هل سمعتم بطبيب يحال إلى محكمة الجنايات لأنه قام بإعطاء دواء ناجع لمريض؟ ، أو معلم يحال إلى الجنايات لأنه أفلح فى محو أمية مواطن ؟ أو ضابط شرطة يحاكم جنائيا لأنه نجح فى القبض على لص ؟ لو سمعتم بشىء من هذا لما كان ذلك أغرب مما سمعناه من إحالة مجموعة من الصحفيين بجريدة صوت الأمة متهمين بقيامهم بنشر أخبار موثقة (منسوبة إلى مصدرها )!!، ..هل فيكم من كان يتصور أنه سوف يجىء ذلك اليوم الذى يصبح فيه أداء الواجب المهنى فى مصر مجرد أداء الواجب المهنى على النحو السليم فعلا مؤثما يستوجب الإحالة إلى المحاكمة ؟...فضلا عن أن تكون المحكمة المختصة هى محكمة الجنايات؟؟ ، وإلا فهل تعرفون وصفا آخر لما فعله وائل الأبراشى والمحالون معه، هل تعرفون وصفا آخر لما فعلوه سوى أنهم قاموا بأداء الواجب الذى تفرضه عليهم مهنتهم كصحفيين؟، ( لأننا فى عصر الأوضاع المقلوبة بفعل فاعل، لكم أن تتوقعوا أنه كلما كان أداء المرء لواجبه أكثر كفاءة، فإن هذا فى حد ذاته سوف يصبح ظرفا مشددا من ظروف تلك الجريمة الطريفة المستحدثة:جريمة القيام بالواجب المهنى!!)، قد يقال فى معرض الدفاع عن قرار الإحالة هو أنه قد تم وفقا لصحيح القانون بناء على التشريعات التى مازالت إلى الآن سارية المفعول رغم وعد الرئيس بإلغائها ( سبق أن أوضحنا فى أكثر من مقال أن هذا النوع من التشريعات الذى يكمم حرية الصحافة هو فى حد ذاته جرائم إرهابية لا شك فيها ، وهى جرائم رغم تنكرها فى زى التشريعات تظل مفتقدة إلى الحد الأدنى من شرعية الضمير ،حتى وإن صدرت من برلمان، أو بالأحرى ما يشبه البرلمان!!) ، وقد يقال أيضا فى معرض الدفاع عن قرار الإحالة إن الخبر الذى نشرته صوت الأمة يمس نزاهة مجموعة معينة القضاة مذكورين بأسمائهم ومتهمين من قبل البعض بأنهم مشاركون فى تزوير الإنتخابات، وهو الأمر الذى ينتقص مما ينبغى أن يكون للقضاة جميعا فى النفوس من الهيبة الواجبة ؟، وفى مجال الرد على ذلك نقول إن القضاة لهم، وينبغى أن يكون لهم جميعا فى كل النفوس كل الهيبة والإجلال والتقدير، وهى هيبة تنبع أساسا من اقتناع المواطنين قناعة حقيقية بعدالتهم وكفاءتهم ونزاهتهم ، وهذه القناعة لا يمكن أن تترسخ بتسليط السيوف على رقاب الصحفيين الذين ينقلون الأخبار من مصدر معلوم وهذا واجبهم إلى الناس، فالسيوف قادرة على أن تستولد الخوف لكنها عاجزة عن أن تلد الإقناع!!، والنتيجة العملية لمعاقبة الصحفيين أو حتى تقديمهم إلى المحاكمة هو زيادة اقتناع الناس ( ربما ظلما) بأن هؤلاء القضاة مزورون،... ثم إننى لا أدرى ما هو وجه العجلة فى تقديم صحفيى صوت الأمة إلى المحاكمة بينما الطعون الإنتخابية المتعلقة بالدوائر التى أشرف عليها أولئك السادة القضاة مازالت منظورة أمام محكمة النقض، وحين تقول المحكمة كلمتها فسوف يكون من حق السيد النائب العام إذا جاءت الكلمة لصالح المطعون ضدهم أن يحيل كل من تعرض لهؤلاء القضاء الأجلاء بما يخدش نزاهتهم أو كفاءتهم ، سوف يكون من حقه أن يحيلهم إلى المحاكمة سواء كان الخادشون من الصحفيين أم من زملائهم من القضاة أنفسهم!! ، أما إذا جاءت كلمة محكمة النقض لصالح الطاعنين ، فلا أحد أيضا فوق القانون، وينبغى أن يحال المخطئون المزورون ولو كانوا من القضاة إلى محكمة الجنايات، وهذا هو ما تعلمناه من أجيال شامخة من قضاء مصر الشامخ ، وهذا هو ما يجعل لهم فى نفوسنا ما لهم بالفعل من المهابة والإجلال والتقدير . [email protected]