة، والتعهد بتحسين جودة الحياة وتنفيذ الاصلاحات. ولكن بالرغم من تصريحه بعدم خوض المنافسة علي منصب وزير أو مقعد في البرلمان، إلا أن جمال مبارك لا ينوي مغادرة الحياة السياسية. بل علي العكس تماما. السيناريو الجديد الذي ترسمه اجهزة الاستخبارات عندنا، يوصي بمتابعة خطواته بصورة متواصلة علي افتراض أنه قد ارتقي بمكانته استعدادا للولوج الأكثر نعومة في الديوان الرئاسي في قصر الاتحادية في القاهرة. سيناريو الخلافة حسب السيناريو المفترض، مبارك الأب لا ينوي إنهاء سنواته الست الجديدة في الرئاسة. بعد عامين ثلاثة عندما يصل مبارك الي سِن الثمانين علي ما يبدو سيعلن عن التنحي الطوعي وينقل المفاتيح من جيب الي آخر داخل العائلة. كيف سيحدث ذلك؟ الجهاز السياسي سيطلب تعيين جيمي، وشريحة رجال الاعمال التي تقود الحياة في مصر اليوم يدا بيد مع اجهزة الأمن ستصطف من خلف المبادرة المزمعة ، يقول أحد كبار المسؤولين في الاستخبارات الاسرائيلية. بعد اربعة رؤساء مصريين خرجوا من صفوف الجيش نجيب، ناصر، السادات ومبارك يقومون الآن بطبخ رئيس شاب كاريزماتي وموهوب يعرف جيدا كيف يجري العالم الكبير، ويظهر لمصر وجها مدنيا حاشدا من ورائه دعم الجيل الشاب من المثقفين ورجال الاعمال الرياديين في الانتاج، ويحصل ايضا علي دعم العاطلين عن العمل الذين يحاول من أجلهم خلق فرص جديدة. في العامين الثلاثة القريبة ينوي جيمي العمل بكد كبير في عدة مجالات اقتصادية متنوعة . وماذا بالنسبة لدعم اجهزة الاستخبارات والأمن المصرية؟ اذا ظهرت مشكلة من بعض بؤر المقاومة ، يقول أحد المُعدين للسيناريو المفترض والذي أُرسل لمعاينة كبار المسؤولين في اجهزة الاستخبارات في الولاياتالمتحدة واوروبا، سيقوم مبارك الأب بمرافقة تنحيه بخطوة دراماتيكية إذ يعين لنفسه وللمرة الاولي نائبا للرئيس، هو سيختار شخصية ذات سيطرة في اجهزة الأمن، شخصا يستطيع الاعتماد علي ولائه المطلق له. في الوقت الحالي يعتبر الجنرال عمر سليمان المرشح الأبرز للمنصب. ولكن مبارك يستطيع ايضا أن يباغت المراقبين في اللحظة الأخيرة مُعينا شخصا يقوم برعايته وإعداده بسرية من دون أن نلاحظ نحن ذلك . في نفس المؤتمر الصحافي تطرق مبارك الابن الي قضية خلافة الحكم. الحملة الانتخابية تمخضت عن شارع متأجج متحمس لا يتردد في رفع لافتات ضخمة كُتب عليها كفاية و الي هنا . حيث يقصدون ولاية مبارك في الحكم. هذه ايام لم يعد يخشي فيها رجل الشارع المصري من قول ما يفكر به، ويوجه الانتقادات لقوانين الطواريء التي تفرض قبضة حديدية في علاقة المؤسسة مع المواطن الصغير. رد جمال علي هذا السؤال كان حاذقا كما يبدو للوهلة الاولي. ولكن في اللحظة الثانية كانت الكلمات تتحدث عن نفسها. أنا لا أنوي الهروب من السؤال (هل سيظهر في قائمة المتنافسين علي الرئاسة في الجولة القادمة). أنا ببساطة لا أستطيع أن أرد عليه. فالانتخابات كما نعلم ستجري بعد ست سنوات فقط، وليس الآن . بكلمات اخري، ليس هناك مصادقة ولا نفي لهذه القضية. قبل ثلاث سنوات حُظر علي وسائل الاعلام المصرية أن تذكر اسم من سيصبح في المستقبل رئيسا للدولة. الصحافي الذي كان يصر علي القيام بذلك كان يقع في ورطة مع السلطات. جمال مبارك تسلق الحزب الحاكم الي قمته، ويحرص علي الاختباء وراء ظل أبيه الظليل محاولا جعل الحزب الحاكم العجوز يظهر بوجه شاب من خلال مقربيه في شريحة رجال الاعمال من خريجي الجامعات الامريكية الراقية. الاقتصاديون الشبان الذين رعاهم قاموا باعداد خطة خمسية للمشاريع التجارية التي صادق عليها البرلمان. هؤلاء الاقتصاديون يظهرون الآن كأشخاص لا يقف أي شيء في طريقهم في كل ما يتعلق بالتعاون التجاري مع اسرائيل. بهذه الطريقة وُلد التأييد لاقامة منطقة التجارة المفضلة مع اسرائيل، وكذلك تبدو بشائر استئناف التعاون الزراعي واتفاقية بيع الغاز. عشرات رجال الاعمال الكبار يجتاحون بجموعهم السوق باحثين عن شركاء تجاريين في اسرائيل بدعم من السلطات المصرية. لكل واحد منهم يوجد كما يظهر قدر غير قليل من الساعات في معية جمال مبارك. الأمر الأهم، كما قال مبارك الابن، هو ضمان مصدر رزق ثابت. من يحصل علي رزقه بكرامة لن يتبني الايديولوجيات المتطرفة. هو نفسه من خريجي معهد ادارة الاعمال والعلاقات الدولية في الجامعة الامريكية في القاهرة. وعمل 11 عاما في بنك أوف امريكا في مصر ولندن. عندما عاد في عام 2000 عكف علي الربط بين الاقتصاد والسياسة وأقام جمعية رجال الاعمال المصرية الامريكية بتشجيع دافيء من الرئيس كلينتون. وفي لحظات داعب نفسه ايضا بامكانية اقامة حزب منافس للحزب الحاكم، إلا أن الجيل القديم عبر عن معارضته الحازمة لذلك. وعندئذ عينه والده الرئيس في منصب مركزي أُعدّ خصيصا له أمين سر اللجان السياسية في الحزب الديمقراطي الوطني، الحزب الحاكم، منصب وضعه في المرتبة الثالثة في قمة الهرم. لطيف.. منفتح وذكي قبل سنة بالضبط أقال الرئيس مبارك رئيس وزرائه العجوز، عاطف عبيد، وأقال الوزراء. علي رأس الحكومة الجديدة التي هي مزيج حاذق من ممثلي الجيل القديم والجديد علي حد سواء، نُصّب صديق جمال المقرب، الدكتور احمد نظيف، رئيس الحكومة الأصغر سِنا في التاريخ المصري الحديث. سبعة وزراء جُدد يشكلون الآن مجموعة اقتصادية قوية ومتراصة حول طاولة الحكومة وزير المالية، الاقتصاد، التجارة الخارجية، السياحة وغيرهم هم الفريق الذي اختاره نظيف. هذه المجموعة نجحت بسرعة في تسجيل نمو ب 5 في المئة في الاقتصاد المصري الذي يعمل منذئذ بالتركيز علي التصدير والخصخصة وتخفيض الضرائب والجمارك وتشجيع الاستثمارات الخارجية. مرت ثمانية اشهر، وفي الصيف الأخير تم استبدال كل محرري الصحف دفعة واحدة، الصحف والاعلاميين الذين يتولون مواقع مركزية في بلورة الرأي العام المصري. علي رأس جمهرة المقالين كان ابراهيم نافع، مستشار الرئيس مبارك والمؤتمن علي سره الذي كان محررا رئيسا لصحيفة الأهرام الرسمية طوال 26 عاما. نافع انصرف الي بيته بعد ان تبين انه صاحب أعلي راتب في القطاع العام 700 ألف دولار شهريا. عندنا ساد شعور بالارتياح، ذلك لانه طوال سنوات رئاسة نافع لنقابة الصحافيين، كان يصر علي الوقوف في وجه كل تعاون مع وسائل الاعلام الاسرائيلية. المحررون الجدد الذين عُينوا بين ليلة وضحاها يدينون بهذا التعيين لمبارك، الجيل القادم. جمال مبارك يتجول منذ الآن مع ثلة من الحراس، ويتواجد في المناسبات الصحيحة ، وصوره تلمع في وسائل الاعلام في احيان كثيرة ومتقاربة. في الوقت الذي يقوم فيه والده بإلقاء الخطابات ومصافحة الناس وتدشين المصانع، تقوم عدسات الكاميرا بالتسابق لالتقاط قسمات وجه جمال. بعض المحللين الكبار يشيرون الي الرسالة التي تعبر عنها قسمات وجهه في كل صورة من الصور. مبارك جونيور يقوم بتنظيم حفل استقبال حافل لاعضاء الوفد الاولمبي المصري الذي جلب خمس ميداليات. مبارك جونيور يشارك في مراسم توزيع الجوائز للمستثمرين المتفوقين. صوره ستظهر دائما وهو مرتبط بالنجاحات والأحداث ذات الطابع الوطني والرسمي، وهو سيحافظ علي بروز منخفض في اللقاءات مع السياسيين ورجال الاعمال الاسرائيليين. الاسرائيليون الذين قابلوه، يتحدثون عن شخصية مثيرة بالتأكيد ، ويتأثرون من لغته الانكليزية الطليقة ومن انفتاحه. هم لن يسارعوا الي تسريب أمر اللقاءات لوسائل الاعلام حتي لا يحرقونه في مصر، ولا نقوم عندنا بحرق العلاقات . الرئيس المصري القادم، كائنا من كان، سيحتاج الي دعم الدول الكبري في العالم بصورة مكثفة. من يتابع مجري العلاقات اليوم بين واشنطنوالقاهرة يلاحظ وجود ليونة متبادلة. قبل شهرين فقط، في ذروة المنافسة الرئاسية، أرسلت الادارة الامريكية كوندوليزا رايس للالتقاء مع مبارك الأب في شرم الشيخ، ومقابلة رئيس المعارضة أيمن نور في القاهرة باسم التوازن السياسي والديمقراطية. عليهم في واشنطن أن لا يعتقدوا أنني نائم ، قال مبارك معلقا علي ذلك بغضب. عليهم أن لا يظنوا أنني لا أعرف كيف يتحركون من خلف ظهري . بعد انتصاره الجارف لم يعد غاضبا. هو يشير ايضا الي الأهمية التي يجدها في الحفاظ علي العلاقات الممتازة مع واشنطن. في حاشية الرئيس بوش توقفوا عن محاولات دفع مصر الي السير فوق المسار الديمقراطي. مبارك الأب يعد بالاصلاحات؟ هذا كافٍ لهم. مبارك جونيور يتجند للكفاح الاقتصادي. هذا يكفي ايضا. من يريد الهدوء والاستقرار في الدولة العربية الأكبر ومن يريد أن يكون الزعيم قويا في مواجهة الحركات الاسلامية المتطرفة عليه أن لا يعرقل خطط عائلة مبارك. --------------------------------------- (يديعوت احرونوت) ترجمة: القدس العربي 10-10-2005